يوصف بداء العصر، ربما لا ينتبه إليه البعض أويجهلونه عن قصد أو غير قصد، يحتاج لدراسة من الخبراء والناشطين في حقل التكنولوجيا ويطرح أسئلة عديدة، لاسيما المتعلقة بشخصية الإنسان. هنا نتساءل هل شخصية مستخدم الفايسبوك هي نفسها لما يكون بعيدا عنه؟ وكم شخصية تنتج عن استخدامه، ألا يعني هذا انفصاما للشخصية أوما يسمى بالشيزوفرينيا؟. المعروف عن الشيزوفرينيا أنّها مرض دماغي يعبرّ عنه بازدواجية الشخصية، يصيب عدداً من وظائف العقل، وهي مجموعة من الاستجابات الذهنية تتميز باضطراب في العلاقات الواقعية وتكوين الفكرة وأخرى تمسّ السلوك والعاطفة. وحينما يتعلق الأمر بالفايسبوك الذي يتيح للأفراد التواصل الاجتماعي وتتبع الأخبار والدردشة ومشاركة الصور وغيرها من الخدمات الجميلة، فهذا يعني أنّ الاثنين مرتبطان بشكل معين، حيث لو تقوم بجمع الكلمة الأولى ”الشيزوفرينيا” والثانية ”الفايسبوك”، فإنّه يتشكل لديك كلمة ”شيزوفرينيا الفايسبوك” أي داء أو مرض الفايسبوك، لأنّ مستعمل الفايسبوك يقفز بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى شخصية أخرى أو عدة شخصيات في نفس الوقت تكون شريرة أو طيبة عادة، ما يخلق قناعا يخفي بداخله الحقيقة والوهم معا.. وهذا ينطبق على رواد هذا الموقع الاجتماعي من الجزائريين في عالم بات اليوم قرية صغيرة لا يعترف فيه بالحدود. ما وراء القناع.. إنّ استخدام صاحب الحساب اسما مزيفا أو حقيقيا، دليل على شيزوفرينيا الفايسبوك، فإذا كان من النوع الأولّ فهذا يؤكد نقطة مهمة تتعلق بالدرجة الأولى بحمايته لخصوصيته من باقي مرتادي الموقع، بمن فيهم القراصنة، إضافة إلى التواصل مع العالم بطريقة مريحة ومزيفة لا تعرف منها حقيقته من صدقه، الغاية منها هي السخرية والتهكم وربما الجريمة وربط علاقات إنسانية أو غرامية وغيرها.. لأنّ بطلها بلا صورة ولا وجه ولا اسم ولا عنوان ولا مهنة حقيقية، ولا رقم هاتف. غير أنّ هذا الهدف لا يدلّ كثيرا على تلك الغايات بقدر ما يحيل إلى انفصام في شخصية المستعمل الذي يريد أن يحقق أحلاما لم يستطع تحقيقها على أرض الواقع، كأن يتقمص شخصية ممثل أو رياضي، شخصية فنانة أو شخصية رجل أعمال.. إلخ، حيث تجده يقول دائما ”لا أحد يعرفني أو يعرف حقيقتي من أكون وماذا أريد”.. الصورة تحرك المخيلة بالمقابل يبدي من يحاوره ويحادثه في غياب الفيديو والكاميرا، باعتبار أنّ العملية محصورة فقط في الصوت أو الكتابة بلوحة المفاتيح أو أزرار الهواتف الذكية واللوحات، نوعا من التأثر من خلال الكلمات المستعملة أوالصوت مع الطرف الآخر، وبالتالي يكون التأثير حاصلا في التجاوب معه بتصديقه أو تكذيبه مع بقاء علامة استفهام حول الصورة.. ترى من يكون وكيف هو شكله، كم عمره؟ عكس الشخص الحاضر فعلا والظاهرة صورة وصوتا وعلى المباشر، ما ينفي أي شك أو طرح سؤال معين، إذ يسهل الأمر ويكون الكلام معه سلسا أحيانا خصوصا إذا كان معروفا، أي من الأقارب أو الأصدقاء أو زملاء العمل. ولذلك يمكن الاستنتاج أنّ الحديث في الفايسبوك حسب الأسباب السابقة يقلّ مع الطرف الآخر نظرا لجهل أشياء كثيرة عنه، وهذه هي شيزوفرينيا الفايسبوكيين. الأسماء الوهمية.. سم قاتل تشكلّ الأسماء الوهمية والمستعارة لرواد الفايسبوك في الجزائر وباقي الدول نسبة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي والأنترنت عموما، حيث يستخدمها البعض ولا يدركون مدى سمّها القاتل الذي تحمله في طياتها، كونها تساهم بشكل ما في بلورة شخصية غير تلك الحقيقية لمرتادي الفايسبوك، والذي يعجز أحيانا عن فهم حاله ومعرفة شخصيته، ناهيك عن دفعها له إلى ممارسة أشياء هو في غنى عنها، كترغيبه في الشتم والسبّ والكذب ونشر صور ومقولات قبيحة لا توافق الآداب العامة ولا تحترم الأخلاق، ويميل الى التعصب والتطرف والتعامل بألفاظ جارحة. بل هناك من أصحاب الأسماء الوهمية حسب الآراء التي استطلعتها ”الفجر” من تحايل على عديد الأشخاص بالقيام بعمليات سرقة وارتكاب الجرائم بمختلف أشكالها، وهذا هو الخطر الذي يجرّ المتخفين وراء قناع الفايسبوك، لأنّهم يشعرون ببساطة تامة أنّه ما من رقيب أو محاسب باستثناء الضمير الذي قد يعلو الفعل عليه. السلوك في خطر ولتسليط الضوء على الإشكالية وتأثيرها على ازدواجية الشخصية أو شيزوفينيا الفايسبوك، سألت ”الفجر” بعض أصحاب حسابات بأسماء مستعارة منهم ”مونا نور” ببروفايل عليه صورة ”وردة”، التي اعترفت أنّها لا تُدلي باسمها الحقيقي في الشبكة لحماية خصوصيتها، وتقول:”شخصيا أعتبر موقع التواصل الفايسبوك وسيلة إلكترونية تقوم على تسهيل مهمة التواصل بين الناس بطريقة سهلة ومتاحة، وكوني أشتغل في قطاع الإعلام أفضل استعمال هذا الوسط الافتراضي للوصول إلى المعلومة بشكل أدق، واتباع مستجدات الراهن الدولي”، وتضيف ”الفايسبوك أثرّ علي كمهنية أكثر، أما على المستوى الشخصي أستطيع الاستغناء عنه لأنه بالنسبة لي وسيلة قد تؤدي إلى الهلاك، خاصة إذا ارتبط الأمر بالجانب العاطفي لأنّ مستعملي هذا الوسيط الافتراضي همهم الوحيد هو الضحك على الإناث والعكس صحيح”. بدورها تعتقد صباح مريم، ببروفايل غريب ”صورة نفق طريق”، أنّ الفايسبوك لا يؤثر في شخصيتها لكن في بعض الجوانب، حيث لا تستطيع أن تفرّق بين ما هو حقيقي وخيالي، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأشخاص لا تعرفهم في الواقع لأن القضية مرتبطة بالاتصال الافتراضي. كما تؤكد أنّ التأثير يمس شريحة المراهقين لأنهم - حسبها - ذوي شخصيات ضعيفة لا تثق في نفسها وتتأثر بسرعة بغيرها، وتجد في شبكة الفايسبوك المتنفس الوحيد لإبراز ذاتها الداخلية وتتقمص الشخصية التي لم تستطع تحقيقها في عالمها الحقيقي لخوفها من ردة فعل المحيطين بها. إضافة إلى أنّنا سمعنا كثيرا عن جرائم ارتكبت عن طريقه كالقتل بإيهام الضحايا والاختطاف، حيث راح ضحيته عدّة أطفال أبرياء. وتشير ”ميسي سورا” 22 ربيعا، مثل ما هو مكتوب في جدارها، إلى أنّ الفايسبوك وسيلة للتعبير لأصحاب المستوى العالي من مثقفين وكتّاب وغيرهم، بينما يظلّ بالنسبة لمحدودي المستوى وسيلة لتقمص الشخصيات والقرصنة. وتعتبرهما ”سورا” من أعراض انفصام الشخصية أو شيزوفيرينيا الفايسبوك قائلة:”لأنّ هناك أشخاص يتكلمون وعقول تفكر.. والسؤال في ماذا تفكر”. كلّ شيء مباح إلا الخصوصية ”نينو كراون” الذي يضع صورة خشبة المسرح في بروفايله، يؤكد أنّ خصوصيته يجب أن لا يبوح بها لأحد، باستثناء مجال عمله في المسرح، حيث يراه واجبا حتى يتعرف عليه أصدقاؤه، بينما الاسم واللقب لا يهمان، فيكفي ذكر العمل فقط. وبخصوص ازدواجية الشخصية في الفايسبوك، يجيب ”نينو” أنّها لا تبدو كذلك بحكم أنّ شخصيته ثابتة ولا تتغير مهما تغيرت الظروف، وما يطرحه البعض لا يهمه. غير أنّه أكدّ وقوع جرائم سرقة بين أشخاص كانت بدايتها حجة التعارف ليتحول الأمر في النهاية إلى مأساة. وفي السياق أشار ”ساجد” طالب جامعي، ببروفايل عليه صورة طفل ومعلومات شخصية غير حقيقية خاصة بفريق ”البارصا”، حسب ما هو مكتوب في صفحته، أنّ الوضع غير الآمن يجعلك تفكر في عدم إبراز حقيقتك للغير، وربما هذا يدفعك إلى تقمص عدّة شخصيات في آن واحد أثناء الدردشة، لاسيما مع الذين لا يعرفونك وتتعرف عليهم للوهلة الأولى. ولم يتوقف عند هذا الحدّ فقط بل قال:”تعدد الشخصيات والأفكار يدفع البعض لارتكاب جرائم مختلفة من ترويج للمخدرات وسب وشتم، حسب ما نسمع به دائما، وبالتالي بقدر ما أصبح الفايسبوك وسيلة للتواصل أضحى كذلك خطرا على مستعمله والطرف الآخر”.