نسبة تنفيذ الاحكام في القضايا الادارية والمدنية بلغت نسبة 94 بالمائة    وفد من المدرسة العليا للدرك الوطني في زيارة اعلامية للمجلس الشعبي الوطني    عطاف يضع بستوكهولم إكليلا من الزهور على قبر صديق الثورة الجزائرية الفقيد أولوف بالمه    البطولة الافريقية المدرسية: انهزام المنتخب الجزائري أمام جنوب افريقيا (0-2)    سوناطراك تجدد اتفاقية تعاونها مع المندوبية الوطنية للأمن في الطرق    وفد تشيكي من مدرسة براغ للسينما يزور المعهد الوطني العالي للسينما    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    مسيرة الحرية: رابطة الصحفيين والكتاب الصحراويين بأوروبا تندد باستهداف الصحفيين من طرف بلطجية المخزن    تفعيل الشباك الوحيد للاستثمار: الحكومة تدرس تعديلات على المرسوم التنفيذي الخاص بعقود التعمير    انطلاق أشغال المؤتمر ال25 للرابطة العربية لجمعيات الروماتيزم بالجزائر العاصمة    عطاف يجري محادثات على انفراد مع نظيرته السويدية : تناغم المواقف بين الجزائر والسويد حول عدد من الملفات والقضايا    بحث تنظيم زيارة لوفد صناعي قطري إلى الجزائر    البطولة العربية للرماية بالقوس والسهم : مشاركة عشر دول في موعد تونس    وهران: افتتاح الطبعة ال 15 للصالون الدولي للسياحة والسفر وخدمات الفندقة والمطاعم    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51305 شهيدا و117096 جريحا    معالجة أزيد من 31 مليون طن من البضائع    قطاع النسيج يتعزّز    بطولة الرابطة الأولى: رئيس الاتحادية يدعو الأندية إلى ضمان السير الحسن للمقابلات في إطار التنافس النزيه    تجاوزات على الهداف    الجزائر تؤكد التزامها بدعم دول إفريقيا    مولوجي تبرز جهود حماية ذوي الاحتياجات السمعية    قسنطينة: إعادة تشغيل المصعد الهوائي للمدينة    الجزائر تتعرّض لمؤامرة كبرى    استشهاد 600 طفل في غزّة خلال شهر    وفاة 39 شخصا وإصابة 1526 آخرين بجروح    الاعلان عن نتائج الدورة الثالثة أفريل 2025 للالتحاق بمهنة مترجم    تراجع أسعار النفط بأكثر من 2 بالمئة    تواصل جلسات إثراء القانون الأساسي والنظام التعويضي لأسلاك التربية    مجمّع "ليون" الماليزي يريد الاستثمار في بالجزائر    توقيف أشخاص حرّضوا على المضاربة في منتوج البطاطس    تفكيك شبكتين وضبط 4 قناطير من الكيف مصدرها المغرب    تقييم العمليات الخاصة بإعادة تأهيل السد الأخضر    الإعلان عن تشكيل جمعية للجزائريين المقيمين بهولندا    مسابقة وطنية لأفضل فيديو توعوي لمكافحة المخدرات    التدخّل الدولي الإنساني العاجل في غزة ضرورة قانونية وأخلاقية    انتخاب كمال سعيدي عضوا في المكتب التنفيذي    التدخلات الجراحية ليست ضرورة لعلاج انسداد شريان الرقبة    "الخضر" يواجهون رواندا بقسنطينة وهذه خطة بيتكوفيتش    الذكاء الاصطناعي.. هل يزيد البشر غباءً؟    مختبرات الذكاء الاصطناعي لمكافحة الجريمة    الحقل التكويني رهين بقدرة التفكير الجماعي واتخاذ القرارات الجريئة    تقاطع المسارات الفكرية بجامعة "جيلالي اليابس"    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    تنظيم مسابقة وطنية للطلبة لأفضل فيديو توعوي لمكافحة المخدرات    تمنراست: الكتابة والنشر ضمن أولويات برنامج المحافظة السامية للأمازيغية    وضعية مقلقة لمنصف بكرار في البطولة الأمريكية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    قسنطينة : اختتام الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي    موضوع ندوة علميّة : إبراز جهود جمعيّة العلماء المسلمين في النّهوض بالمرأة والأمّة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أركون في الدار البيضاء
نشر في الفجر يوم 19 - 09 - 2014

بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيل ”صاحب نقد العقل الإسلامي” نظم المركز الثقافي الفرنسي في الدار البيضاء بالتعاون مع ”مؤسسة محمد أركون للسلام بين الثقافات” ندوة فكرية. ومن هو الجندي المجهول الذي يقف وراء كل هذه النشاطات الفكرية والإبداعية؟ إنه ليس إلا زوجة الراحل نفسه السيدة ثريا اليعقوبي أركون. وكان عنوان الندوة ”النساء يحتفلن بفكر أركون ويشدن بمناقبه في الذكرى الرابعة لرحيله”. لأول مرة النساء في المقدمة والرجال في المؤخرة. لأول مرة الأنثى تتكلم والذكور يصمتون. حقا لقد انتقم التاريخ للجنس اللطيف: وأي انتقام! وذهب الجنس الخشن البشع غير مأسوف عليه. وبالتالي فلم يبق لنا نحن معشر الرجال إلا دور المتفرج. ولكنه دور محظوظ في الواقع. فهل تحلم بأكثر من أن تجد نفسك في بحر متلاطم الأمواج من السيدات والآنسات المثقفات الرائعات؟ حيثما أجلت بنظرك لا تجد إلا العلم والفهم والجمال. فلماذا تندب حظك أيها الساذج بدلا من أن تحمد ربك على هذه النعمة التي لا تستحقها أصلا؟
لقد شاركت في هذه الطاولة المستديرة أو الندوة المصغرة عدة شخصيات نسائية وباحثات مفكرات وأدارتها الناشرة السيدة زينب عبد الرازق الشرايبي. نذكر من بين المتدخلات الباحثة المغربية مريم العمراني، والباحثة الألمانية أورسولا غونتير، والباحثة التونسية الدكتورة لطيفة الأخضر. الأولى مختصة في العلوم السياسية ورئيسة رابطة ”ذاكرة” في بروكسل. وأما الثانية فهي مختصة بعلم الإسلاميات وأستاذة العلوم الدينية بالنيابة في جامعة غوتنغين، كرسي الإسلام المعاصر، وأما الثالثة فهي أستاذة التاريخ المعاصر في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، وهي مؤلفة عدة كتب عن العلاقة بين الإسلام والحداثة. وبالتالي فالمستوى كان عاليا ويليق بصاحب أخطر مشروع تجديدي في الفكر الإسلامي المعاصر.
هذا وقد سبق الطاولة المستديرة كما ذكرنا عرض فيلم وثائقي من صنع مريم العمراني بعنوان ”محمد أركون: من أجل فكر تحرري أو تحريري”. وكانت قد أعدته بمناسبة آخر المقابلات التلفزيونية المصورة التي أدلى بها أركون قبل رحيله بسبعة أشهر فقط، وهو فيلم يستعرض مساره الشخصي ومعاركه الثقافية. لقد كان الفيلم ناجحا بكل المقاييس، وفيه بدا أركون مجوهرا تماما شكلا ومضمونا وهو في أوج مجده الفكري. وعلى ذكر معاركه الفكرية يمكن القول بأن أول معركة كبيرة خاضها هي تلك التي جرت أثناء تحضير شهادته لدكتوراه الدولة عن النزعة الإنسانية والعقلانية العربية في القرن الرابع الهجري - العاشر الميلادي.
فقد اعترض الأساتذة المستشرقون على وجود مثل هذه النزعة الإنسانية لدى العرب المسلمين. وقالوا بأنها لم توجد في تراثهم وإنما هي محصورة بعصر النهضة الأوروبية للقرن السادس عشر. ولكن أركون استطاع البرهنة علميا على وجودها في تراثنا. والآن أصبح ذلك حقيقة معترفا بها من قبل الباحثين العالميين. ولكن هذه الحقبة العقلانية التنويرية لم تدم طويلا؛ فسرعان ما جمد الفكر العربي الإسلامي وتحنط وتكلس ودخلنا في عصور الانحطاط الطويلة. وهي عصور لم نخرج منها حتى الآن. وأكبر برهان على ذلك أننا أتحفنا مؤخرا ب”داعش” والداعشيين. ولا زائد لمستزيد.
أما الفكرة الثانية التي وردت في مقابلة أركون المطولة التي تمت على مدى يومين متتاليين فهي هامة جدا وتستحق التوقف عندها. فقد قال ما معناه: مشكلة الفكر العربي المعاصر هي أنه لا يستطيع التفريق بين الجانب الإيجابي المضيء من الحضارة الغربية - والجانب السلبي الرديء. إنهم ”يرمون الطفل مع الغسيل الوسخ” كما يقول المثل الفرنسي. بمعنى أن الإيجابيات تذهب ضحية السلبيات. ففترة الاستعمار كانت قمعية بكل المقاييس. وبسببها راح العرب يرفضون حضارة الغرب جملة وتفصيلا. ولكنهم برفضهم هذا حرموا أنفسهم من كنوز معرفية وفتوحات فلسفية لا تقدر بثمن.
وهذه الكنوز تتمثل أساسا بفلسفة الأنوار التي أخرجت أوروبا من الظلمات القروسطية وجعلتها تتفوق علميا وفلسفيا وحضاريا على كل شعوب العالم. ثم أشار أركون إلى نقطة أساسية وهي أن الفترة الاستعمارية البغيضة كانت خيانة صريحة لمبادئ فلسفة التنوير ذاتها، بمعنى أن الغرب خان نفسه بنفسه. وهنا تكمن مشكلة رهيبة. فالحضارة الغربية بدت عملاقة علميا وتكنولوجيا ولكنها أحيانا تكون قزمة أخلاقيا وإنسانيا. وربما كانت تكمن هنا أكبر خيبة أو أكبر فجيعة في التاريخ البشري كله. هذه الفكرة الأخيرة من إضافاتي وفذلكاتي الاستطرادية على فكر أركون. وأنا كما تعلمون لا أستطيع أن أعيش من دون فذلكات. ولست واثقا من أني قادر على تحمل مسؤوليتها.
لا بد من الإشادة بجهود السيدة ثريا اليعقوبي أركون. فما انفكت بعد رحيل زوجها تناضل من أجل نشر فكره في شتى أنحاء العالم رغم ضعف الإمكانيات المتاحة. فبعد وفاته مباشرة أنشأت هذه المؤسسة التي تهدف إلى جعل فكره حيا يتقد على مدار الأيام والسنوات. ومن أهم ما فعلته هي أنها وضعت على موقع الإنترنت التابع للمؤسسة أكثر من مائة فيديو أو ”يوتيوب” خاص به شخصيا. وهكذا يستطيع الراغب أن يطلع مجانا على الكثير من دروسه الشهيرة في جامعة السوربون أو مقابلاته أو مداخلاته في شتى المؤتمرات العالمية. إنه يراه حيا بالصوت والصورة. وهنا توجد كنوز فكرية وإضاءات مسلطة على التراث العربي الإسلامي قل نظيرها. ينبغي العلم بأن دروس أركون ومحاضراته الشفهية تساعد كثيرا على فهم كتبه الصعبة والأكاديمية جدا. من هنا فائدتها الجمة. أخيرا لم أعرف من هي المرأة الأنيقة المثقفة والرائعة التي تجلس إلى جانبي إلا بعد أن انفض الحفل وخرجنا من القاعة. فإذا بها الدكتورة مروة الصحن مديرة مركز الأنشطة الفرانكفونية بمكتبة الإسكندرية الشهيرة. ويبدو أنها تحضر لمؤتمر عالمي عن أركون في سبتمبر (أيلول) القادم بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيله. فعلا أنا شخص مغفل ومحظوظ في ذات الوقت. وهذا من أعاجيب القدرة الإلهية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.