صدر حديثاُ عن دار الآداب اللبنانية رواية ”سيرة المنتهى عشتها.. كما اشتهتني”، السيرة الذاتية للروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج، بعد صدورها عن مجلة دبى الثقافية، وفي موقف إنساني يحسب للكاتب تنازل عن حقوقه المادِّيَّة من هذه السيرة، للأطفال المرضى بالسرطان، وتعد هذه الطبعة الجديدة للرواية التي سبق وأن صدرت من قبل في حين تقرر إصدار طبعتها العربية عن دار الآداب بالموازاة مع فعاليات معرض بيروت الدولي للكتاب، وحققت الرواية منذ صدورها نجاحا كبيرا وإقبالا في مختلف معارض الكتاب التي شاركت فيها منذ صدورها إلى غاية الآن. يقول واسيني في سيرته : عندما أقرأ سِيَرَ الكتّاب العالميّين مثل مارغريت دوراس، كافكا، سيمون دو بوفوار، ألبير كامو، كزانتزاكيس، أناييس نين، هنري ميلر، كارين بليكسن، فيليب سولرز... أُدرك كم نحن بعيدون عن ذواتنا. بقدر ما يتعامل الآخرون مع الحياة كمسار جميل بكلّ تحوّلاته وتعقّداته، نغلق نحن على أنفسنا بحجّة الأخلاق العامّة وكأنّنا نفترض سلفًا أنّ هناك حياة موازية يجب أن تظلّ في الظلام. مع أنّ كتابة السيرة الذاتيّة هي فرصة قد تتاح مرّة واحدة في العمر، للانتصار لهذه الذات التي مرّت عبر تجارب حياتيّة فيها من الجمال والجنون والقسوة واليأس ما يستدعي تدوينها، لكنّها لا تشكّل أبدًا درسًا نموذجيًّا للآخرين. هي في النهاية مجرّد محاولة انتساب إلى الحرِّيَّة والحبّ والنور، واختبار مدى استحقاقنا لحياة ليست دائمًا سهلة أو متاحة. امتحان قاسٍ، لكنّه شديد البهاء، يستحقّ أن نعيشه ونصابَ بدواره. وجه واحد ظلّ عالقًا في العينين والقلب والذاكرة. وجهها. تلك التي نبتت في ضلعي الأوحد الذي بقي مستقيمًا بعد رحلة الحياة الشاقّة واللذيذة، كحليب اللوز المرّ... وجه واحد ووحيد... وجهها الصافي الذي لن يغيب عنّي أبدًا... تلك التي اشتهتْني... تلك التي عشتُها. وتمثل رواية ”سيرة المنتهى: عشتها... كما اشتهتني” سيرة ذاتية لصاحبها واسيني الأعرج الذي يعود فيها إلى أزمنة وشخصيات ”شكلت مراحل مهمة في حياته” كما يقول الروائي، بدءا بطفولته في القرية وارتباطه الكبير بجانبه التاريخي وأجداده القادمين من الأندلس، وتطرق الأعرج لعلاقته بجده وجدته التي ”كان لها كل الفضل في تعلمه وحبه للعربية” وأيضا أمه و”تضحياتها في سبيل العائلة ودورها الكبير في غرس مختلف القيم النبيلة فيه”، وبالإضافة لمينة ”أول تجربة حب يعيشها وما خلفته هذه التجربة من انعكاسات على نفسيته وتجربته الأدبية الأولى”. كما تناول أيضا واسيني الأعرج شخصية ميغال دي ثيربانتس (1547 - 1616) الروائي الإسباني الشهير صاحب رائعة ”دون كيشوت” أول رواية أوروبية حديثة والذي عاش في الجزائر إبان الحكم التركي و”تأثر جدا بإقامته تلك” كما يقول واسيني. ونظرا لكون جميع شخوص الرواية من الأموات، فقد سمح هذا الأمر لواسيني بأن ”يكون بين الحياة والموت” كما قال، كما سمح له بأن ”يكتب نصا بطابع إبداعي”، وهو المعروف ببحثه الدائم عن سبل تعبيرية وإبداعية جديدة وعدم استقراره على شكل واحدة وثابت من الكتابة الأدبية. ويقول واسيني الأعرج أن عنوان الرواية ”سيرة المنتهى” هو ”بمثابة مقارنة للمكان الذي وصل إليه الرسول محمد أي ”سدرة المنتهى” إبان حادثة الإسراء والمعراج”، مضيفا أنه اعتمد في كتابتها أيضا على السيرة النبوية ومعراج ابن عربي ومختلف النصوص العالمية. ويحضر حاليا صاحب جائزة الشيخ زايد للآداب 2007 معرض عمان الدولي للكتاب (الأردن) حيث سينشط محاضرة بعنوان ”شهادات إبداعية” رفقة الروائي المصري ابراهيم صنع الله كما سيوقع على روايته ما قبل الأخيرة ”مملكة الفراشة، ويعتبر واسيني الأعرج من أهم الأقلام الروائية في العالم العربي، حيث ترجمت أعماله للعديد من اللغات وحازت العديد من الجوائز على غرار ”كتاب الأمير: مسالك أبواب الحديد” (2004) المتوجة بجائزة المكتبيين الكبرى (الجزائر) و”أصابع لوليتا” (2012) الفائزة بالدورة 7 لجائزة ”الإبداع الأدبي” لمؤسسة الفكر العربي ببيروت.