شهدت سنة 2014 تدفقا كبيرا من اللاجئين والنازحين إلى المدن الكبرى بالعاصمة وضواحيها، حيث تسبب التدفق العشوائي لهؤلاء في معضلة اجتماعية وسياسية، دفعت بالدولة الجزائرية إلى الوقوف وقفة تأمل طويلة، آخذة على عاتقها تحمل مسؤولياتها الإنسانية والتاريخية كاملة غير منقوصة، في إيواء النازحين الأفارقة والعرب، مع ضمان شروط النظافة والصحة والتعليم لأطفالهم، في الوقت الذي سخرت فيه السلطات، بما في ذلك الهلال الأحمر الجزائري، كل الإمكانيات المادية والمعنوية للتكفل بنقل ضيوف وجيران الجزائر في أفضل الظروف الإنسانية، وهذا بالتنسيق مع مختلف الشركاء الجزائريين والأجانب، حيث شرعت الجزائر في عملية ترحيل اللاجئين الأفارقة المقيمين حاليا قبل نهاية السنة مع الحرص على إنجاح هذه العملية وإعطاء صورة مشرفة للمجتمع الجزائري. لا يختلف اثنان على التزام الدولة الجزائرية بتحمل مسؤولياتها الإنسانية والتاريخية في إيواء النازحين الأفارقة والعرب، وضمان أمنهم وتوفير شروط النظافة والصحة والتعليم لأطفالهم، غير أن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أنهم يشكلون خطرا على أمن وصحة المواطنين، لاسيما فيما يتعلق بالأمراض والأوبئة التي باتت الكابوس الذي لطالما طارد الجزائريين طيلة فترة إقامة هؤلاء اللاجئين، خاصة في بعض الأماكن العمومية ومحطات نقل المسافرين بشتى أنواعها والحمامات الشعبية، وهو ما لمسناه في يومياتنا وتنقلاتنا واحتكاكنا بهذه الفئة التي أصبحت تشكل ديكورا أساسيا لمعظم شوارعنا، حيث أكدت آخر الإحصائيات أن عدد اللاجئين في الجزائر وصل إلى حوالي ربع مليون، هذا العدد الضخم أصبح يمثل خطرا حقيقيا، ناهيك عن الأمراض المعدية التي ينقلها هؤلاء، فضلا عن الجوانب الأخلاقية والعقائدية، وهو ما دفع بأئمة المساجد إلى دعوة الجزائريين إلى ضرورة الالتزام بأخلاق المعاملة الإسلامية مع ضيوف الجزائر، بما تقتضيه من حسن معاملة وتضامن وإنسانية، حيث خلف قرار الحكومة الأخير والقاضي بتوفير مناصب شغل للاجئين السوريين والأفارقة، من خلال عقود عمل قصيرة الأمد، جدلا واسعا في صفوف المختصين والفاعلين، وصل صداه إلى الشارع، حيث تضاربت الآراء بين مثمن لإنسانية السلطات الجزائرية في التعامل مع ضيوفها، ومحذر من الانعكاسات السلبية للقرار على الاقتصاد الوطني، ما دفع بالهلال الأحمر الجزائري إلى التكفل بعملية ترحيل اللاجئين الوافدين من دولة النيجر والتي جاءت بناء على طلب حكومة بلادهم، وأن الجزائر ستتكفل بكل الإمكانيات المتعلقة بعملية نقلهم إلى وطنهم في ظروف إنسانية مريحة، من خلال توفير مراكز إيواء بمختلف مناطق البلاد، تتوفر على كل ظروف العيش الكريم، حسب رئيسة الهلال الأحمر. وبخصوص استعدادات الجزائر لهذه العملية الإنسانية الضخمة والتي تم ترحيل دفعتين منها، حيث قام الهلال الأحمر الجزائري بنقل حوالي 320 لاجئا من مختلف المدن الجزائرية إلى ولاية تمنراست، حيث يوجد مركز الإيواء الرئيسي لهؤلاء اللاجئين قبل نقلهم على دفعات إلى بلدهم. يحدث هذا في الوقت الذي شرعت مصالح الأمن مؤخرا في وضع بطاقة وطنية للاجئين المتواجدين عبر كامل التراب الوطني، من أجل ضبط هوياتهم وجنسياتهم، بهدف التعرف عليهم مستقبلا، خاصة أن تقارير أمنية إفريقية حذرت من استغلال هؤلاء اللاجئين لأعمال إجرامية وإرهابية. وفي هذا الشأن كشفت سعيدة بن حبيلس “أن عملية الترحيل قامت على مرحلتين، الأولى هي جمع اللاجئين من كل ولايات الجزائر ونقلهم إلى مركز الإيواء الرئيسي بتمنراست، والثانية نقلهم من تمنراست إلى وطنهم، حيث خصص في هدا الإطار الهلال الأحمر غلافا ماليا قدر 40 مليار سنتيم موجهة لإطعام وإيواء ونقل اللاجئين النيجرين، وهذا بالتنسيق مع كل شركاء وأصدقاء الهلال الأحمر الجزائري، على غرار وزارة التضامن ووزارة الصحة وزارة النقل، إضافة إلى المتطوعين وبعض الشركاء الأجانب من حكومات وجمعيات إنسانية، قائلة: “إن الجزائر ستساعد هؤلاء اللاجئين للعودة إلى بلدانهم من خلال منحهم مشاريع مصغرة بهدف تحسين ظروف معيشتهم في بلدهم، كما سيحصلون على كميات معتبرة من المواد الغذائية أثناء ترحيلهم، وهذا كله بهدف ضمان استقرارهم في وطنهم وعدم عودتهم للجزائر من جديد، غير أن الغالبية من المهاجرين من دولة النيجر، متمركزون بأربع ولايات هي العاصمة ووهران وأدرار وتمنراست، ما دفع بالسلطات إلى إقامة 56 مركز إيواء عبر 40 ولاية، على أن يتم ترحيلهم في عملية أولية إلى مركز تجميع بتمنراست، يضم 120 شاليه، بطاقة استيعاب 12 شخصا في الشاليه الواحد. وفي السياق، أشارت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري إلى أن 90 بالمائة من هؤلاء النازحين النيجريين هم عائلات تتشكل من نساء منهن حوامل وبعضهن مرفوقات بأطفال، ما يستدعي تخصيص وسائل المرافقة الصحية والنفسية لهم بالشاليهات المخصصة لهم، ولهذا الغرض أكدت أن عمليات إعادة النيجريين تتم في إطار “مبادئ احترام كرامة هؤلاء الجيران”، مشيرة إلى أن النساء الحوامل والمرضى والعجزة يتم نقلهم من مكان تواجدهم إلى مقر الشاليهات بولاية تمنراست عبر الطائرات. من جهة أخرى، أعلنت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، مونية مسلم، أنه تم في منتصف أكتوبر الماضي إعداد خارطة طريق من أجل التكفل الأحسن بالمهاجرين الأفارقة في الجزائر وحل مشاكلهم، من خلال توفير مقرات لجمعهم وضمان التكفل الغذائي والصحي لهم، بمساهمة كل القطاعات، في الوقت الذي كشفت فيه تقارير حكومية أن عدد اللاجئين في الجزائر وصل إلى نحو 250 ألف لاجئ نهاية النصف الأول لسنة 2014. الإيبولا والملاريا أشباح تطارد الجزائريين تتفاقم المخاوف الخاصة بانتقال الأمراض المعدية وعلى رأسها الإيبولا والملاريا إلى الجزائر، مع ارتفاع عدد اللاجئين الأفارقة النازحين إلى أرض الوطن من عديد الدول الحدودية الجنوبية، على غرار ماليوالنيجر، حيث تتضاعف مخاوف وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات من انتقال العديد من الأمراض المعدية عن طريق اللاجئين الذين يدخلون الجزائر بطرق غير شرعية، وهو ما دفع بالسلطات المعنية إلى تشديد الإجراءات الصحية والمراقبة الطبية لهؤلاء المهاجرين الهاربين من الصراعات والتوترات الأمنية والفقر والجفاف في دول إفريقيا، على مستوى الحدود والمطارات. .. وماليات اقتحمن الحمامات ك”طيابات” بثمن لا يتجاوز 70 دينارا نقلت الاضطرابات الأمنية بمالي آلاف اللاجئين إلى الجزائر بحثا عن الأمن والاستقرار، حيث نشاهد يوميا العديد من العائلات ممن دفعتها ظروف الحرب إلى مغادرة أراضيها، مكتسحين بذلك الأسواق والشوارع ومحطات النقل، غير أن الأمر لم يقتصر على هذا الحد فقط، بل شمل عدة أماكن محظورة كالحمامات التقليدية.. لا للاستحمام بل لتدليك الأجسام وتنظيفها، حيث لم تعد مهنة “الكياسات” أو “طيبات الحمام” مقتصرة على الجزائريات من الطبقة الفقيرة، حيث اكتسحت الماليات بقوة، في الآونة الأخيرة، بعض الحمامات التقليدية، عارضات خدماتهن على الزبونات لمساعدتهن على الاستحمام وتنظيف أجسادهن، لكن بعض السيدات لم يتقبلن الفكرة، ما دفع بعضهن إلى هجرها خوفا من انتقال العدوى أو أمراض خطيرة، غير أن هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا لقيت استهجانا كبيرا، بعدما ارتدت بعض الماليات زي الطيابات بحثا عن قوت يومهن، وهو الأمر الذي دفع ببعض الزبونات وعاشقات الحمامات التقليدية إلى هجرها والعزوف عنها خوفا من عدوى بعض الأمراض. ..أعطيني ألفراك، صدقة، السلام عليكم وقراءة القرآن لاستمالة عطف المواطنين ترك بعض اللاجئين الأفارقة، وفي مقدمتهم الأطفال، ذكرى حميدة في أوساط المجتمع الجزائري، بغض النظر عن عمليات التسول طلبا للصدقة، مستخدمين بعض العبارات الدارجة المستوحاة من القاموس الجزائري المحض ك”أعطيني ألفراك، ربي يعاونك، تعيشي، صحيت” وغيرها من المفردات التي استطاعت أن تكسب عطف المواطن الجزائري بعيدا عن العنصرية أو الجهوية، كما لا ننسى وقفة المجتمع الجزائري مع هذه الشريحة عن طريق التبرع ببعض الملابس والأدوية والغذاء. كما ترك هؤلاء فراغا بغض النظر عن بعض السلبيات، كون بعضهم من المسلمين جعلوا من الشوارع كتابا ومساجد على الهواء الطلق يتلون فيها سور وآيات من القرآن الكريم تقربا من المولى عز الوجل أو للفت انتباه المارة، “فلا يعلم بالقلوب إلا خالقها”.