قال الوزير الأول عبد المالك سلال معلقا على إجراءات التقشف التي أمر رئيس الجمهورية باتخاذها لمواجهة أزمة مالية على الأبواب، بسبب انهيار أسعار النفط “من الآن فصاعدا سنحاسب على كل دينار، وعلينا تعلم الدروس”. استفاقة متأخرة جدا جدا يا معالي الوزير الأول. وما نفع الدروس الآن، بعد كل سنوات التبذير وصرف أموال الجزائريين على المشاريع الوهمية، وعلى المهرجانات الثقافية وعلى رقصات خليدة وبعدها نادية لعبيدي. لا نريد من محاسبة من الآن فصاعدا وإنما محاسبة بأثر رجعي، وعلى كل دينار صرف على “الجزائر عاصمة الثقافة العربية”، وسنة الجزائر في باريس، وعلى تلمسان والآن قسنطينة. ونحاسب على الفاتورة الخيالية التي كلفها الطريق السيار وعلى صفقات الشركات المكلفة بتسيير المياه والميترو وعلى فاتورة استيراد المواد الاستهلاكية التي لسنا بحاجة إليها، وعلى صفقات البطاطا والقمح الفاسد وعلى صفقات الجوية الجزائرية، وعلى ملف سوناطراك وما نهب منها من أموال، وعلى مؤسسة النقل البحري وعلى رونو الجزائر، وعلى فواتير العلاج في الخارج، وفاتورة الأدوية التي غالبا ما تنتهي في المزابل، وعرقلة مشاريع صيدال من أجل إبقاء سوق الأدوية مطية لبعض النافذين لنهب المال وكسر أنف الاقتصاد الوطني. وعلى ذكر الأدوية، لنحاسب أيضا على صفقة أمصال التلقيح ضد أنفلونزا الخنازير التي خسرنا فيها قرابة ال900 مليون دولار، ذهبت نسبة منها إلى جيوب المشرفين على الصفقة. لنحاسب على ملفات الفساد المعروضة أمام العدالة وتلك التي عرقلت عملية التحقيق فيها وتم حل الهيئة المكلفة بذلك!؟ كم مرة حذّر الخبراء الوطنيون والأجانب من مغبة التسيير الجزافي لاقتصاد البلاد، ومن مخطط الهدم الذي يستهدف الفلاحة والسياحة والصناعات بشتى أنواعها في الجزائر، وفتح البلاد كلها سوقا للمنتوجات الصينية والفرنسية وكل الجنسيات؟ كم حذروا من الاستيراد العشرائي وفاتورة الغذاء التي ما انفكت ترتفع وتتنوع وارداتها؟ لكن لا أحد اهتم لأن الكل كان مستفيدا، ومع كل صفقة استيراد هناك صفقة فساد، إلى أن عم الفساد الجميع واستفاد الجميع من سياسة اللاحساب واللامراقبة التي خلفت طبقة واسعة من مصاصي الدماء. لا يا معالي الوزير! لن تحاسب من الآن فصاعدا، وإن كنت سياسيا حكيما ومسيرا كفؤاً ورجل دولة و”قادر على شقاك” مثلما يقول المثل الشعبي، حاسب على هذه الملفات ولا بأس أن نتعظ من الدروس للمستقبل. من السهل تسيير الصفقات العمومية عندما تكون مداخيل النفط بالملايير، أما الآن فالجميع أمام مسؤولياته، فلم يعد الوقت للتجول عبر الولايات وتوزيع المشاريع والوعود في محاولة بائسة لشراء السلم المدني الذي لم يتحقق، وكل ما تحقق هو خلق مجتمع متواكل، الكل ينتظر نصيبه من كرم الحكومة. وها هي الحكومة تقف اليوم أمام حقيقتها وأمام فضائح التبذير والفساد وأمام عجزها عن لملمة أشلاء اقتصاد عاجز. منذ أيام قيل إن الدولة ستوزع على الشباب أراض فلاحية للخروج من الاعتماد على النفط. وعن أي أراض فلاحية تتكلمون؟ عن تلك التي أكلها الإسمنت؟ وعن أي شباب تتكلمون؟ عن ذلك الذي يحلم بالحرڤة؟ أم عن الذي لا يفكر إلا في الكسب السهل والعيشة الرغدة بدون أي مجهود؟ هذه هي الصورة النمطية اليوم للشباب الجزائري. أما عن الفلاحة، فقد ساعدت سياسة الاستيراد العشوائية على تدمير الفلاحة بالاعتماد على استيراد مواد غذائية من خضر وفواكه بأسعار تنافس أسعار المنتوج المحلي مما يؤدي إلى إلحاق خسائر بالفلاح الجزائري ويضطر في نهاية الأمر إلى التخلي عن إنتاج سلعته التي كسدت في السوق قبل أن يطلّق نهائيا الفلاحة ويترك السوق مفتوحة أمام السلع المستوردة، ومن ثم يفرض المستوردون أسعارهم على السوق، وهكذا انهارت الفلاحة، وهكذا اختفت منتوجات فلاحية جزائرية من موائد الجزائريين. وهكذا تحولنا إلى سوق لكل فضلات البلدان الأخرى، وهكذا ارتفعت فاتورة الاستيراد. من المهم أن نحاسب والأهم منه أن نضع مشاريع اقتصادية حقيقية لإحياء الفلاحة، وإحياء السياحة والصناعة الجزائرية ووقف استيراد الكماليات وأغذية الكلاب والقطط. فقد طغت على الأسواق سلع تصيب الجزائري الغيور على بلاده بالسكتة القلبية. فقد صرنا نستورد حتى “النشاشف وحبال الغسيل” ولا أتكلم عن السلمون المدخن والكافيار؟!