أمس كتبت ميليشيا الحوثي، وحليفها علي عبد الله صالح، السطر ما قبل الأخير في قتل الشرعية اليمنية. بعد عمران ثم العاصمة صنعاء، وهما المحطتان الأبرز في الانقلاب الحوثي، ها هي عدن تترقب السقوط أيضًا، فإن سقط الجنوب اليمني سقطت البقية المتبقية من الشرعية، وأصبحت كل الحلول الممكنة حاليًّا ضربًا من الماضي. الساعات، وليست الأيام، القادمة حاسمة في الأزمة اليمنية، بين قلة متمردة فرضت أجندتها بقوة السلاح، وأغلبية يمنية صامتة تركت المتمردين يعيثون في بلادهم، في حين الجيش اليمني اضحى في أضعف حالاته، ما بين ولاءات متعددة، وانقسامات شقت صفوفه، والبقية الباقية المدافعة عن وحدة الدولة حُوّلت بقدرة قادر لتصبح متمردة يطاردها الحوثيون ورجال صالح، الذي بدوره هدّد من يقف أمامه، من اليمنيين، بأنه سيترك لهم البحر الأحمر لكي يهربوا منه، فهل اقترب صالح من تنفيذ تهديداته؟! جماعة الحوثي قتلت كل الحلول السياسية الممكنة، واجتماعات مجلس الأمن المتتالية لم ينتج عنها إلا فشل ذريع، فالأمين العام للأمم المتحدة مستمر في تكرار كلمته الشهيرة: ”المجتمع الدولي قلق من الأوضاع”، والولايات المتحدة ليس لديها سوى تصريح مكتوب من جملة واحدة: ”دعوة الحوثيين للكف عن زعزعة الاستقرار”، وهو الأمر الذي حدا بالسلطة في اليمن إلى تجرّع المرارة وطلب التدخل العسكري من الدول العربية. صحيح أن مبدأ السيادة يتيح للسلطة الشرعية، التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي، دعوة أي قوات على أراضيها من دون الحاجة إلى قرار أممي، والمادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة تجيز للدول ذات السيادة الاستعانة بقوات أجنبية، إلا أن التدخل العسكري حتى ولو بضربات جوية محدودة لن يجدي نفعًا، ما لم يتمّ تحت غطاء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، للضغط على الحوثيين وإعادتهم إلى طاولة الحوار مع جميع الفرقاء اليمنيين، بالطبع بعد إلغاء كل ما ترتب على ما يسمى اتفاق السلم والشراكة. سيكون الثمن مكلفا للعرب، والغرب كذلك، إذا اعتقدوا أن الأزمة اليمنية مسؤولية سعودية أو خليجية. تجربة ”داعش” وأخواتها حاضرة أمامنا، انتقل الإرهاب من العراق وسوريا ليصل إلى قلب أوروبا، فعندما نأت تونس بنفسها عن المشاركة في الحرب ضد الجماعات الإرهابية في ليبيا، لم يشفع لها ذلك في عدم ضربها في عقر دارها، وكما أن الحرب ضد الإرهاب في ليبيا هي مسؤولية يجب أن يشارك فيها السعوديون والخليجيون، فإن مواجهة ضرب الاستقرار في اليمن هي مسؤولية العرب جميعهم، ولعل أكثر الفرحين بانقلاب اليمن بالتأكيد هو تنظيم القاعدة، باعتباره يعيش على حالة عدم الاستقرار والفوضى، كما هي جميع الجماعات الإرهابية، فهل ستوفر ”القاعدة” بلدا عربيا تعبث بأمنه واستقراره بعد توغل الحوثيين في الدولة اليمنية؟ ولعل الأمر الأشد غرابة في الأزمة اليمنية أنه وبينما المنطقة تلتهب بحثًا عن إنقاذ اليمن من كارثة مقبل عليها، لا تزال غالبية القوى اليمنية تتفرج على المشهد من دون أي تدخل أو محاولة تغيير، وكأنهم راضون بالانقلاب الحوثي. هذه القوى نفسها أسقطت الرئيس السابق علي عبد الله صالح بعد عقود من حكمه القوي للبلاد، غير أنها لم تفعل شيئًا وميليشيا الحوثي تطعن الشرعية يومًا بعد الآخر، أما الجيش اليمني فلا تسأل، وكأن هذا البلد العظيم بلا جيش يحميه ويحافظ على استقراره. هل يتصور اليمنيون أن يخشى الآخرون على بلادهم أكثر منهم؟ الكارثة الكبرى إذا كانت القوى اليمنية تبحث عن مكاسب سياسية بوقوفها حيادًا بانتظار الرهان على المنتصر أخيرًا. لقد قام اليمنيون ب”ثورة” لخلع رئيسهم، ثم شرعوا الباب واسعا للحوثيين ليعيدوه مرة أخرى.