ليست التجربة والحالة الصحية فقط التي تُملي على الطبيب قائمة الأدوية الواجب وصفها للمريض، ففي حالات عديدة يعتمد هؤلاء على مدى إقناع المندوب الطبي الذي يعمل كهمزة وصل بين مختبرات الصناعة الصيدلانية والأطباء من مختلف التخصصات، فبين المصالح المشتركة بين الطرفين وأخلاقيات المهنة يحتار المرضى في الوثوق بالأدوية الموصوفة. يعمل المندوب الطبي كهمزة وصل بين الطبيب والمخابر المختصة في صناعة الأدوية، من خلال اطلاعه على كل ما هو جديد في المجال الصيدلاني، حيث تقوم مهنته على زيارة الأطباء لأجل ترويج الأدوية الجديدة وتحديث معلوماتهم حول القديمة منها، لاسيما أن تطوير بعض أنواع الأدوية، يستدعي دون شك زيارة المندوب لشرح ما تم تطويره بما في ذلك الأعراض الجانبية، وأحيانا تصير بعض الأدوية صالحة لحالات لم تكن مخصصة لها سابقا. ورغم الخدمة الكبيرة التي يسديها المندوب للطبيب والمريض على حد سواء من خلال مساعدته على وصف الدواء المناسب، إلا أن الكثير من المشبوه والغموض يلفان العلاقة بين الطرفين. مصالح مشتركة بين الطرفين تدعو للشك ما لاشك فيه هو وجود علاقة وطيدة بين الطبيب ومندوب بيع الأدوية تحكمها المصالح المشتركة بين الطرفين، حيث تستفيد بموجبها المختبرات ماديا بما أن المريض يشتري أدويتها التي يصفها الطبيب، ويستفيد الطبيب في المقابل من التكوين المستمر المجاني الذي يقدمه المختبر، ومن حضور المؤتمرات خارج أرض الوطن والنزول في فنادق راقية مجانا، تحت نفقة المختبر الذي يصف أدويته، وهو ما خلق جملة من الشكوك الموجهة للطبيب على وجه الخصوص، مفادها أن هذا الأخير لا يتحرى الخبرة والموضوعية في اختيار الأدوية الموصوفة، بل يعتمد بشكل كامل على ما سيجنيه من وراء تلك الوصفة التي يمكن أن تفتح له أبوابا أخرى من الربح المادي والمعنوي. وفي السياق ذاته يعتبر الكثير من المواطنين الذين التقت بهم ”الفجر” أن تبادل المصالح بين أطباء وشركات الأدوية عبر وسيط المندوب الطبي، عادة ما تنتج عنه تجاوزات وآثار سلبية تخل بأخلاقيات مهنة الطب. وفي السياق ذاته يقول (خليل. م): ”عادة ما يدفع المواطن البسيط ثمن علاقة المصلحة التي تربط بين الطبيب ومختبرات الأدوية، حيث يضطر لشراء أدوية غالية الثمن رغم إمكانية وجود أخرى بأثمان أقل، بما أن الذي يصنع هذه الأدوية هو المختبر الذي يتعامل مع الطبيب المعني”. ومن جهته يقول (إسماعيل. أ):”من الخطير جدا أن تطغى المصالح على المجال الصحي، وهو ما يصنف في خانة الرشوة حسب نظري، والمتهم الأكبر في الموضوع هم الأطباء الذين من المفروض أن يحترموا ميثاق أخلاقيات المهنة الذي يمنع الأطباء التعامل مع المرضى بمنطق آخر غير المتعارف عليه”. أصحاب المهنة من الطرفين يدافعون عن موقفهم تعترف جهات كثير من أصحاب هذه المهنة من أطباء ومندوبي مبيعات على وجود تبادل مصالح بين الطرفين، غير أنهم في ذات الوقت يدافعون عن موقفهم الذي لا يرون فيما يكمن الخطأ أو العيب الذي يتهمون به، وهو ما يعتبرونه أمرا عاديا ومشروع. وفي السياق ذاته يقول (منير. ب) مندوب مبيعات لشركة أدوية خاصة:”من الطبيعي أن تبحث مختبرات الأدوية عن الربح بما أنها شركات تجارية، وشيء عادي أن تجازي الأطباء الذين يتعاملون معها بهدايا وامتيازات نتيجة خدمة متبادلة”. ويضيف عبد الغني، الذي يعمل في نفس السلك المهني، أن الهدايا التي باتت محل نقاش الكثيرين ما هي إلا أسفار علمية وليست سياحية، والغرض الأساسي منها هو التكوين المستمر للطبيب. كما أنها تبقى قانونية في أغلب الأحيان. ومن جهة أخرى يقول الدكتور (ع. شهاب) أنه من غير الممكن أن يتاجر الطبيب بصحة مرضاه، فالشراكة أو الاتفاق مع مندوب المبيعات لا يجرد الطبيب من مسؤوليته وأخلاقه، فمن غير الممكن بالنسبة لطبيب يحترم مهنته أن يصف دواء لا يناسب الحالة الصحية للمريض بغرض إرضاء المختبر الذي أجرى اتفاقا معه.