صناعة الفيلم السينمائي الناجح يرتبط أساسا بمجموعة من المكونات الأساسية، حيث يضع المخرج السيناريو في قالب سرديّ مرتكز، على حوار بين الممثلين عوالم الصورة السينمائية، والكادرات البصرية، ومن أجل صناعة فيلم يمكن أن تجذب به الجمهور يستوجب إمكانيات سردية وصورة جمالية، لأن الصورة السينمائية هي لوحات تتحرك وتثير الجمال وتلبي ذائقة المشاهد، لكن وللأسف لا شيء من هذه المكونات لمسناها في فيلم ”البوغي” الذي عرض شرفيا أمام الجمهور القسنطيني في قاعة الزينيت مساء أول أمس بحضور وزير الثقافة عز الدين ميهوبي. لم يكن فيلم ”البوغي” أحسن حالا من سابقه ”وسط الدار” للمخرج سيد علي مازيف إن لم نقل أسوأ منه، ففيلم ”وسط الدار” حمل بعض الأشياء الجميلة خصوصا الصورة السينمائية التي كانت جيدة، فالمخرج سيد علي مازيف أحسن استعمال الكادرات البصرية خصوصا وأنه ركز على زوايا تصوير واسعة، عكس علي عيساوي الذي اعتمد على زاوية ضيقة حتى يغطي نقص تصميم المعارك التي كانت حاصلة في الفيلم، وكما هو معلوم فإن كل المخرجين في العالم الذين يشتغلون على مثل هذه الأنواع من الأفلام يتتبعون الخلفيات وتشكيل الكادرات بشكل رقمي، وأبسط مثال لذلك هو المؤثر البصري، وهو ما يمثل تركيبة من الحركة الحية، ومن رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد تم خلقها داخل الكومبيوتر، ولكن هيهات أن يكون مخرج فيلم ”البوغي” استعمل هذه الطريقة، حيث نشاهد دخانا يتصاعد أثناء قصف المدفعية الفرنسية لمدينة قسنطينة، فيخيل لنا المشهد وكأننا في عمل كرتوني، ناهيك عن تصميم الديكور الخاص بالتصوير الذي جاء خاليا من أي لمسة إبداعية، ويظهر بصورة فاضحة على أنه عبارة عن فوطوشوب، شكله في ذلك شكل البواخر الفرنسية التي كانت ترسو على الميناء. تدور أحداث الفيلم حول قصة عشق جمعت بين ”نجمة” والتي أدت دورها سارة لعلامة، ابنة أحد أعيان المدينة و”جاب الله” والذي أدى دوره عباس ريغي، القادم من مدينة عنابة، الذي يشتغل في مهنة التطريز بالمدينة، هذه القصة لا يكتب لها الاستمرارية في ظل وقوف ابن عم نجمة في طريقها لأنه يريد الزواج منها، ولا يعجبه وجود هذا الشاب في مدينتهم، مع تزايد أخبار عن عزم الفرنسيين احتلال مدينة قسنطينة، وهبة شعبية من أجل الوقوف في وجههم ومنعهم من دخولها، حيث اجتمع أعيان المدينة تحت رئاسة أحمد باي الذي أدى دوره الفنان حسان بن زيراري، وتمت مناقشة كيفية التصدي للعدو الفرنسي. حاول المخرج علي عيساوي تسليط الضوء على نمط المعيشة، وعادات وتقاليد مدينة قسنطينة في ذلك الوقت، من خلال تركيز كاميرته على محلات المدينة والتجارة التي كانت سائدة حينها، والتعايش الذي كان موجودا بين المسلمين واليهود من خلال تعاملاتهم اليومية، ولكن المخرج لم يحسن تصميم الديكور حيث ظهرت الألوان غير متناسقة، كما أنه اختار لقطة التصوير الضيقة وتعمد الابتعاد عن اللقطة الواسعة التي تسمح بالتمتع بجماليات الصورة السينمائية، وهو ما يظهر محدوديته في الإخراج السينمائي. طغت الموسيقى على التمثيل، فمنذ بداية الفيلم والمخرج يستعمل قطعة موسيقية واحدة، ماعدا مشاهد المعارك، توحي بغياب الاختصاص والاستعانة بخبير في الموسيقى التصويرية مثلما يحصل مع المخرجين الكبار، هذه الموسيقى مع توالي أحداث الفيلم الطويل الذي بلغت مدته ساعتين ونصف، خلقت نوعا من الإزعاج عند المشاهد وأصبحت غير مبررة في العمل، وكان يمكن الاستغناء عنها، كما يمكن كذلك حذف العديد من مشاهد الفيلم التي لم تضف شيئا داخل العمل. لم يكن المخرج علي عيساوي موفقا في ولوجه عالم السينما بحكم أن العمل ظهر أنه مسرحي وتلفزيوني أكثر منه كعمل سينمائي، وهو ما يظهر جليا في الحوار بين الممثلين، واستعمال أسلوب الحكي المسرحي، كما أن الديكور كان مسرحيا أكثر منه سينمائيا، لذلك وكما يقول المثل الجزائري ”أعطي الخبز لخبازو” أي الاختصاص مهم في اعمل فني إبداعي.