«البوغي» مأساة ثنائية.. سقوط قسنطينة و نهاية حب أسطورية حظي فيلم «البوغي» لمخرجه علي عيساوي، الذي تم اختياره لاختتام عاصمة الثقافة العربية بالإعجاب و الثناء، مثلما كان متوقعا، لتميّزه بتحويل إحدى أشهر القصص الشعبية السردية القسنطينية التي استلهمت منها قصيدة «نجمة « الرائعة الفنية التي غناها الحاج محمد الطاهر فرقاني، إلى عمل سينمائي، دون إغفال أي تفصيل و لو بسيط من المعلومات التي شملتها القصة من أخبار تاريخية عن سقوط قسنطينة عام 1837 و أخبار سكانها من عادات و تقاليد و أيضا رومانسية عشاق ذلك الزمان التي لخصتها قصة حب أسطورية بطلاها نجمة بن الحسين و الشاب العنابي ساعد هلال. الفيلم الذي أنتجته دائرة السينما بتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، بدعم من ولاية قسنطينة والوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي والديوان الوطني لحقوق المؤلف، عرض سهرة أمس الأول بقاعة العروض الكبرى أحمد باي، بحضور وزير الثقافة عزالدين ميهوبي، و طاقم العمل الذي كتب السيناريو الخاص به سعيد بولمرقة و أدى دور البطولة فيه كل من المطرب القسنطيني عباس ريغي، في أول تجربة له في مجال التمثيل و الممثلة سارة لعلامة و صبرينة بوكرية، بمشاركة حسان بن زراري، في دور الحاج أحمد باي و الممثلة بهية راشدي في دور والدة نجمة. «البوغي» كان بمثابة بطاقة بريدية جميلة لقسنطينة الفاتنة في القرن التاسع عشر، حيث ركز المخرج على الرؤية المشهدية، وفاء لنص الكاتب سعيد بولمرقة، و اعتمد أسلوب الإبهار البصري من خلال التقاط صور غاية في الجمال لمناظر قسنطينة الخلابة، من أعلى و أسفل الصخر العتيق و على ضفتي وادي الرمال و كذا المعالم الأثرية و التاريخية المهمة كضريح ماسينيسا و مدينة تيديس الأثرية و قصر أحمد باي و أزقة قسنطينة بعمارتها المتميّزة و بشكل خاص أزقتها و حماماتها الشعبية و فنادقها التي برز منها حي سيدي لجليس، و هي المعالم التي تعمد المخرج إبرازها لتلخيص أهم المحطات و الحقب التاريخية، بدءا بالعهد النوميدي، مرورا بالعهد الروماني، فالعربي الإسلامي، ثم الاحتلال الفرنسي الذي اختار علي عيساوي بدء فيلمه بلقطة تسرد التدابير و المكائد التي دبرها المستعمر لأجل احتلال مدينة الجسور المعلّقة في عهد الحاج أحمد باي، و هي الفترة التي شهدت أيضا أشهر قصة حب انتهت بمأساة على طريقة الدراما الشكسبيرية، بين شاب بسيط من ولاية عنابة يقع في حب فتاة من عائلة نبيلة من قسنطينة، مما يثير غيرة و غضب ابن عمها الذي لا يترّدد في قتله دون شفقة. العمل الذي يدخل في قالب الفيلم الروائي الطويل و مدته 150دقيقة، كان بمثابة لوحة فنية ملخصة لتقاليد المدينة العريقة، أين برزت عادة تقطير الزهر و الورد، و قهوة العصر بالصينية القسنطينية و قهوة الجزوة و السكاملة (مائدة)، القارقاف و الطرز القسنطيني «مجبود»..و غيرها من التفاصيل التي استعاد معها البعض ذكريات و صور من الماضي و اكتشفها آخرون لأول مرة. و من اللقطات المثيرة للإعجاب تلك المصّورة للمة القسنطينية و ليالي السمر بين الأصدقاء بما يعرف بالفندق، و التي أعادت للذاكرة اللوحة النادرة للرسام غابرييل فيريي و الموسومة «الحشاشين» أين برز هواة الموسيقى المستسلمين لسحر الموسيقى القسنطينية و تأثير التدخين. و أبدع الممثلون في تقمص الأدوار المسندة إليهم، سواء الجادة منها أو الفكاهية، حيث نجح الممثل جمال دكار الذي لعب دور خباز يهودي يبيع «القرشبيل» في إضحاك الجمهور بعبارة لم يتوّقف عن ترديدها»دردربة، دردربة»، بالإضافة إلى تمكن المخرج من تجسيد التوازن بين الجانب النضالي و نقل صور عن المقاومة الشعبية التي قادها أحمد باي عام 1836 و عودة الجيوش الفرنسية خائبة بعد الخسارة التي تكبدتها، قبل إعادة الكرة عام 1837بعد استعدادات كبيرة، لم يتمكن الأهالي من صدها رغم الإرادة القوية التي أظهروها. وبنفس وقع مأساة سقوط قسنطينة، كان وقع نهاية الحب الأسطوري بين نجمة و سعيد بمقتل هذا الأخير على يد ابن عم نجمة المفتون بحبها. و لم تغب النغمة القسنطينية طيلة الفيلم ، مضفية جمالا و رونقا على فيلم بنيت أحداثه على قصة شاعرية تداولها القسنطينيون طيلة أكثر من 160سنة، و قد زادها صوت عباس ريغي القوي بهاء و تأثيرا. الفيلم و إن لوحظ عليه سوء استغلال أو إفراط في استعمال المؤثرات الخارجية و بشكل خاص مشاهد السفن الحربية بالبحر و بعض الأزقة و الهجومات بأعلى الصخر، غير أن جمال الأزياء المحلية القديمة و المناظر الطبيعية الفاتنة غطى على ذلك النقص. و عقب العرض، أثنى وزير الثقافة على العمل الذي قال أنه بمثابة بطاقة بريدية لقسنطينة، إشارة إلى جمال الصورة و الكادراج، بالإضافة إلى تلخيص أهم عادات و تقاليد المدينة الثقافية و الاجتماعية، و طلب من المشرفين عرض الفيلم عدة مرات قبل ختام التظاهرة لتمكين الجمهور من متابعة و الاطلاع على إحدى أجمل القصص الشعبية الرومانسية بالتراث المحلي.