لم تعد تفصلنا سوى بضعة أيام عن استقبال شهر الرحمة والغفران، فها هو شهر شعبان يهل هلاله على الجزائريين، الذين يدقون بوصوله الأجراس للشروع في التحضيرات السنوية لاستقبال شهر رمضان، كل بطريقته الخاصة، وحسب الميزانية الشهرية التي تتضاعف لدى أغلب العائلات بمناسبة قدوم هذا الضيف العزيز. هي عادات وتقاليد مرسخة لدى معظم العائلات الجزائرية تقضي بالإعداد المسبق للشهر الفضيل، والتحضير الذي يشمل كافة النواحي من تهيئة البيوت، إلى تغيير الأواني والمفروشات، إلى اقتناء اللحوم والفواكه المجففة والبهارات الخاصة بمأكولات وأطباق هذه المناسبة، فالزائر للأسواق هذه الأيام سيلاحظ الإقبال الكبير للمواطنين، وخاصة النساء منهم، على هذه المحلات التي تقصدها للتحضير لهذا الشهر وفق ما تمليه العادات. تجارة الأواني تنتعش في شعبان كشف تحقيق للديوان الوطني للإحصاء أن العائلات الجزائرية تنفق ما يزيد عن 2.7 بالمائة من ميزانيتها السنوية في اقتناء الأواني ومستلزمات المنزل، غير أن هذه النسبة مرشحة للارتفاع بقوة قبيل شهر رمضان، حيث تصر أغلب ربات البيوت على اقتناء كل ما هو جديد ليزين موائد الإفطار، كتقليد اعتادت عليه منذ وقت طويل، وبهذه المناسبة تنتشر طاولات بيع الأواني المختلفة من الفخارية إلى العصرية حوالي شهرا قبل حلول شهر رمضان. غير أن النصيب الأكبر كان للفخارية منها، والتي كسبت المنافسة مع نظيرتها العصرية المستوردة، لارتباطها بالنكهة الخاصة التي تطبع رمضان في الجزائر. وخلال جولتنا بعدد من الأسواق الشعبية في العاصمة، قمنا باستفسار بعض النسوة اللاتي عبرن عن التزامهن بعادة اقتناء ما هو جديد من أواني ولوازم مطبخية وبعض الأفرشة لاستقبال شهر رمضان. وفي السياق ذاته تقول مونية، 40 سنة، إن للطبخ في أواني نكهة خاصة مرتبطة بشهر رمضان، مشيرة إلى أنه في كل سنة تعيد تغيير طقم الطعام الذي تصر أن يكون من مادة الفخار التي تزيد من حميمية الجلسة على طاولة الإفطار، حسب محدثتنا. ومن جهتها ترى صبرينة، 50 سنة، أن حلول شهر رمضان كمناسبة لتغيير ديكور البيت الذي يبدأ باقتناء أواني ومستلزمات جديدة للمطبخ، ما ينعكس بالإيجاب على كل المنزل. التهافت على الدجاج خوفا من ارتفاع الأسعار تتسابق ربات البيوت في هذه الفترة على اقتناء اللحوم، خاصة البيضاء منها بصفة كبيرة، وذلك لتراجع أسعارها مقارنة مع ما سبق، وخوفا من عودة ارتفاع أسعارها كما هو معهود، حيث أعرب الجزارون وتجار الدواجن عن الإقبال الكبير الذي تعرفه اللحوم البيضاء مؤخرا، والتي عرفت أسعارها انخفاضا غير مسبوق حتى وصل سعر الكيلوغرام إلى 150 دج في بعض المناطق، وهو ما شجع عائلات على اقتناء الفائض منها لتجميدها واستعمالها خلال شهر رمضان، وهو ما ذهبت إليه أغلب النساء اللاتي التقينا بهن في سوق عين النعجة، حيث أعربت سامية، 55 سنة، عن ارتياحها من أسعار الدجاج التي تخشى أن ترتفع مع حلول الشهر الفضيل، وهو ما دفعها لاقتناء ما يزيد عن 15 قطعة منها لتخزينها في البراد. ومن جهتها تقول نعيمة، ربة منزل، أنها نظرا لانخفاض الأسعار تنوي أن تختصر مشوار الأسواق خلال شهر رمضان باقتناء اللحوم البيضاء على الأقل لاختصار الجهد والعناء خلال نهار الصيام. للبهارات والتوابل نصيبها من التحضيرات تحظى التوابل الجزائرية الخاصة بتحضير أنواع خاصة من المأكولات على غرار الشوربة، الحريرة، الطواجن، وغيرها من الأطباق التي تستدعي حضور توابل وبهارات خاصة، التي تتنافس ربات البيوت في اختيار أحسنها وأجودها. لذا تراهن مع اقتراب شهر رمضان تربطن اتصالاتهن مع معارفهن بين ولايات الوطن لتحظى كل منهن بأجود أنواع ”الفواح” الذي يضفي نكهته الخاصة على أطباقنا. وفي السياق ذاته تحظى أسواق التوابل في المناطق المعروفة بجودة هذه المادة حركة كبيرة، حيث اصطفت مختلف أنواع التوابل من راس الحانوت، الكمون، الفلف الأحمر والأسود وغيرها من الخلطات التي لا تستغني عنها أي ربة بيت جزائرية. وفي السياق ذاته كان لنا حديث مع بعضهن واللاتي اتفقن أنهن لا تقمن باقتناء هذه التوابل من الأسواق الشعبية في العاصمة، حيث تقوم أغلبهن بطلب هذه التوابل من عائلاتهن المقيمين في الولايات المعروفة بالجودة في هذا المجال، على غرار بسكرة، أم بواقي، باتنة وغيرها. فيما تصر أخريات على شراء بعض هذه الخلطات بأسعار غالية من مصادر موثقة من تجار يشترونها من البلدان المجاورة، على غرار المغرب وتونس التي تعرف توابلها بالجودة والنوعية الجيدة.