الأفلام المنتجة حديثا من طرف وزارة الثقافة والتي أسالت الكثير من الحبر بسبب جودتها ومضامينها التي تسيء بصورة أو بأخرى للجزائر، جعلتنا نفتح هذا الملف من جديد، وفيه آراء مختصين من المجال، لتشريح الوضع والبحث عن الحلول والبدائل للخروج من المشاكل التي تتخبط فيها السينما الجزائرية. المخرج حميد بن عمرة: ”الفساد في السينما يفوق حقل الأموال المصروفة” يتساءل المخرج الجزائري حميد بن عمرة: ”هل السينما الجزائرية بخير اذا قيمنا أفلامها كميا؟ مضيفا أن الجزائر تنتج الكثير من الأفلام وتخصص ميزانيات كبيرة لعدد هام من الإنتاجات سنويا وتعتبر البلد الوحيد الذي تساهم في صناعة أفلامه وزارتان، وزارة الثقافة التي تسخر أموالا لا مثيل لها في القطر الإفريقي والعربي، عدا المغرب، ووزارة المجاهدين التي تشارك بصفة محسوسة في كل الأفلام الثورية. ويقول بن عمرة: ”هل نكتفي بالكمية حتى وإن بقيت بعض الأفلام في الأرشيف لردائتها أو لعدم احترام أصحابها العقد المختوم على السيناريوهات الموافق عليها؟ السينما نور وإن حجبت الأفلام عن الجمهور، فما جدوى إنتاج هذه الأعمال؟ هل تحولت السينما الجزائرية إلى آلية غسيل لأموال الدولة، أم أن العمى أصاب المراقبين الذين يصرفون أموال الوطن على سيناريوهات ”كارتونية”؟ كيف يمكن منح الملايين لمخرج يصور صداقة حميمية بين طفل جزائري وجندي فرنسي دون أي حرج ؟ هل حزن الطفل على رحيل الجندي هو كناية لندم خروج الاستعمار من أرضنا ؟ هل أمهاتنا كن يكشفن على فروجهن عندما يهجم الاستعمار على بيت كوسيلة للتمويه؟ هل يعقل تصوير جدة في بيت الخلاء تغتسل بشكل طبيعي؟ هل يعقل محاكمة بومدين وجبهة التحرير في فيلم ركب على شكل أوبيرات من مستوى ”الحديقة الساحرة”، أم أن المشاهد الجزائري أبله إلى هذا الحد؟ يتساءل حميد بن عمرة، ويضيف: ”كل هذا متوفر في السينما الجزائرية وليس مبالغة في هجاء نوع معين من الأفلام، وكيف يمكن تفسير عدد من المخرجين الذين لم تخرج أفلامهم من دائرة حسين داي أو البويرة والذين يتباهون في فضاء الوكالة للإشعاع بمهرجان ”كان” الذين لا ترفض لهم أي نسخة سيناريو، والذين فشلوا في الوصول إلى أبجدية السينما؟”. وأضاف بن عمرة متسائلا: ”هل السينما الجزائرية تحولت إلى عائلة إقطاعية لا ينتفع من أموالها إلا أبناء فلان أو اأدقاء فلان؟ هل يحتاج القطاع السينمائي الجزائري إلى الاستقلال والخروج من الهيمنة المفرنسة التي توغلت في أحشائه مثل السرطان؟ الأفلام التي تسيء للواجهة السينمائية الجزائرية كثيرة ولا داعي لذكر قائمة قد تبدو انتقامية، أولها الأفلام الرديئة التنفيذ والتي أصحابها يعتقدون فعلا أنهم في مستوى عالمي يمنحهم الحصانة النقدية، من بين هذه النخبة من استولى تماما على الكيان السينمائي الجزائري، وصار يمثل الجزائر بصفة رسمية ودائمة، وهذا بتواطؤ مع مهرجانات الغرب التي، كما نعلم، تجتهد للتعريف فقط بالسينما الخبيثة التي لا تصور سوى أفلام استشراقية المذهب”. ويقول صاحب ”هواجس الممثل المنفرد بنفسه” أن عدد الأفلام المنتجة، أي الكم لا يكفي لتكوين رصيد سينمائي، يساهم في خلق فكر إبداعي للأجيال القادمة، بل يولد جمهورا ينفر من المنتوج الجزائري. وتساءل مرة أخرى: ”متى يتوقف النزيف ومتى يتم تشخيص المرض الباطني لسينما لا تفتقر لا إلى المال ولا إلى الطاقات الإبداعية؟ الجمهور الجزائري لا يريد أفلاما مقنعة تتظاهر بحب للوطن لكن بخلفية مسمومة، لأن الجمهور مهما كانت قلة القاعات فإنه يدرك دوما من يتحايل عليه، لكن الخطر هو تحايل المخرجين على مؤسسات الدولة وانتهاك أموالها بتقديم نصوص نظيفة وإنتاج أفلام مسودة في آخر المطاف، لكن لا يقتصر هذا على الإنتاج السينمائي فقط، لأن التظاهرات السينمائية ليست دوما في مستوى يسمح بخلق جمهور جديد، لأن أغلبها مفتعل ولا يشبه المهرجان إلا في السجاد الأحمر، فالمهرجانات ليست نوعا من الزردة بل ملتقى تقافي يتكون فيه المشاهد ويتعرف على سينما تفيد وطنيته وفكره، فعلاقة الفيلم الجيد بالمهرجان الجيد باطنية، ولا يمكن لمهرجان جيد التنظيم أن يعرض أفلاما تحت المستوى السينمائي العالمي، والتنظيم لا يكفي دون رؤية سينمائية تخدم السياسة الثقافية للبلاد، كما أن الفيلم الرديء إذا وجد واجهة تعرضه وتحتفي به فلا لوم على صاحبه لأنه وجد من يزغرد له. ويظن حميد بن عمرة أن المنتج والموزع كلاهما مسؤول عن نوعية الإنتاج، فالمنتج الذي لا يراقب تنفيذ العمل السينمائي يجب أن يرد بطاقته الحرفية، ففي أمريكا يمكن توقيف تصوير فيلم لأن المخرج لم يحترم المشروع الأساسي وتبديله بمخرج آخر، فبالجزائر المخرج هو الحاكم والخصم وصاحب القرار. ويضيف المتحدث أنه لا يمكن الحديث عن التوزيع بانعدام قاعات السينما، لكن التلفزيون قد يساهم في بث الأفلام الجيدة وتقديمها للمواطن، أما الإنتاج فليس بيعا للزلابية وشراء للخرشف، الإنتاج ليس تجارة بل التحكم في مفاهيم السينما وتحويل فيلم مكتوب إلى فيلم يعرض على الشاشة، كما أن المنتج مبدع من جهة لكونه يراهن على الحصان الفتي وليس على البغل الأعرج. ويرى بن عمرة في الأخير أننا نحتاج لمدرسة يتكون فيها جيل من المنتجين والموزعين قبل البحث عن المخرجين، مدرسة يتخرج منها التقنيون عوض استعمال المصورين والمركبين من فرنسا، فالفساد في السينما يفوق حقل الأموال المصروفة. السيناريست عيسى شريط: ”لا نملك منتجين بل مقاولين” يرى السيناريست عيسى شريط أنه لابد أن نفهم في البداية أن في الجزائر ليس لنا منتجون حقيقيون في المجال السمعي البصري على الإطلاق، باستثناء الدولة عبر هياكلها وصناديقها المختلفة، أما الباقي فهم مجرد منتجين منفذين، وبمعنى أدق مجرد مقاولين ينجزون العمل ثم يسلمونه للمنتج الحقيقي كالتلفزيون العمومي أو وزارة الثقافة عبر مختلف صناديقها أو وزارة المجاهدين، فيما يلتصق بإنتاج أفلام حرب التحرير، ولكن الحقيقة، يضيف عيسى شريط، أن الهيئة المنتجة لا تستفيد سوى بمجرد ”ديفيدي” ويظل مخرج أو المنتج المنفذ هو صاحب العمل يتصرف فيه مثل يحلو له. ويقول عيسى شريط أنه كان عضوا بلجنة القراءة الخاصة بدعم الأعمال السينمائية لدى وزارة الثقافة والتي لم تنه مدتها القانونية وتم توقيفها واستبدالها بلجنة جديدة دون سبب يذكر، فقط لأنهم رفضوا منح الإعانة المالية لسيناريو قدمته امرأة اسمها ”بن ڤيڤي”، وهي فرنسية من أصل جزائري وكانت وزيرة في الحكومة الفرنسية، وتم رفض هذا العمل بإجماع مطلق لأن مشروع الفيلم يطعن بشكل صارخ في الإنسان الجزائري وفي الثورة الجزائرية، وكان رفض هذا المشروع الخطير مؤسسا على قانون صندوق الدعم الذي ينص صراحة على رفض أي مشروع يمس سلبا بثورة التحرير ومبادئ الدين الإسلامي واللغة العربية، المشروع إذن مرفوض شكلا ومضمونا، وبعده بأيام، يقول عيسى شريط: ”وصل خبر توقيف اللجنة قبل انتهاء مدتها وهو قرار مجحف وغير قانوني، هذا ما يعكس جليا أن هذه الصناديق جاءت لتدعم أعمالا ذات مد وتوجه سياسي وثقافي محدد بدقة، وأصحاب هذه الأعمال بعد الاستفادة من مال الدعم يفعلون بأفلامهم ما يحلو لهم وبلا رقيب على الإطلاق، هذا ما يفسر تمرد كثير من المخرجين على السيناريو الأصلي الذي وافقت عليه لجنة القراءة عبر تقديمه لفيلم مخالف تماما للسيناريو، ما يثير كثيرا من الزوبعات الاعلامية والأمثلة كثيرة في ذلك”. ويخلص المتحدث في الأخير إلى القول بأن قوانين صناديق الدعم واضحة فيما يخص من يحق له الاستفادة منها كتوفر شرط الحوار باللغة العربية أو العامية، وعدم المساس بمبادئ الدين الإسلامي وثورة التحرير، وأي سيناريو لا تتوفر فيه هذه الشروط يتم إبعاده مباشرة دون دراسة أو قراءة، لكن الذي يحدث مخالف تماما لذلك، وإذا تجرأ أعضاء اللجنة على رفض عمل له مد أو أيديولوجية تعتنق ”الفرنكوفونية”، يتم توقيف اللجنة، هم يريدون لجنة قراءة خاضعة تماما وليست حرة، هذا ما يفسر إنتاج نوعية الأفلام ذات مد محدد على الرغم من تفاهتها من كل الجوانب. الناقد السينمائي نبيل حاجي: ”يجب إعادة النظر في الأفلام المنتجة بالشراكة مع الجزائر” يعتقد الناقد السينمائي نبيل حاجي أنه من الناحية العملية لابد من إعادة النظر في الأفلام المنتجة بالشراكة مع الجزائر، عربية كانت أو غربية وخاصة منها الفرنسية، أولا على مستوى السيناريو ثم على النسخة النهائية للعمل، ثانيا بالنسبة للتمويل من صندوق دعم السينما لوزارة الثقافة، متسائلا: ”على أي أساس تدعم هذه المشاريع، وما هي الاستفادة التي تتحصل عليها الجزائر تقنيا فنيا، وفي الأخير هذه الأعمال أثبتت أننا ندعم أفلاما بدون أي شروط أو قيود، وبدون إنجاح فني ولا تجاري”. ويضيف نبيل حاجي أن الجزائر وقعت على امتداد 50 عاما عددا من الاتفاقيات في إطار التعاون أو الإنتاج المشترك، لكنها ظلت حبيسة الأدراج أو استفاد منها فقط الصك الأخير، وخير دليل على ذلك الاتفاقية الموقعة بين الجزائروفرنسا في ديسمبر 2007 التي لم يستفد منها أي مشروع جزائري لا على المستوي المالي ولا التقني ولا حتى لتوزيع الفيلم الجزائري في القاعات الفرنسية، في وقت نشهد العديد من الأفلام الفرنسية التي استفادت من دعم صندوق السينما لوزارة القافة. الممثل عماد بن شني: أشخاص غير مسؤولين يعبثون بالسينما الجزائرية يرى الممثل عماد بن شني أن العبث الحاصل في السينما الجزائرية غير مقصود، لأنه نتيجة حتمية لسوء التسيير على رأس المؤسسات الثقافية التي تعنى بالسينما، والتي يديرها أشخاص لا علاقة لهم بالسينما والثقافة، مستغربا كيف تتحول منشطة إلى مديرة تسير مركزا مختصا في الإنتاج السينمائي وتكون مؤسسة داعمة، وهي لا علاقة لها بالسينما، والناس الذين تتعامل معهم عندهم تجربة كبيرة في هذا المجال، ويمكن أن يمرروا سيناريوهات معينة، وفي التطبيق يغيرون مثلما أرادوا لغياب المتابعة أثناء التصوير، لهذا يقول بن شني: نرى أفلاما تسيء لتاريخ الجزائر، أفلام أساءت أكثر مما أضافت. ويضيف بطل فيلم ”زبانة” أن هناك مشكلا آخر وهو الكاستينغ، ففيلم ”تيمڤاد” الذي عرض مؤخرا تقاسم فيه أدوار البطولة ممثلون من المغرب، وهي موضة جديدة في السينما الجزائرية، متسائلا: ”هل الجزائر عجزت عن إنجاب ممثلين كبارا؟ ويعتبر المتحدث أنه لا يوجد أشخاص مناسبون في المكان المناسب، والكل يبحث عن مصالحه، فعندما يكون مختصون يشرفون على القطاع حينها سيمكن الحديث عن إنتاج سينمائي جيد.