لا يُمكن تفسير تلك الخطوة التي أقدم عليها المشرفون على الموقع الرسمي للداعية المصري المعروف عمرو خالد، بنشرهم مقالا مطوّلا عن المسجد الأعظم بالجزائر، سوى بمحاولة استعادة العذرية التي افتقدها هذا الداعية لدى الجمهور الجزائري، وهو الذي كان ملأ السمع والبصر على الفضائيات العربية من المحيط إلى الخليج، حيث حظي بشعبية جارفة في الجزائر، حين أعلن قبل سنوات عن مشروعه ”صنّاع الحياة” الذي استقطب آلاف الجزائريين، على اعتبار أنّ عمرو خالد مثّل، بالنسبة لكثير من الشباب، رمزا لذلك الداعية المستنير الذي يعيش متطلبات عصره بكلّ تفاصيلها. خلال زيارته إلى الجزائر سنة 2008، لم يجد عمرو خالد من عبارات المديح والإطراء والثناء إلا واستعملها في مديح الجزائر وشعبها، حيث قال بالحرف الواحد ”لا أعرف شعبين جسّدا معاني التضحية والصمود مثل الشعب الجزائري والشعب الفلسطيني”، وأضاف: ”تأخرت عن الجزائر لأني أردت أن أدخلها من أبوابها احتراما لشعبها ونظامها”، وزاد على ذلك من الشعر بيتا، كما يُقال، ”لم أتصوّر يوما أنّ الجزائر جميلة بهذا الشكل الذي أذهلني وزاد من عشقي لها ولشعبها”، وأردف: ”ما قدّمته الجزائر من تضحية نادر في تاريخ البشرية ويستحقُّ التمجيد والاحترام..”. ويُثني تقرير المسجد الأعظم، المنشور مؤخرا على الموقع، على السلطات الجزائرية التي فكرت في إنجاز المشروع، على اعتبار أنّه أحد المنشآت التي ستُساهم ”في إبراز الهوية الوطنية والثقافة الإسلامية للبلد”. وحرص كاتب التقرير على الإشادة بخصوصيات ”جامع الجزائر الأعظم”، معتبرا مسألة التفكير في إنجازه من طرف السلطات الجزائرية ضرورة ملحّة، على اعتبار أنّه ”أزهر الجزائر”، وأنّه ”هو القفل الأخير الذي سيربط المرجعية الدينية الوطنية ويحميها، فالجزائر هي البلد الوحيد الذي لا يملك هيئة دينية عليا مثل الزيتونة في تونس، القرويون في المغرب، والأزهر في مصر”، وهذا ما نقله موقع عمرو خالد الرسمي على لسان محمد عيسى وزير الشؤون الدينية والأوقاف. ويُقارب التقرير المذكور فكرة بناء الجامع، من حيث كونها محاولة تهدف إلى ”إقامة إسلام وطني بعد أن أعطت فترة إرهاب التسعينيات صورة مشوّشة للإسلام، وجعلها الإسلام أقرب إلى الدولة، ومكافحة الأصولية”. ويُضيف على ذلك بالتأكيد على أنّ ”الدافع الأكبر وراء بناء الجامع قد يكمن في محاولة الحكومة تشكيل الهوية الدينية الوطنية وتسخير الإسلام، من خلال تأكيد سيطرتها على المساجد والدعاة الذين يعملون بها. هذا الجهد بدأ منذ حصول الجزائر على الاستقلال عام 1962، ثم ازدادت الضرورة الملحة له بعد دخول البلاد في مرحلة الصراع مع القوى المدنية والمتمردين الإسلاميين خلال فترة التسعينات، حيث فقدت الدولة السيطرة على بعض المساجد لصالح أئمة ومتطرفون يعارضون النظام”. وإذا عدنا إلى الأرقام، نجد أنّ موقع ”سوشيال بليد” أكّد في إحصائيات قدّمها قبل 5 أشهر، أنّ ما يزيد عن 5 مليون متابع قاموا بمشاهدة مقاطع على القناة الخاصة بالداعية مصطفى حسين، بينما حصل عمرو خالد على نسبة مشاهدة تقلُّ عن ذلك بأربعة أضعاف، ولم يتخطّ متابعو عمرو خالد الجدد عتبة 10 آلاف، في حين حصدت قناة الداعية مصطفى حسين 20 ألف متابع جديد. وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلُّ على التراجع الكبير في منسوب الشعبية التي كان يحظى بها عمرو خالد لدى الجمهور العربي. لكن لماذا فقد هذا الداعية تلك الجماهيرية الجارفة بهذه السرعة الخارقة، والمفروض أن تزداد شعبيته ولا تتقهقر؟ لعلّ الإجابة عن هذا السؤال لن تخرج عن تلك المواقف السياسية التي اتّخذها عمرو خالد بعد أحداث ثورة 25 جانفي في مصر، حيث لم يلتزم بوفائه لمبادئ الحياد تجنُّبا للفتنة، وهو المنهج الذي أعلن عمرو خالد عن اتّباعه في أكثر من مناسبة، سيرا على نهج بعض الصحابة، مثلما أكّد مرارا وتكرارا، وسارع إلى معارضة الرئيس الأسبق محمد مرسي ووقف ضد دستوره، كما أسّس حزبا سياسيا أطلق عليه اسم ”مصر”، وسرعان ما استقال منه مباشرة بعد انقلاب الجيش على محمد مرسي، ولحدّ الساعة، لم يفهم المُتابعون أهداف هذا الحزب. ولتفادي أية تداعيات لقراءة سلبية يُمكن تقديمها بخصوص تلك المواقف، فضّل الموقع الرسمي لهذا الداعية تقديم عمرو خالد بالشكل التالي ”داعية ومفكر إسلامي ومصلح اجتماعي ومؤلف”، دون أن ينسى التذكير بأعلى شهاداته التي حصل عليها من جامعة ويلز البريطانية، وهي الدكتوراه، حول رسالة بعنوان ”الإسلام والتعايش مع الغرب”، كما تمّت الإشارة باقتضاب للمناصب التقنية التي يحتلُّها في بعض المؤسّسات التي أنشأها، وهذا دون الخوض في مواقفه السياسية السابقة، بعدما جرّت عليه لعنة العزوف من الجماهير المصرية أولا، والعربية ثانيا.