قال لي بعض الشباب الجزائريين الذين أزورهم في الشارقة من حين إلى آخر، إنهم عندما يقرأون الصحافة اليومية الجزائرية من خلال الشبكة الرقمية، يتصورون أن القيامة قامت في البلد، فلا تكاد تجد في صحفنا سوى الأخبار السلبية، وكأن هؤلاء الثلاثين أو الخمسة والثلاثين مليونا الذين يعيشون في هذا البلد، ليس فيهم شخص واحد منهمك في شيء إيجابي ينفع الناس• كثيرا ما أجد هؤلاء الشباب محبطين بسبب ما يقرأونه في الصحف، ولكي أرفع قليلا من معنوياتهم، أقول لهم إن الإعلام ينخرط أحيانا في لعبة تسويقية تجارية يعمل من خلالها على استثمار انشغالات الجمهور وتضخيم الجوانب السلبية، بهدف تحقيق أعلى درجة من المبيعات والإشهار• ولا أتصور أن هذه المسألة تمثل خصوصية جزائرية، بل من الممكن أن تنضوي تحتها كثير من المؤسسات الإعلامية عبر العالم• قد يكون التضخيم الإعلامي لنسبة التردي في الأوضاع الاجتماعية، من بين عوامل الإحباط النفسي لدى الشباب الذي يجد نفسه مدفوعا إلى مجموعة من الخيارات أحلاها مر، لهذا أتصور أنه كما من واجب الإعلام أن يعري الأوضاع المجتمعية بكل موضوعية، ودون هوادة أو مداهنة، فإن من واجبه أيضا أن يتحرك باتجاه إحداث نوع من التوازن داخل المعادلة النفسية للقارئ، لأن من حق هذا الأخير أيضا أن يعرف ما يتحرك في واقعه من مفردات إيجابية• التعرية الإعلامية الموضوعية للواقع، هي عامل سلبي باتجاه الهدم، لهذا ينبغي أن ترافقه أيضا، مواكبة إعلامية للمبادرات البناءة داخل المجتمع وما أكثرها• هنا في منطقة الخليج، يبحث الإعلام ب"الشمعة والقنديل" كما يقول المثل الشعبي الجزائري، عن المبادرات الإيجابية مهما كانت بسيطة وتافهة، ليضخمها ويضعها على صفحاته الأولى مع صور ضخمة بالألوان الطبيعية، فهل معنى ذلك أن الحالة الخليجية لا تختزن أية مفردة سلبية أو أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ؟ أتصور أن ما يحدث في الجزائر ليس أكثر ولا أقل فظاعة مما يمكن أن يحدث في أي مجتمع عربي أو غير عربي آخر، على درجات متفاوتة من الفظاعة طبعا، حيث لا يخلو مجتمع من السلبيات والفساد سواء على المستوى السلطوي أو على المستوى الشعبي• الصحافة الخليجية تكتب باستمرار عن شخصيات من عامة الشعب، تصنفها في خانة الفنانين والعباقرة والموهوبين، والواقع أننا لو بحثنا عن مثل تلك العبقريات والمواهب في الجزائر مثلا، لوجدنا منها عشرات أو مئات الآلاف على الأقل• لعل هذه المسألة لها ارتباط أيضا بمساحة الحرية المتاحة في المجال الإعلامي، والتي تتفاوت من بلد إلى آخر، وما من شك أن بعض الدول الخليجية ما تزال في مرحلة التأسيس، بحيث تحتاج في الجانب الإعلامي إلى تكريس الدعم والتشجيع أكثر مما تحتاج إلى نقد الواقع القائم ، ولست هنا في وارد تعليم زملائي كيف يؤدون مهنتهم، لأني أعتبر نفسي أقل واحد بينهم في هذا الشأن، غير أنني أتصور أنه لا يليق بالإعلام أن يروج لعالم لا يظهر فيه سوى لون واحد هوالأسود•