عشرة أيام قبل شهر رمضان مكث الناس عندنا يتحدثون عن شتاء قاس سوف يواجهونه تسلميا بأن درجة الحرارة هذا الصيف قاربت ولأول مرة الخمسين؟! مما ذكرهم ذلك بزمن الستينيات يوم كانوا يقضون ساعات الصيام وهم في مزارع الحصاد••• متحملين بهارات الحر وكلهم إيمان وصبر•• خوف هؤلاء لم يكن من بنات التكهنات والأحاجي التي غالبا ما يرددها المنجمون••• وقد يكونوابالتأكيد فئة من الشباب العاطل عن العملأو نفر من الرجال المخضرمين والذين بلا شك أعيتهم مضامين الحداثة فراحوا ينشطون كزمر سوفسطائية يقدمون بضاعة هرقطاتهم لكل من اجتمع بهم أو اجتمعوا به، وقد دخل حديثهم ذاك أدراج اللغو لأن شهر رمضان جاء عكس تصوراتهم نهائيا فالسماء كانت سخية إلى درجة لا توصف وذلك في اليوم العاشر من الشهر المبارك• بدأت الأمطار منتظمة ثم تحولت إلى طوفان جارف هدد (عفوا) زعزع أركان بيوتنا وذلك زمن الناس كانوا وعلى دين خليلهم يغدقون من قهوات القلق• انبلجت خلف السحب خلايا من البرق•• واهتزت الأشجار ريحا إلى غاية أن سقط رويدا رويدا صقيع خفيف المغرب، ثم استطالت الخيوط المائية من فوق لمدة فاقت الربع ساعة حتى رأيت الجميع يدخلون بيوتهم قصد التصدي لهذا الزحف المائي غير المتوقع، وإذا هم في دهشة من أمرهم لأن ذلك يحدث لأول مرة في تاريخ هذه المدينة الخجولة، فقد وجدتهم يهلهلون بكل عفوية وفرح لهذا الحدث• ظلت المطر تضرب بقوة حتى شكلت سواقٍ مسترسلة بعلو يزيد عن النصف متر؟! مما أهل المياه الرقراقة تلك إلى تجاوز طول الأرصفة، (تبا للمقاول) هكذا قال أحد الشبان ممن وقفوا على باب المقهى• هجم الماء بقوة على الجدران فأفسد كل ما هو جميل وكل ما هو فوضوي فوق السطوح والأرصفة والزوايا بل أعدم نوم كبار السن الذين لا تستهويهم سهرات رمضان، فبمجرد أن ينتهي موعد التراويح حتى تسرقهم إغفاء مفرطة عكس الشباب الذي لا ينهض من على طاولات الدومينو إلا قبيل آذان الإمساك بنصف ساعة؟! في هذه الأثناء كان كل شيء يبدو مغلقا ومشلولا••• وأسعد فرد هو من تمكن من اجتياز الشوارع المتخمة بالفيضان لمعاينة مسكنه، الخطر ازداد وتملك الجميع خوف غير معهد من ذي قبل خاصة وأنهم سمعوا قبل فطور اليوم على شاشة الأخبار كيف أن مدنا بالشرق الجزائري جرفها الماء عن بكرة أبيها••• وربما مدينتهم ستتعرض إلى نفس المصير••• بل حقا ها هي نفس العلامات المطابقة قد لاحت تباشيرها• الماء كان يزحف بقوة حاملا رملا صحراويا أحمر وزبدا مكشطا ممزوجا بقش التبن•• سيارة (مازدا) معبأة بالخضر تمر بالطريق الوطني يلحقها نفر من اللصوص المشاغبين يصعدون من ورائها، يفتحون الغطاء••• يخرجون صندوقا من التمر المعسل ويعرجون به خلف الرصيف، بينما آخرون كانوا يصفقون ويهتفون لهذه المغامرة المكشوفة إلى درجة أنهم انتفضوا وافرنقعوا للحاق بالصندوق، ولكن صاحب السيارة واصل السير ببطء السلحفاة وهو الذي لم يكن يفكر لحظتها إلا في كيفية الخروج من هذا المنتجع الخطير••• بينما غمازتا السيارة الحمراون كانتا ترسم مشهدا سينمائيا، حيث الماء يصاعد من بطن العجلتين مثل نافورة جبلية عالية، ومما زاد هذا المشهد بهاء هو أن الضوء كان ينحت على سطح الماء بحركة سيراميكية•