المغرب الشقيق بدأ بعدنا حكاية الإنفتاح الإعلامي على الصحافة المكتوبة.. ولكنه سبقنا في هذا الشأن. فالصحافة الغربية بدأت تتجه نحو المهنية وبدأت بمحاسبة أهل المهنة لأهل المهنة أنفسهم أمام القضاء.. عندما يحدث الإنحراف. عندنا تحاكم "الوطن" الصحيفة الأكثر مهنية في البلاد، ويحكم عليها ليس لأن أصحابها أخطؤوا مهنيا بل لأنها تجرأت وأصبحت تمارس المهنة خارج أي هيمنة لجماعات المصالح وجماعات الضغط المختلفة.. الوطن أصبحت الصحيفة الجزائرية الأولى مهنيا في الجزائر ليس لأنها تصدر بالفرنسية.. بل أصبحت كذلك لأن بها أكبر تجمع مهني للصحافيين الأكفاء تكونوا في المجاهد اليومي في الستينيات والسبعينيات، وبها مجموعة من الشباب القادم للمهنة في عهد التعديدية الإعلامية.. شباب حظي بعناية التأطير الجيد من طرف الفريق المتكون في "المجاهد" على امتداد عقود.. الوطن أيضا تعرف استقرارا إداريا في التسيير وتعرف تطورا متواصلا في التحسين والتطوير قلما عرفته يومية أخرى بالفرنسية أوبالعربية. الوطن الصحيفة التي يحكم على مديرها الزميل عمر بلهوشات لأنه سمح للصحيفة بنشر واحدة من مآسي الصحة في الجزائر.. يحكم عليه بالحبس بغرض حبس أنفاس الصحيفة كل لا تواصل تقدمها نحو التحول إلى مؤسسة تشرّف الجزائر قبل أن تشرّف فريق الوطن وتشرف مديرها.! كلنا نتذكر كيف كانت لوموند الفرنسية تصنع الرأي العام في الجزائر.. وكان العديد من الطبقة الحاكمة والسائرين في ركابها يحسون باليتم عندما لا تصل لوموند الفرنسية إلى أكشاك الجزائر.! واليوم بفضل أمثال عمر بلهوشات وزملائه في الوطن.. وزملائه في الصحف الأخرى المفرنسة والمعربة أصبح الرأي العام الوطني بين أيدي الجزائريين لا تتحكم فيه لا لوموند ولا الأهرام..! قد نختلف فيما بيننا كصحافيين ونذهب في الخلاف مذاهب شتى.. لكن لا أحد منا ينكر أن الرأي العام الوطني قد تم تحريره من التبعية للخارج في مجال الصحافة المكتوبة.. وأصبح هذا الرأي العام بين أيدي الجزائريين.. وعكس ذلك ما يزال مجال السمعي البصري تابعا بصورة شبه كلية للخارج بسبب عدم فتحه لأمثال فريق الوطن وفريق الصحف الأخرى التي حررت المجال الإعلامي الوطني..! ما ينقصنا الآن هو أن نتجه بمهنتنا نحو تطبيق المهنية الصارمة في معالجة وممارسة مهنة الصحافة.. وأظن أن الوطن هي الصحيفة الأولى في الجزائر التي تطبق هذه الصرامة.. ولذلك لا تقوم بنشر الأخبار غير الصحيحة إلا نادرا.. ومن هنا فإن الحكم على مديرها بالحبس النافذ حتى ولو كان ما نشر من باب الأخطاء المهنية.. هو في النهاية من الأمور التي تأتي في غير مكانها.! أقول هذا اليوم لأنني أعرف جيدا مهنية عمر بلهوشات وأعرف أنه لا يمكن أن يتعمد القيام بأي خطأ مهني أبدا. لماذا أقول أن الزملاء في المغرب قطعوا أشواطا في المهنية سيسبقوننا بها.. ذلك أن المغاربة انتظموا في هيئات مهنية قوية وفاعلة تنظم المهنة وتحميها من أخطاء نفسها قبل أن تحميها من تجاوزات السلطة وجماعات المصالح المتصارعة في الساحة السياسية وغير السياسية. مشكلتنا في الصحافة أننا لم نتجه إلى تنظيم أنفسنا لحماية المصالح المهنية لهذه المهنة من التجاوزات التي قد ترتكب ضدها أو بها. ومع ذلك فإن استهداف الصحيفة الأكثر مهنية في الجزائر مسألة غير مقبولة بالمرة، بالنظر إلى المرحلة التي تمر بها البلاد وخاصة في مجال الإعلام والصحافة المكتوبة تحديدا.