يستعد السودان لاعلان إنفصال جنوب البلاد عن شماله رسميا اعتبارا من نهار اليوم يوم السبت و الذي جاء نزولا عند رغبة سكان الجنوب الذين عبروا عنه في إستفتاء نظم مطلع السنة الجارية كتتويج لاتفاق السلام الشامل الذي أنهى نحو عقدين من الحرب بين الشمال و الجنوب. فيوم غد ستدق الاجراس ويعزف النشيد الوطني و ينظم استعراض عسكري بمناسبة ميلاد دولة جمهورية جنوب السودان وعاصمتها (جوبا) رسميا لتكون الدولة الافريقية ال 55 التي ستخلق خريطة جيو-استراتيجية جديدة للقرن الافريقي. و صوت سكان جنوب السودان بنسبة قاربت 99 بالمائة لانفصال الاقليم في إستفتاء جرى تنظيمه في التاسع من جانفي 2011 وهو إستفتاء نص عليه اتفاق السلام الشامل الذي وقع بين الجانبين عام 2005 و أنهى حربا أهلية دامية استمرت 21 عاما وراح ضحيتها أكثر من مليوني شخص وعدة ملايين من اللاجئين بحسب تقديرات منظمات دولية. و من المنتظر أن تجري مراسيم الاعلان عن الانفصال في حفل كبير تحضره أكثر من 600 شخصية بعاصمة جنوب السودان وسيكون الرئيس السوداني عمر البشير على رأس وفد رؤساء دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا "الإيغاد" المشارك في الإحتفالات. و توقع الأمين العام لحكومة جنوب السودان رئيس اللجنة الفنية للاحتفال بانفصال الجنوب السيد عابدون أقاو جوك في تصريحات صحفية أن يكون إعلان الانفصال من داخل الميدان الذي يضم ضريح زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الراحل جون قرنق في الناحية الشمالية لمدينة جوبا. كما يتوقع أن يخاطب الحشد الإحتفالي إلى جانب الرئيس عمر البشير رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير ميارديت وذلك بحضور الأمين العام للأمم المتحدة وممثلين عن الإتحاد الأوروبي و الإتحاد الافريقي و كذا الجامعة العربية الى جانب رؤساء وفود الصين و الولاياتالمتحدةالامريكية. و أكد الرئيس السودانى أنه سيتوجه الى الشطر الجنوبي عندما يعلن إستقلاله مبرزا أنه "يسعى الى خلق علاقات ودية مع الدولة الفتية". كما كشف أنه سيتم صياغة دستور جديد للسودان عقب الاعلان الرسمي عن الإنفصال تشارك في وضعه كل القوى السياسية على أن يعرض على إستفتاء شعبي لإجازته. و بينما ينظر البعض بعين تفاؤل الى الانفصال يرى البعض الآخر أن المستقبل "لازال مجهولا وغامضا وأن أهل السودان سيدفعون ثمن الانفصال غاليا".و من أهم التحديات التي تنتظر هذا البلد الافريقي نوعية العلاقة بين الشطرين و كذا النزاع حول منطقة "أبيي" الغنية بالنفط و ترسيم الحدود و قضايا جوهرية أخرى كالخلافات الاتنية والعقائدية والثقافية. و كان الرئيس البشير قد أكد من قبل على "مواصلة المفاوضات مع الجنوب لحل كل المسائل العالقة في إطار إتفاق السلام الشامل بما في ذلك وضع منطقة ابيي المتنازع عليها وترسيم الحدود والنفط والديون الخارجية". وجاء هذا الاتفاق خلال انعقاد قمة في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا نظمتها الهيئة الحكومية للتنمية في الشرق إفريقيا (ايغاد). وشدد البشير على حرص الحكومة على أن تكون العلاقات مع جمهورية الجنوب من "أميز العلاقات بين دولتين". من جهته أكد سلفا كير أن جمهورية جنوب السودان ستكون " شقيقة للسودان الشمالي وستحتفظ بعلاقات سياسية ودبلوماسية واجتماعية معها". و بإعلان إستقلال جنوب السودان رسميا سينتهي العمل بأحكام إتفاق السلام الشامل الموقع في 2005 كما ستنتهي مهمة بعثة حفظ السلام الدولية (اونميس) التى تولت مهمة مراقبة التزام الطرفين باتفاق السلام. كما أشار جدول زمني قدمه رئيس مجلس الامن التابع للأمم المتحدة الى ان جنوب السودان قد يصبح دولة عضوا بالمنظمة الدولية بعد أيام من انفصاله رسميا عن الشمال. و من العقبات التي تواجه السودان في الوقت الراهن أيضا العنف الذي تشهده ولاية كردفان الجنوب التي تعرف قتالا بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لجنوب السودان. كما يشكل الجانب الاقتصادي احدى التحديات التي تربك السودانيين إذ أن الدولة بصدد الاستغناء عن 75 بالمائة من مواردها البترولية لصالح الجنوب بواقع 36 بالمائة من الدخل المحلي بعد ان شكل البترول في الفترة الماضية مصدرا رئيسيا للحياة في هذا البلد. و أكد في هذا الشأن أكثر من مسؤول في الحكومة السودانية أنه من الطبيعي أن يحدث هذا الارتباك مع اعلان الاتفصال في الجانب الاقتصادي ولكنه في غضون ستة أشهر سوف تعود الأوضاع الى الاستقرار أما بالنسبة للبترول فسيكون هناك مصادر بديلة للشمال كما أن بترول الجنوب لن يسوق الا عبر الشمال وسيكون هناك مقابل لذلك. و الى جانب هذا فإن السودان سيفقد ربع مساحته الكلية التي ستتقلص من مليون و500 ألف كيلومتر الى مليون و881 ألف كيلومتر وهو ما يمثل نسبة 25 بالمائة و سيخسر السودان 37 بالمائة من مداخيله بعد إنفصال الجنوب الذي يعتبر منطقة غنية بالنفط. وتشكل هذه العقبات قلقا كبيرا للخرطوم التي تعاني من مديونية خارجية تصل الى 38 مليار دولار وحالة تضخم اضافة الى العقوبات الامريكية المفروضة على البلد والتي تنهك اقتصاده.