بعدما انتهى سيد أحمد بن على من كتابة بيان أحداث 11 ديسمبر باللغة العربية بمقر الإذاعة الذي كان يتواجد بشارع ''بير توزان'' سابقا، بمحاذاة قاعة ابن خلدون بشارع الدكتور سعدان حاليا، والتي لا يزال الطاهر رحاب حتى اليوم -إن كان على قيد الحياة- يجهل بأن احمد بن علي تسلل إلى مقر الإذاعة وطبع بيان 11 ديسمبر بواسطة الآلة الطابعة التي كانت في مكتبه• بعدما انتهى بن علي من ذلك عاد إلى البليدة وأخبر المحافظ السياسي سي خالد بالحادثة، وكيف حدد تاريخ 11 ديسمبر، فبارك الفكرة وقال له خيرا ما فعلت• بن علي يرد على القائلين بأن مظاهرات 11 ديسمبر عفوية استغرب سيد احمد بن علي لبعض الأصوات التي تدعي أن مظاهرات 11 ديسمبر التي خرج فيها الشعب الجزائري عن آخره إلى الشوارع منددا بانتهاكات الإدارة الاستعمار كانت عفوية، متسائلا: كيف تكون مظاهرات عارمة بحجم مظاهرات 11 ديسمبر عبر كل التراب الوطني، هكذا بطريقة عفوية، ودون تخطيط أو تنظيم؟ مشيرا إلى أن المظاهرات مرت عبر مراحل ومحطات جد حرجة، ووقف عليها رجال مخلصون لهذا الوطن العزيز، منهم من استشهد في ساحة المعركة، ومنهم من لايزال على قيد الحياة، وهم لا يزالوا شاهدون على تلك الأحداث العظيمة ومن كان وراءها· ما هي دلالات 11 ديسمبر؟ عندما سألنا سيد احمد بن علي لماذا تم اختيار تاريخ 11 ديسمبر لهذه المظاهرات العظيمة، ولهذا الحدث البارز في تاريخ الثورة التحريرية؟ قال مهيكل المظاهرات أن هناك أحداث بارزة حدثت بتاريخ 11 ديسمبر طيلة مشواره النضالي في صفوف الثورة التحريرية وحتى قبل اندلاع الثورة، مما جعل هذا التاريخ يترسخ في أذهاني، بينما الأهم في ذلك أنه في تلك الفترة أي أسبوعين قبل عيد المسيح تكون الإدارة الفرنسية منشغلة بتحضيرات هذه المناسبة المقدسة لديها، وبالتالي كان ذلك التاريخ خطوة لإفساد فرحة المعمرين والفرنسيين بعيد المسيح انتقاما للأحداث الأليمة التي عايشها الشعب الجزائري· مرحلة طبع المناشير دخل احمد بن علي ورفاقه في المرحلة ما قبل الأخيرة من تحضير مظاهرات 11 ديسمبر العظيمة، بعدما وفر هذا الأخير كل ما تتطلبه العملية من آلات طابعة المشهورة آنذاك باسم ''لي رونيو''، وكذا الحبر والورق، وهي مرحلة طبع المناشير قبل توزيعها على الشعب الجزائري ليكون في الموعد، وقال سي بن علي أن العميلة قسمت إلى فوجين فوج يطبع المناشير باللغة العربية وكان يتكون من أحمد يحياوي وسي بوعمرة وكان المكان بمخزن السلع الذي يملكه سيد أحمد بن علي بشارع ''طريق الجزائر'' بالبليدة، وفوج آخر يطبع المناشير باللغة الفرنسية وكان يتكون من زوجة سيد احمد بن علي ومصطفى النعيمي ويوسف بومهدي بمنزل سيد احمد بن علي بالبليدة· وبعد انتهاء مرحلة طبع المناشير قبل أسبوع أو أسبوعين من تاريخ 11 ديسمبر، اجتمعت اللجنة المكلفة بالتحضير لتقرر المرحلة النهائية وهي مرحلة توزيع المناشير عبر كل التراب الوطني· سيد احمد بن علي يكلف بتوزيع المناشير بالصحراء كلف سيد أحمد بن علي ودائما كالعادة وبحكم مهنته في التجارة، وكذا تجربته الكبيرة وحنكته في المهام الصعبة، بتوزيع المناشير بمنطقة الصحراء، التي كانت الإدارة الفرنسية تضرب عليها حصارا مشددا، وطوقا أمنيا محكما، سيما وان تلك الفترة تزامنت مع اكتشاف المحروقات والبترول بالصحراء الجزائرية، مما جعل الإدارة الفرنسية تحرّم هذه المنطقة على الجزائريين، الذين لا يمكنهم الدخول إليها إلا عن طريق رخصة تمنحها الإدارة لأشخاص معينين فقط· مهمة أخرى قبل توزيع المناشير في تلك المرحلة، كانت الإدارة الفرنسية تروج لإدعاءات كاذبة، بأن منطقة الصحراء تريد الانفصال عن الجزائر، وهي إدعاءات كاذبة كانت تروج لها الإدارة الفرنسية لفصل الصحراء عن الجزائر بعدما اكتشف البترول بالمنطقة، وقد بلغ الحكومة المؤقتة هذه الأكاذيب التي روجت على نطاق واسع، فكلفت قيادة الولاية الرابعة بإرسال مرسول إلى أعيان الصحراء لاستفسارهم في مدى صحة الأخبار، ولم يكن المرسول سوى سيد أحمد بن علي بحكم مهنته في التجارة وخبرته الكبيرة وحنكته في مثل هذه المهام الصعبة، ودائما كان لزاما على بن علي القيام بتحضيرات ونسج خطة محكمة من أجل إنجاح المهمة التي كلف بها من طرف سي محمد النعيمي قائد الولاية الرابعة، فاتصل برفيقين كانا معه في السجن، الأول، اسمه محمد تيريشين لا يزال على قيد الحياة، والثاني يونس رشوم، ينحدران من غرداية، ويقطنان بالبليدة، واقترح عليهما مهمة مرافقته إلى غرداية لمقابلة زعيم أعيان الصحراء الشيخ بيوض، وقبلا بالمهمة، وتم تاريخ الالتقاء بغرداية وسبقا يونس رشوم ومحمد تيريشين سيد احمد بن علي إلى المنطقة ثم لحقهما هذا الأخير· بن علي يراوغ الإدارة الفرنسية وينجح في الدخول إلى الصحراء لم يكن لسيد احمد بن علي من مخر ج لدخول الصحراء سوى اختلاق حجج وتبريرات لإقناع الإدارة الفرنسية، ولما كان تاجرا وموزعا حصريا للأدوات الكهرومنزلية، فكر في حيلة من هذا المنطلق، وكانت في تلك الأثناء قد تم اختراع ثلاجة تستخدم بمادة تصنع من البترول، فكانت الحل الأمثل في الدخول إلى الصحراء بحجة الإطلاع على سوق هذه الثلاجة، وفعلا نجح بن علي في ذلك ومنحته الإدارة الفرنسية رخصة لمدة 84 ساعة، كانت كافية للإنجاح مهمته· قال سيد احمد بن على أن الإدارة الفرنسية منحته الرخصة بولاية الجلفة حاليا، أي عند بوابة الصحراء، ويتذكر بن علي مشهدا لا يزال راسخا في ذهنه إلى يومنا هذا، وذلك في حدود ولاية الأغواط رأى لافتة كبيرة مكتوب عليها ''هنا فرنسا·· إقليم أوترمير''، -أوترمير نسبة إلى الحاكم الفرنسي الذي كان يحكم المنطقة-، وكانت أن آلمته اللافتة كثيرا، وزادت من عزمه وإرادته في محاربة المستعمر الفرنسي· لقائه بالشيخ بيوض وسار سيد احمد بن علي إلى غرداية والتقى بكل من يونس رشوم ومحمد تيريشين، اللذان أرشداه إلى زعيم أعيان الصحراء الشيخ بيوض، وسلمه بن علي رسالة المحافظ السياسي سي خالد، والتي كانت تستفسر عن مدى صدق الأخبار التي كانت تحوم آنذاك بأن سكان الصحراء ينوون الانفصال عن الجزائر، ورد الشيخ بيوض بشدة، بأن هذه مجرد افتراءات من الإدارة الفرنسية، ولا أساس لها من الصحة، وأن سكان الصحراء جزائريون ولا يمكنهم الانفصال عن البلد الأم، وهو ما طمأن سيد أحمد بن علي، فشكر له حسن الاستقبال وضرب له موعدا في المرة القادمة· كيف تم نقل المناشير إلى الصحراء؟ بعد عودته من مهمته الأولى إلى الصحراء للاستفسار على الإدعاءات بانفصال الصحراء عن الجزائر، مكث سيد احمد بن علي قليلا في البليدة، ثم بدأ التحضير لمهمة ثانية أكبر حجما وأكثر تعقيدا، تتمثل في نقل المناشير إلى الصحراء، فكانت الخطوة الأولى أن طلب ترخيصا آخر للدخول إلى الصحراء دائما بوثائق تجارة المواد الكهرومنزلية، وكان ذلك أسبوع قبل بداية المظاهرات، ثم فكر في الطريقة التي يسلكها لإيصال المناشير إلى الصحراء، في ظل الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها الإدارة الاستعمارية على الداخلين إليها والخارجين منها، فاتصل بأحد الرفاق اسمه عاشور يملك مؤسسة لشاحنات نقل السلع من الحجم الكبير، وكان يعمل في تلك الأثناء في نقل قنوات نقل البترول إلى الصحراء، وقد ابلغه المهمة وهو والمجاهد احمد يحياوي، بأنهم يرغبون في نقل كمية كبيرة من المناشير إلى الصحراء، وعليه مساعدتهم في المهمة، في البداية تردد، نظرا لحجم المهمة وخطورتها، ولكن سيد أحمد بن علي تمكن من إقناعه، وقبل بالمهمة في الأخير دون أن يعلم محتواها· وبعد الانتهاء من مهمة الشحنة الأولى من المناشير، كلف المدعو ''زازا محمد'' والذي كان موزعا لبعض مركات العطور بنقل الشحنة الثانية، على اعتبار انه كان يقوم بدوريات إلى الصحراء للترويج لسلعته، وقبل بالمهمة، ومنحه سيد احمد بن علي الشحنة واتفقا على تاريخ الالتقاء والمكان المحدد· ضرب سيد أحمد بن علي تاريخا ومكانا محددين للاثنين المكلفين بنقل المناشير كل من عاشور وزازا محمد، وتوجه هو إلى الصحراء بعد ذلك، بعد ان منحته الإدارة الفرنسية الرخصة، وبقي ينتظر الرسولين حتى مجيئهما· ملاحظة: سيد أحمد بن علي: من يرى عكس ما أقول، فأنا مستعد للرد