رجال صنعهم التاريخ، ورجال صنعوا التاريخ، وكذلك كان سيد أحمد بن علي· أن تناضل على الجبهة المالية فذلك جميل، وان تناضل على الجبهة السياسية فذلك جميل أيضا، وان تناضل على الجبهة الثقافية فذلك جميل كذلك، ولكن أن تناضل على الجبهات الثلاث فذلك أجمل وأروع، وكذلك كان سيد أحمد بن علي· مذكرات مهيكل وممول مظاهرات 11 ديسمبر العظيمة حصريا على ''السياسي'' سيد احمد بن علي من مواليد 62 فيفري 0391 بالبليدة، من عائلة فقيرة معدمة، ابتاع الكاوكاو ولمع أحذية الكولون وهو لم يبلغ الثانية عشر من عمره، انضم إلى الكشافة الإسلامية في سن مبكرة، انخرط في العمل السري المنظم وهو لم يتجاوز ال 51 سنة· مسيرة سيد أحمد بن علي بدأت عندما اشترى له أبوه محلا بوسط مدينة البليدة بعد أن باعت العائلة ممتلكات وراثية، بدأ سيد أحمد بن علي شابا في العشرينات من العمر يمارس التجارة، واحترف المهنة، استجمع الأموال وتراكمت أرباحه، إلى أن تحول من فقير مدقع إلى غني من أغنياء المدينة، وهو لا يتجاوز الثلاثين من العمر· أن تعيش فقيرا معدما تضيف فاقتك وفقرك إلى عائلتك وإلى مجتمعك وتكون عالة عليهم، فذلك أمر صعب، ولكن أن تعيش ثريا وسط مجتمع فقير معدم فذلك أمر أصعب، وكذلك عاش سيد أحمد الذي أصبح من أثرياء مدينة البليدة في سن الثلاثين، وكل ذلك موازاة مع العمل النضالي والسياسي الذي اشتعل لهيبه بعد الحرب العالمية الثانية، كان سيد أحمد يجمع بين العمل التجاري والنضالي، ويكمل هذا بذاك، ويسخر هذا لذاك· كان يمكن لشاب آخر مكان سيد أحمد بن علي وهو في عنفوان شبابه ويملك تلك الثروة الهائلة من المال، في زمن الفقر والفاقة، أن تنقطع أوصاله العصبية، أو تنفجر حباله العقلية، تؤدي به لا محالة إلى مخالطة عالم الترف والمجون، ولكن سيد احمد لم يكن كذلك، فقد كان واعيا بالقضية الوطنية، وسخر ماله ونفسه وكل ما يملك لخدمة القضية الوطنية· الكثير منا يعلم أن مظاهرات 11 ديسمبر 1691 كانت حدثا فيصليا في نتائج الثورة التحريرية التي تكللت بالاستقلال من براثن الإستعمار الفرنسي الغاشم، الذي جثم على خيرات البلاد والعباد طيلة 231 سنة من الاحتلال، حيث خرج الشعب الجزائري في مظاهرات سلمية عبر كل ولايات الوطن يطالب بالاستقلال عن الإدارة الاستعمارية، ولكن القليل منا من يعلم أن سيد أحمد بن علي هو مهندس ومهيكل تلك المظاهرات العظيمة، وممولها الرئيسي عبر كل ولايات الوطن، نعم كان سيد أحمد بن علي مهيكل وممول مظاهرات 11 ديسمبر الشهيرة· اقترب موعد خروجه من سجن البليدة بعد ان قضى داخل زنزانته سنة ونصف، كان سيد أحمد بن علي يعتقد انه تخلص من كابوس وظلمات السجن، ليخرج إلى الحياة العادية ليمارس نضاله وتجارته، لكن الإدارة الفرنسية رفضت ذلك، وقررت إعادة سجنه بدون أي سبب، يقول سيد احمد بن علي في اليوم الذي كان من المفروض أن يتم الافراج عني، كانت الإدارة الفرنسية تخطط لأمر آخر، وهو مواصلة سجني بالرغم من عدم وجود أي تهمة أو أي دليل على ذلك، ويضيف سيد أحمد بن علي أنه لم ير نور الشمس عند خروجه في ذلك اليوم الموعود، لقد تم جلب شاحنة لنقله، وتم توقيفها بجوار مدخل السجن بطريقة لا يمكنك أن ترى نور الشمس عند خروجك منه، حيث خرج من ظلمات السجن إلى ظلمات الشاحنة التي نقلته إلى ما كان يسمى ''حوش شنو''، وهو اليوم عبارة عن مركز للدرك الوطني لتدريب وتربية الكلاب الخاصة، وتم الإلقاء به في خيمة، وهنا ألتقى بالطبيب المعروف فرانس فانون· لقاؤه ب ''فرانس فانون'' في حوش شنو وبمجرد أن رأى سيد احمد بن علي فرانس فانون الذي كانت تربطه علاقات معه في السابق، حيث كان سيد احمد بن علي يرسل إلى فرانس فانون الذي كان طبيبا بمستشفى البليدة بعض الجرحى من المجاهدين الذين يصابون في المعارك تحت أسماء مدنية لمعالجتهم، وتم جلب فرانس فانون للتحقيق معه من طرف الجيش الفرنسي، في البداية ظن سيد احمد بن علي أن فرانس فانون هو من ذكر اسمه في التحقيق، وسأل سيد أحمد بن علي فرانس فانون إن كان ذكر اسمه في التحقيق، فرد بالنفي، ومن خلال التحقيق تأكد سيد احمد بن علي أن فرانس فانون لم يذكر أسمه في التحقيق، بل كان المجاهد ''بوسعد'' الذي كان يشغل ''حلواجي'' يصنع الحلوى بالبليدة، هو من ذكر اسمه تحت سياط التعذيب، حيث ذكر سيد احمد بن علي أن بوسعد أقر أن سيد احمد بن علي كان يجلب له قفف بداخلها قنابل يدوية كانت تبعث إلى المجاهدين، ولكن في الأخير اعترف سيد ''بوسعد'' أن قساوة التعذيب هي من أنطقته بأمور لا أساس لها من الصحة، ومكث في المركز وداخل الخيمة لمدة ثلاثة أشهر، حيث كان سيد احمد بن علي طيلة مدة الاعتقال لا يزيد فراشه عن أعلاف الحيوانات· بعدها تم نقله إلى مركز العناية المشددة ببواسماعيل ومكث هناك 11 شهرا، رفقة العديد من المجاهدين، يذكر من بينهم حميد قيراب، مناصر محمد، وقضى سيد أحمد بن علي ما يقارب السنة في مركز العناية المشددة ببواسماعيل بدون أي تهمة، وبعد قضائه لمدة السجن، تم الافراج عنه، ولكن بقي تحت المراقبة القضائية المشددة، حيث يتم الإمضاء في كل صبيحة، وفي كل ظهيرة من كل يوم· يقول سيد احمد بن علي أنه عانى كثيرا وهو تحت الرقابة القضائية المشددة، خاصة وانه كان يمارس مهنة التجارة، تفرض عليه التنقل إلى خارج البليدة للتسوق وقضاء بعض الحاجيات، ويذكر سيد أحمد بن علي انه كان حينما يتنقل خارج البليدة يتم ملأ وثيقة للإجابة على العديد من الأسئلة، كاسم المنطقة التي يسافر إليها، واسم الشخص الذي يلتقيه، ومدة مكوثه في سفريته، وسبب السفر، ومن يرافقه في ذلك· يقول سيد أحمد بن علي أنه حتى عندما يحضر عنده الضيوف لا بد من تدوين عدد الضيوف الذين حضروا إلى بيته، والمنطقة التي جاؤوا منها، وكذا مدة إقامتهم، وبقي سيد احمد بن علي على هذا المنوال لمدة ثلاثة أشهر كاملة، قبل أن يتم الافراج عنه ورفع الرقابة القضائية عنه· ضرورة تنظيم الولاية الرابعة؟ كان ذلك في سنة 9591، في وقت عرفت فيه الثورة التحريرية خناقا كبيرا من طرف الجيش الفرنسي، الذي مارس سياسة الأرض المحروقة للقضاء على الثورة، بعد أسبوع فقط من الإفراج عنه اتصل به، أحد المجاهدين بالبليدة اسمه ''حسين البوشي''، لا يزال اليوم على قيد الحياة، واخبره انه عليه ان يحضر إلى بيته لغابة الدويرات، وحدد الموعد، وكان كذلك، حيث حضر سيد احمد بن علي، والتحق بهم المحافظ ''سي خالد'' والنقيب ''خير الدين'' كانا من بين قياديي الثورة بالبليدة، وكانت المهمة أن يتم إعادة تنظيم صفوف الثورة بعد الخناق الكبير الذي مارسه الجيش الفرنسي على المجاهدين والمسبلين، مما خلق بعض الفراغات في صفوف المجاهدين وفي التنظيم، وكان لزاما على الثورة ان تعيد تنظيم نفسها، وأوكلت المهمة في تنظيم الولاية الرابعة لسيد أحمد بن علي الذي خرج للتو من سجن شاق جدا ورفاقه· في البداية، طلب سيد احمد بن علي من قيادة الثورة أن تعفيه من هذه المهمة الثقيلة، وهو الذي لم يمض أسبوعا من خروجه من السجن، وهو لا يزال تحت رقابة أعين الإدارة الفرنسية، لكن القيادة ألحت عليه، لأن الوضعية التي كانت تمر بها الثورة كانت جد حرجة، وكان يتوجب إعادة تنظيم الولاية الرابعة في أسرع وقت ممكن، وبعدها قبل سيد احمد بن علي المهمة، وتمت برمجة لقاءات في بيته، للتخطيط للمرحلة المقبلة، وبدأ سيد احمد بن علي يستجمع صفوف الثورة، من خلال الاتصال برفاق الدرب الذين وتوظيف عناصر جديدة، وبعدها تم ربط الاتصال بالقائد ''محمد بونعامة''، حيث تم الالتقاء في كازمة في حوش مصطفى النعيمي، وهنا يؤكد سيد احمد بن علي أن وجود قائد بحجم محمد بونعامة في حوش في ضواحي مدينة البليدة دليل على أن الوضعية كانت جد حرجة بالجبال· بدأ سيد احمد بن علي يخطط كيف يتم تنظيم صفوف الولاية الرابعة، واتصل سيد احمد بن علي ببعض الذين اطلق سراحهم من السجون، يتذكر سيد احمد بن علي أنه اتصل بالمجاهد ''يحياوي'' كان من بين رفاقه الأوائل في بداية العمل المنظم في سنوات الأربعينيات، والذي عاد من منفاه بكيان، كما تم الاتصال ب''محفوظ القريق'' إضافة إلى محمد مقدم الذي كان محكوم عليه بالإعدام، يقول سيد احمد بن علي أن هؤلاء كانوا جد مسرورين بالاتصال، سيما وان لا أحد اتصل بهم منذ الإفراج عنهم سنة 8591· بدأت هذه الجماعة في تنظيم الولاية الرابعة، وكانت تلتقي في بيت المجاهد سي نعيمي تارة، وتارة في بيت سيد أحمد بن علي، وقد اقترح سي خالد أن يتم خياطة بذلات كلاسيكية للتمويه بها عند الخروج إلى المدينة، وكلف سيد احمد بن علي بالمهمة، وهذا الأخير اتصل ب ''سي محمد العربي الطايور'' وتم اخذ مقاسات المجموعة، وتم خياطة لهم بذلات انيقة، يتم الاستعانة بها في تنقلاتهم، وكانت بداية العمل أن يتم جس نبض المواطنين الذين انهكتهم سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها الجيش الفرنسي، وخلفت خوفا وذعرا في نفوس الجزائريين، ولما تيقنت المجموعة ان الجزائريين لا يزالون في صلة ولديهم رغبة في تدعيم الثورة، توسعت اتصالاتهم إلى عناصر أخرى· في هذا الوقت كانت قيادة الولاية الرابعة تبحث عن شخص ثقة يحمل رسالة إلى الحكومة المؤقتة بتونس، لإطلاعها بالوضع الذي آلت إليه الولاية الرابعة· ملاحظة: سيد أحمد بن علي مستعد للرد على كل من يرى عكس ما يقول