احتجاجات متواصلة وأمل بانفراج الأزمة قبل نهاية 2011 الوعود بالترحيل قائمة والسلطات المحلية تمدّ توصيلات الغاز! أعلن السكان القاطنون بالمزارع التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية بالعاصمة، استهجانهم للوضع الذي يعيشونه، في ظل افتقارهم لمختلف الظروف التي ينبغي أن تتاح لهم كحق طبيعي مشروع، وقد زاد من استيائهم عدم إدراجهم ضمن عملية الترحيل الجارية، التي أعلنت عنها ولاية الجزائر الأسبوعين الماضيين، حيث اعتبروا أنفسهم الأحق بالترحيل، وهو الأمر الذي دفعهم إلى رفع لافتات في مداخل الأحياء، المحاذية في أغلبها للطرقات السريعة والطرقات الفرعية تعبيرا عن رفضهم للبقاء، ونبدهم للحياة القاسية، هذه الأخيرة التي تعيشها عائلات قد تكون اعتادت الأمر، إلا أنها لم ترض يوما بالوضع الذي ربت فيه فلذات أكبادها، محاولة لفت انتباه السلطات المحلية إلى مطالبها المتكررة، بتسوية وضعية الأراضي التي تعيش فيها، أو ترحيلها إلى سكنات لائقة. أطلّت علينا الحاجة مليكة، التي قدمت إلى الحي بعد زواجها، وعمرها لا يتجاوز ال13سنة، بتجاعيد تعلوها بسمة باردة تعبر عن المعاناة التي قضتها منذ أربعينيات القرن الماضي، في غرفة ومطبخ مع عائلتها المكونة من 6 أفراد. مزرعة الحاج عثمان وحوش الحاج وحوش قيبو وحوش كامص وحوش بيبونس ورباش إبراهيم، التابعة لبلدية السحاولة، ومزرعة بوحجة علي ببلدية بئر توتة، ومزرعة قزال وماصون وميشال ربير وسرابيلا بطريق الدويرة، ومزرعة حوش كليمة وحوش بوبكر وحوش رفيلة ومزرعة روسو في بابا علي، ومزرعة الصغير محمد ومزرعة حي زوبيري وحي الخروب بالقشاطلة وحوش فيدال، وبراقي، هي أماكن زارتها »السياسي« قصد الإستطلاع على حالة قاطنيها، الذين لم يوفروا بدورهم جهدا لشرح معاناتهم التي دامت قرابة ال50 سنة، فضلنا أن ننقل لقرائنا أبرزها. الوعود بالترحيل شهر سبتمبر الجاري تتبخر.. عبرت العائلات بأسى عن استيائها نظرا لعدم إدراجها ضمن عملية الترحيل الحالية التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر، خاصة وأن بعض الولاة المنتدبون والمسؤولون المحليون، كانوا قد وعدوا بترحيلهم شهر سبتمبر الجاري، وهو الأمر الذي لم يتجسد، حسب السكان، الذين أكدوا أن قضاءهم لفصل شتاء آخر في هذه السكنات، المصنفة في الخانة الحمراء، خطر على حياتهم، حيث أكدت اللجان المتعاقبة أن البنايات القديمة مهدّدة بالانهيار في أية لحظة، بدليل امتلاك أغلب السكان لشهادة منكوب، منحت لهم عقب زلزال ماي 2003، نقلوا على إثرها للسكن في خيام في انتظار ترحيلهم إلى شاليهات، إلا انه وبعد مرور عامين كاملين، قرّرت السلطات المحلية أن تعيدهم إلى منازلهم، ذات الحالة الخطرة والتي لم تخضع للترميم كأبسط الاحتياطات، التي تحول دون وقوع الأسقف على رؤوسهم، هذه الأخيرة التي باتوا يسهرون على ترقيعها بأنفسهم تجنبا لقطرات المطر، وبرودة الجو، أو وقوعها من شدة الرياح، وفي هذا الصدد، يقول بلعاليا، إن مخازن الاستعمار باتت اليوم مساكنا لهم، والتي انتظروا التخلص منها لسنوات عديدة، حيث سمحت لهم الإجراءات المتخذة منذ 2003، بانتظار انطلاقة حياة جديدة بعيدة عن كافة أوجه الحرمان، إلا أن انتظارها هي الأخرى يقول العم بلعاليا، قد تخطى قدراتهم على الصبر. مخازن المستعمر.. مساكن اليوم ب»الحاج عثمان« أفاد (و. س. كمال)، ممثل مزرعة »الحاج عثمان«، بوجود 120 عائلة تقطن بالمزارع التي خلفها المستعمر، والتي حولت من حالتها الطبيعية كمخازن وإسطبلات للخيول، إلى منازل لجأت إليها بعض العائلات الجزائرية عقب الاستقلال، إلا أنها اليوم ونظرا لعدم استفادة الحي من أي برامج سكنية تذكر، فقد أصبحت لا تسع الكم الهائل من الأفراد، الذين يقطنون غرفا واحدة تم تعديلها بأموالهم الخاصة، لتحول إلى غرفة ومطبخ وحمام، فيما تقطن 5 عائلات كاملة مخزنا واحدا من مخازن المستعمر، تم تقسيمه بدوره إلى غرف، وأمام هذا الوضع، أوضح المواطنون أنهم بحاجة ماسة إلى الترحيل أو تسوية وضعية الأراضي التي يقطنونها، خاصة بعد صدور قرار من طرف السلطات الولائية بالعاصمة يفيد بمنع المواطنين من القيام بعمليات توسيع في المنازل التي يقطنونها، وأضاف كمال أن المزرعة استفادت من توصيلات الكهرباء منذ عامين فقط، فيما توقفت أشغال إنجاز قنوات الصرف الصحي دون إتمام ما عدده 30 منزلا، لتبقى العائلات القاطنة بها تعتمد على الطرق التقليدية في صرف المياه القذرة، الحاجة تومية، اصطحبت »السياسي« في جولة لترشدنا إلى منزل يحمل تاريخ تشييد الحي على جدرانه، وحسب المعلومات الموثقة فوق الجدار، فإن المزرعة تعود إلى سنة 1927. الاحتجاجات وتعليق اللافتات.. سيناريو متكرر كانت الاحتجاجات المتكررة التي خاضها قاطنو هذه المزارع، بكل من أحواش قيبو وحوش كامص وبيبونس، وغيرها، في تجمعات لأكثر من 500 شخص، غير مجدية، حيث كان يوم السبت من كل أسبوع موعدا يضربونه للاعتصام أمام مقر الدائرة أو بمحاذاة الطريق السريع الرابط بين العاصمة والبليدة، أين يتخذون مواقعهم ويرفعون لافتاتهم تنديدا بما أسموه »الحڤرة«، التهميش، الاقصاء" ومفردات عديدة لمعنى واحد، إنهم مواطنون يبحثون عن الاستقرار، والاستفادة من سكنات لائقة تقي أبناءهم على كبرهم المعاناة وتوفر لهم سبلا يتعلمون من خلالها، كيفية الحياة بعيدا عن بؤر الإجرام، والتسول. رحلة البحث عن الماء الشروب.. إلى متى؟ وبهذه المزارع، يفتقد المواطنون لتوصيلات الماء الشروب، حيث يقنعون بما يجود به عليهم الفلاحون المشتغلون بالأراضي المجاورة، فيما تغيب مصالح البلدية عن مراقبة المياه المخصصة للاستعمال، حسبهم، كما يضطر السكان في بعض الأحيان إلى التنقل خارج أحواشهم، للبحث عن قطرة ماء، تسد احتياجاتهم اليومية، في رحلة ذهاب وإياب، تتسبب لهم - حسبما أكدوه- بآلام حادة بالمفاصل. ..و»البوتان« رفيقهم الدائم ويبقى افتقار الحي للغاز الطبيعي أحد أهم المشاكل التي تواجههم في سياق حياتهم اليومية، حيث يضطرون عبر فصول السنة بحرارتها اللافحة وبردها القارس، للتنقل نحو أقرب محطة للغاز، من أجل جلب قوارير البوتان، الكفيلة بتجنيبهم برد الشتاء القارس، وتوفير احتياجاتهم اليومية من الطهي، في ظروف قاسية، تزيدها حالة طرقات الحوش صعوبة، نظرا للأوحال المنتشرة عبر مداخله، مما يضطر السكان إلى انتعال أحذية بلاستيكية تجعل تنقلاتهم أسهل، ناهيك عن تكاليفها التي تثقل كاهل العائلات البسيطة. انعدام النقل المدرسي يرهق التلاميذ وقد شكل الدخول المدرسي الجاري محور تفكير العائلات، خاصة ممن يملكون أطفالا مقبلين على خوض سنواتهم الأولى بمقاعد الدراسة، نظرا لانعدام النقل المدرسي بهذه المناطق، التي يعد التنقل منها إلى المدرسة مخاطرة كبيرة لا يتحمل عواقبها إلا الأولياء، هؤلاء الذين يضطرون إلى اصطحاب أبنائهم صباحا ومساء من وإلى المدرسة، التي تبعد عن هذه الأحواش بأزيد من الكيلومترين، مما يرهق الأطفال قبل بلوغهم الأقسام. »فيليو« وعبارة »خارج عن نطاق صلاحياتنا« ببئر توتة الوضع ذاته وقفنا عليه بمزرعة »بوحجة علي« الموسومة ب»فيليو« في بلدية بئر توتة، أين استقبلنا لخضر، الذي أكد أن المزرعة تأسست منذ سنة 1962، ليتم تقسيمها سنة 1988 إلى مجموعات، وعد خلالها السكان بتسوية وضعيتهم وتمكينهم من امتلاك عقود، إلا أنها العملية التي لم تتم، وأضاف لخضر أن زيارات لجنة الحي إلى مصالح البلدية أو الدائرة باتت غير مجدية، والتي تواجههم في كل مرة بعبارة »ذلك خارج نطاق صلاحياتي«، حيث يؤكد كل طرف أن المشكلة لا تعني مكتبه، بما أنه تم تسجيل الحي ضمن البنايات القصديرية، وأشار لخضر إلى أن السكان اليوم وبعد تلاشي خبر ترحيلهم إلى سكنات جديدة بمنطقة بابا علي، أصبحوا منقسمين حول رأيين، فمنهم من يفضل الترحيل إلى شقق لائقة، ومن المواطنين من يتمسك بأرضه ويطرح خيار تسوية الوضعية، الذي سيمكنه من بناء سكن مناسب لعائلته. وحسبما وقفنا عليه بالحوش، وفي بيوت متصدعة، عاجزة عن توفير الحماية لقاطنيها، تسكن حوالي 6 عائلات تنتمي لأسرة واحدة مركبة في مخزن استعماري تم تقسيمه إلى غرفتين ومطبخ، في حالة بائسة يضطر فيها بعضهم إلى المبيت خارجا أو في القبو، وضمن تبعات وضعيتهم، يضطر أطفالهم إلى التوجه نحو مدرسة حي النخيل، وقطع مسافة 2 كلم عبر ورشات العمل بالطريق السريع، مما تسبب -حسبهم- في حوادث عديدة راح ضحيتها أبناؤهم. ويقول العم سعيد، الذي استقر بالحي منذ أن كان سنه لا يتعدى ال27، وبالضبط سنة 1955، أن أمله في العيش بشقة لائقة قد تبخر، مع كبر سنه، الذي اعتاد معه على صعوبة الظروف، وقساوة الحياة، لتبقى تطلعاته منصبة حول إمكانية أن يحظى أبناؤه بحياة طبيعية، تتوفر على مختلف الإمكانيات على غرار الماء والغاز والكهرباء، وتبقى متطلبات العائلة، بالنسبة لهم عملا ممتعا حين ذاك، رغم أن ابنه البكر من مواليد 1957، مما يجعل تطلعات العم سعيد تناسب أحفاده أيضا. سكنات 1915 يشرع في مدّها بالغاز الطبيعي! تساءل سكان الحي عن سبب الشروع في تزويد حيهم بتوصيلات غاز البوتان، والتي تزامنت مع وعود السلطات المحلية بترحيلهم، في وقت يفتقدون فيه لتوصيلات الماء الذي يسهرون على جلبه من الخزان المتواجد بحوش الروسي المجاور لهم، ويعانون من ضعف التيار الكهربائي، في بيوت هشة يعود تاريخ تشييدها إلى سنة 1915، والتي استحدث بها السكان عدة تعديلات أو بالأحرى تقسيمات، حسب تزايد عدد أفراد الأسرة، مما جعلها كالجحور، لا تستطيع، نظرا لضيقها، أن تسع قاطنيها فما بالك ب»الضيوف«. »تنسيقية لجان أحياء السحاولة« شكلت أحواش بلدية السحاولة، في ظل بحثها عن مخرج لوضعها الراهن، ما أطلقت عليه تسمية »تنسيقية لجان أحياء السحاولة«، والتي تهتم ببحث انشغالات المواطنين مع المسؤولين المحليين بالمنطقة، وفي زيارة ل»السياسي« إلى مزرعة حوش الحاج، استقبلنا نور الدين ممثل 150 عائلة قطنت بالمنطقة منذ 1962، والذي نقل حجم استيائها، جراء اضطرارها إلى تقاسم غرفتين مع أفرادها البالغين متوسط 7 أفراد لكل عائلة، ولم يتح له المجال للتعمق في السرد، حيث باشرت الحاجة محجوبة الحديث عنه، مؤكدة أنها قدمت للحي وسنها 18 سنة بعد وفاة والدها شهيدا خلال ثورة التحرير المباركة، لتتزوج في ذات السن وتنجب 3 أولاد، اختارت أن لا تلد ثانية، نظرا لضيق السكن، ومعاناتها أثناء الولادة آنذاك، لتبقى على حالها اليوم خاصة وأن ابنيها لم يتزوجا لعدم حصولهما على سكن يأويهما، فيما كان من حظ الفتاة أن تزوجت وابتعدت عن الحي. ليضيف عمي الجيلالي بحرقة كبيرة أنه انضم إلى الحي منذ سنة 1957، حيث كان يعمل بذات المزرعة لدى المستعمر، تحمل خلالها مختلف أشكال الذل، إلى غاية الاستقلال، أين استطاع تكوين عائلة سنة 1963، أمضى السنوات التي بعدها في منزل هش، تتسرب عبر تصدعاته قطرات المطر خلال فصل الشتاء، لتشبع الغرف بالرطوبة، مما عرض أبناءه لأمراض عديدة يتردّدون على إثرها اليوم إلى العاصمة، في مسيرة شاقة للعلاج، وطالب العم الجيلالي السلطات المحلية بضرورة السماح للمواطنين بذات المزارع بترميم بيوتهم أو إعادة بنائها، لتشكل حيا نظيفا راقيا، بما أن وقت الترحيل غير واضح المعالم. وقال الجد أحمد، صاحب ال87 سنة، الذي ولد بالحي سنة 1922، أن اليأس تمكن منه وغزا عروقه، مما جعله اليوم غير قادر إلا على الجلوس وسط الحوش، بجوار مسكنه المصنف ضمن الخانة البرتقالية، وتجاذب أطراف الحديث مع أقرانه حول أزمة السكن، في محاولة يشفي بها هؤلاء غليلهم وغضبهم، أو يجدّدون بها آمالهم في الانتقال إلى حياة أفضل قبل المثوى الأخير، مضيفا أن اللجان المتعاقبة على الحي منذ 1986 لم تأت بأي نتيجة تذكر. .. ومعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة مضاعفة إذا كانت هذه حالة الأصحاء، فما بالك بحالة ذوي الاحتياجات الخاصة، على غرار الأب (ب. س. محمد)، الذي سكن الحي وعمره 16 سنة، تعرض بعدها لإعاقة حركية بنسبة 100 بالمائة، لازمته لمدة 40 سنة، كان خلالها أبا وصيا على 3 أبناء، قام بتربيتهم في غرفة واحدة ومطبخ، وتحمل مع زوجته التي كانت سنده الوحيد صعوبة الظروف وغياب الحيلة في ظل الحاجة لتوفير الماء وغاز البوتان، وتدهور الطرقات بالحي، التي جعلت من تنقله بكرسيه المتحرك دربا من دروب المغامرة، وتحديا صعبا زاده الشعور بالحاجة مرارة. وقد أفاد جرود رابح، رئيس بلدية بئر توتة في حديثه ل»السياسي«، أن الأحواش والمزارع المتواجدة ضمن تراب البلدية مدرجة في إطار برنامج ترحيل قاطني البيوت القصديرية والهشة، التي تم إحصاؤها سنة 2007، مؤكدا أن تحديد مصيرها بالترحيل أو عدمه من اختصاص مؤسسات الدولة المعنية والولاية، فيما اتفق معه في ذات السياق رئيس بلدية السحاولة، مؤكدا أن السلطات المحلية لن تدخر جهدا في السعي إلى تحقيق احتياجات قاطني الأحواش والمزارع إلى حين ترحيلهم. هي المشاكل الكثيرة التي رصدتها »السياسي« خلال جولتها الاستطلاعية، التي لا تغطي بالضرورة كافة المزارع بالعاصمة، إلا أنها توحي بضرورة المباشرة بإجراء حوارات مكثفة ودقيقة من طرف المسؤولين المحليين في هذه المناطق، للتعرف على احتياجات المواطنين فيها، ورصد نتائج هذه الحوارات والتعامل بجدية معها وإيجاد وسائل تحقيق ما هو ممكن منها، وسط أحواش تفتقر لمتطلبات الحياة العصرية، التي يفترض أن تعتمد على تطوير البرامج السكنية والتعليمية والصحية وكافة أوجه النشاطات الإنسانية بالدرجة الأولى، وكذا توفير الحماية بانتشالهم من السكنات المتصدعة.