الفحص الطبي قبل الزواج له أبعاد متباينة، فقد تكون سببا في نجاح العلاقة الزوجية وتقويتها، ويمكن أن تؤدي دورا مؤثرا في اتخاذ القرار الصعب بالانفصال، وهي أحد سبل الرعاية الصحية والوقائية الذي قد أهملها كثير من الناس، إما لجهلهم به أو تجاهلهم له، ولهذا الإجراء أهمية بالغة في تجنب كثير من الأمراض، خاصة ذات الطابع الوراثي والعائلي، والتي يكثر انتشارها في مجتمعاتنا، وقد يعزى ذلك لارتفاع نسبة الزواج بين الأقارب وزيادة احتمال التقاء الجينات المسببة للمرض الوراثي والمعدي، من هنا زاد التشديد على المقبلين على الزواج بضرورة إجراء كشف طبي إجباري للتأكد من خلو الزوجين من أي أسباب صحية تعرض أطفالهما للتشوهات. العقلية التقليدية للزواج لازالت سائدة مهما كانت تلك النتائج إلا أن الحقيقة التي لا تقبل الجدال أن الفحص الطبي قبل الزواج أصبح أمراً مهما لتفادي حدوث مشاكل مستقبلية تؤثر بشدة علي العلاقة الزوجية، والحقيقة الأكثر تأكيدا أن المجتمع مازال يرفض وبشدة تلك الحقيقة، ويعتبره عيباً ومجالاً لا يجب الخوض فيه أو التلميح إليه، حيث أكد العديد من المقبلين على الزواج الذي التقت بهم «السياسي» على عدم الاهتمام بأمر الفحوصات الطبية باعتبارهم يتمتعون بصحة جيدة ولا داعي لهذه التعطيلات، بحجة أن الزواج سابقا لم يكن يعتمد على هذه التفاصيل وأن أبنائهم لو يصيبوا بأي أمراض، وهو رأي الكثير من الأشخاص الذين صادفناهم وسألناهم عن هذا الإجراء، حيث أكد أحد الشباب أنه لن يعمل بنتيجة هذا الفحص، لان كل شيء هو قضاء وقدر مضيفا أن الفتاة تكون أكثر تضررا لو جاءت نتيجة الفحص سلبية، لأن عدم إكمال الزواج يعني عدم تقدم شاب آخر لها، على اعتبار أن الآخرين قد يفهمون ذلك على أن حالتها الصحية لا تسمح لها بالزواج، وقد يتسبب ذلك في عنوستها. الفحص الطبي ضروري من أجل سلامة الأجيال أكدت الطبيبة العامة «ملاك س» على ضرورة إجراء الفحص الطبي ماقبل الزواج من أجل التأكد من صحة المقبلين عليه أم لا وعلى صحة الأبناء والجيل الصاعد ثانيا، حيث أشارت إلى أهم الأمراض الناتجة عن عدم الفحص في حالة زواج الأقارب، خاصة حينما تكون زمرة الدم متقاربة أو تحمل أمراض وراثية بالدم، فإذا كانت نتائج الفحص لا تتلائم مع بعضها في هذه الحالة من الأفضل أن يبطل الزواج، لأنه غالبا ما يؤدي إلى ولادة أطفال بإعاقات وتشوهات خلقية، أو تأخر في المهارات وتأخر عقلي، بالإضافة إلى إصابة الأبناء غالبا بفقر الدم أو بمرض شلل المفاصل، وفي حالة التأكد من إصابة أحد الطرفين بمرض معدي كالسيدا مثلا هنا يكون منع إجراء عقد الزواج إلا في حالة قبول المعني بالأمر، لأن انتقال الفيروس يكون من الأم إلى الطفل وبالضرورة يلد حاملا معه هذا الفيروس، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الوراثية مثل السكري أو الضغط في حال كان الوالدين يحملان عوامل وراثية أو جينات غير سوية، فعند انتقال هذين العاملين الوراثيين غير سويين من كلا الوالدين إلى أطفالهما من المحتمل أن يصاب هؤلاء الأطفال بمرض وراثي وهذا الأمر لا يؤول الى أبطال الزواج. أحمد تريكي: من الضروري تكثيف ثقافة الفحص الطبي بالمناطق النائية أكد «أحمد تريكي» أستاذ مختص في علم الاجتماع، أن الفحص الطبي هو ضروري وقانوني من أجل سلامة كلا من الأبوين والأبناء، وأن درجة الوعي بأهمية الفحص الطبي تختلف حسب المناطق، وهي مرتبطة بالمواقف الإنسانية العادات والتقاليد، وأسلوب الحياة أي مرتبطة بالبنية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للفرد، وسواء كانوا مقتنعين بأهمية هذه الفحوص أو متشككين حيث أن الثقافة السائدة في المجتمع لها اليد العليا للتحكم في جانب لا يمكن إهماله في حياتهم وهي قبول القيام بتلك الفحوصات أو رفضها. مضيفا أن أهم الأسباب المؤدية إلى رفض الفحص الطبي ما قبل الزواج هو التخوف الشديد من الإصابة بمرض أو حمل لفيروس ما، خاصة بالنسبة للشباب الذي كان يتعاطى المخدرات مثلا أو له علاقات غير شرعية سابقا، فبمجرد الفحص والتأكد ما إذا كان الشخص حاملا لمرض ما يصبح مرفوض من طرف المجتمع، خاصة بالنسبة للمناطق الصحراوية فهناك انتشار كبير لحاملي فيروس الإيدز نتيجة الاحتكاك الكبير بالأجانب والأفارقة، مضيفا أن رفض الفحص الطبي مرتبط أيضا بدرجة نسبة الأمية خاصة بالنسبة للإناث في تلك المناطق، كما أكد «تريكي» أنه لا يجب التمسك بالعادات التقليدية وهو تطبيق نصف الدين وكفى بدون أي كشف، بل يجب التخلص من الكلام والعقلية الأمية، وأقترح ضرورة تكثيف الوعي من أجل القضاء على الجهل الصحي وتقبل العلاج، مؤكدا أنه مسؤولية كل من الأسرة، المدرسة، المسجد، ابتداء من الأطفال حتى يكون التفكير سليم ولا يصل إلى مرحلة خطيرة، ومن هذا المنظور فإن التوعية الصحية بهذا الشأن لا بد أن تتحول إلى إلزام أي رجل وفتاة يعتزمان الزواج، وهذا بالتأكيد يأتي ضمن مسؤوليات وزارة الصحة التي لا بد أن تقوم بدورها في توعية المجتمع إلى جانب الإعلام والجهات المتخصصة الأخرى. الشيخ يوسف بن حليمة: لابد من التخلص من العادات البالية التي لا ترتبط بالشرع أكد الشيخ «يوسف بن حليمة» أن الفحص الطبي يوافق الشريعة ولا يخالفها وهو مستحب من أجل خلق الثقة بين الطرفين، وعلى كل طرف أن يتعرف على حالته الصحية بشكل موثق، من أجل سلامة الأبناء وإنجاب جيل يتمتع بصحة جيدة و تفاديا للأمراض، وحتى ينتج عن هذا العقد آثاره الحميدة الطيبة في المجتمع، وهذا استنادا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام ..«إغتربوا ولا تضووا ..» والاغتراب هو الزواج بمن تبعدك في القرابة أي الزواج من المرأة البعيدة عنه، لأنه يمكن أن يتوافق الزوجين من ناحية الكروموزومات التي تؤدي أحيانا إلى إنجاب أطفال يحملون إعاقات أو تشوهات، بالإضافة إلى إنتقال بعض الأمراض الوراثية من أحد الأبوين إلى الأبناء، ما تؤدى إلى مصاعب مستقبلية في الحياة وأضاف الشيخ «بن حليمة» أن الرافض للقيام بهذا الفحص هو من لديه شكوك أو خوف من مرض ما، فلا يجب أن يبنى الزواج على الخديعة بل على الطرف المريض أن يبدأ بالعلاج في وقت مبكر، مشددا على وجوب التخلص من التقاليد البالية التي لا ترتبط لا بالشرع ولا بالدين والقيام بهذا الفحص من أجل سلامة الأبوين ونشأة جيل بصحة جيدة.