بدأ حجّاجنا الميامين بمغادرة أرض الوطن منذ أيام، ولتوديع الحاج في بلادنا خاصية مختلفة من منطقة لأخرى، إذ يعتبر ركن الحج أمرا مقدسا بالنسبة للجزائريين، وعليه، خصّت عديد الأسر حجّاجها باحتفالات توديع مميزة وخاصة وتختلف هذه الاحتفالات عبر ربوع الوطن ولكل واحد عاداته وتقاليده حسب استطاعته ومقدوره، وفي هذا السياق، رصدت السياسي في جولة قامت بها إلى عدد من البيوت الجزائرية، كيف يتم توديع الحجّاج قبل سفرهم. ولائم وعزائم لتوديع الحجّاج انطلقت أولى الرحلات الخاصة بالحجّاج يوم السابع من الشهر الجاري، لتمتد الى غاية الثامن والعشرين من نفس الشهر، لتنطلق معها الاحتفالات لدى العديد من عائلات الحاج وذلك عن طريق إقامة الولائم والعزائم كل هذا وسط ظروف وطقوس مميزة من أجل القيام بتوديعهم وكذلك من أجل ان يقوم الحجّاج بطلب الصفح والسماح من الأهل والمعارف. ويعطي مجتمعنا أهمية بالغة للحج وللحجّاج يظهر من خلال طريقة الاحتفاء بهم، فمهدي الذي سيقوم والده هذه السنة بأداء فريضة الحج للمرة الثانية في حياته بعد الأولى التي كانت قبل عشر سنوات، يقول ان هذه المناسبة تعتبر حدثا عظيما يجب ان يكون الاحتفال به مميزا، حيث اكد لنا انه سيقوم بذبح خروفين وجمع الأقارب والأحباب لمأدبة عشاء على شرف والده واحتفالا به بعدما يسر الله له الحج للمرة الثانية، وأضاف مهدي انه سيعاود الوليمة عند رجوع والده من الحج لتهنئته على تأدية مناسك الحج ورجوعه بالسلامة، إن شاء الله، ولم تختلف طريقة الاحتفال كثيرا عند صالح الذي يقول انه وزوجته قد كتب الله لهما الحج هذه السنة بعد خمس سنوات متتالية وهما يقومان بإيداع ملفها من أجل التمكّن من أداء فريضة الحج، ليتوج الله صبرها هذه السنة بعد ان خرج اسمهما في القرعة، ليضيف صالح ان موعد سفرهما سيكون في الأسبوع المقبل ما جعله يقرر إقامة وليمة يجمع فيها كل معارفه ومعارف زوجته وذلك بدعوتهم على العشاء والذي سيكون طبق الكسكسي باللحم هو سيد المائدة باعتباره طبق المناسبات السعيدة بالجزائر، وهذا تعبيرا عن فرحته بالذهاب للحج ومن أجل ان يطلب وزوجته السماح من الجميع وخاصة ممن يحسان انهما قد اخطآ وقصرا في حقهم من أجل ان يذهبا الى بيت الله مطمئني القلب، في حين ان محمد المقيم بولاية خميس مليانة قرر القيام بكراء منزل بالعاصمة مع قاعة للحفلات من أجل ان يقوم بإجراء حفلة عشاء لأسرته الكبيرة عشية سفره للبقاع المقدسة، خاصة وان أغلب أولاده وبناته المتزوجين مقيمين بالعاصمة حيث يقول انه فضّل العاصمة من أجل ان تكون زوجته وأبناءه قربين منه يوم سفره، ليتمكّنوا من توديعه مباشرة في المطار. زغاريد ومواكب أعراس لاستقبال الحاج وتختلف طريقة التعبير عن الفرحة بذهاب الحجّاج الى بيت الله من شخص لآخر، خاصة إن كان الحاج هو احد الوالدين او كلاهما، حيث تقول أمينة ان فرحتها كانت لا توصف حين رافقت والديها الى المطار والتي تقول انها وخلال مسافة الطريق من البيت الى المطار لم تكف عن إطلاق الزغاريد هي وأختها حيث ان والدتها لطالما انتظرت هذه اللحظة بشغف كبير، فقد كانت فرحتها لا توصف وهي ذاهبة الى الحج ما جعل أبناءها يشاركونها فرحتها ويعبّروا لها عن مدى سعادتهم بعدما حقّق الله لها حلم حياتها. أما خالد، فيقول ان والدته ذهبت للمطار في موكب يشبه مواكب الأعراس حيث قام هو وعدد من رفقاه وأقربائه مع سياراتهم التي صفت أمام باب المنزل تنتظر أمه لتخرج بعدها وهي بثياب بيضاء وكأنها عروس، وطوال مسافة الطريق بين بلدية المدنية والمطار، لم تتوقف النسوة عن إطلاق الزغاريد ولم تتوقف بدورها السيارات عن إطلاق الأهازيج حتى ان المار علينا يخول له انه موكب عرس ، وتختلف عادات التوديع من منطقة الى اخرى وهناك من يمتنع عن إقامة الوليمة ويؤجلها حتى عودته الميمونة، بإذن الله. ..وآخرون يفضّلون التوجّه بأنفسهم لطلب الصفح في حين ان البعض من الحجّاج ممن منعتهم ظروفهم المادية الصعبة من إقامة ولائم وعزائم لمعارفهم ولتخفيف المصاريف وبدلا من دعوة الأشخاص إليهم، قرروا ان يتجهوا بأنفسهم الى كل من يعرفونه من أجل طلب الصفح والسماح قبل مغادرتهم أرض الوطن والتوجّه للقيام بمناسك الحج، وفي هذا الصدد، تقول حورية انها ذهبت بنفسها الى أقاربها وجيرانها ليسامحوها إن كانت قد ظلمتم يوما ما، وهو نفس الحال بالنسبة لزينب، البالغة من العمر 70 سنة، والتي تقول انها جمعت المال المخصص لحجها من أولادها الأربعة بعدما قرروا جميعهم المساهمة وجمع المبلغ المطلوب من أجل قيامها بفريضة الحج، لتضيف انه لا يمكنها القيام بما يفعله أغلبية الحجاج والذين يقومون بدعوة أقاربهم على العشاء، حيث تقول انها قامت بجولة مارطونية على جميع أقاربها وجيرانها لتطلب منهم الصفح بدل ان تعزمهم لمنزلها وتصرف مبالغ مالية كبيرة هي في غنى عنها. طلب السماح واجب على الحاج قبل سفره وقد أكد لنا الإمام يوسف بن حليمة، أنه من شروط الحج او من الأمور التي يجب على الحاج القيام بها قبل توجهه الى بيت الله، هي ان يتوب الى الله، عزّ وجل، ويطلب الصفح والغفران من الله ومن الأشخاص الذين ظلمهم ويصفي جميع حسباته الدنيوية معهم، فإن كان له دين او حقوق مالية مترتبة عليه يجب عليه دفعها، كما يقول الإمام بن حليمة فيما يخص الولائم التي يعمد الكثير من الحجّاج على إقامتها قبل وبعد عودتهم من الحج، ان إقامة الولائم والعزائم من السنن الحميدة والمشروعة وغير المنافية للدين الإسلامي، والتي تعد مناسبة جميلة بالنسبة للحاج الذي يضرب عصفورين بحجر واحد، فزيادة على لم شمل الأهل والأقارب والأحباب، يستغل الفرصة أيضا لطلب السماح منهم والذي يعتبر ضروريا قبل القيام بفريضة الحج.