- الجيش الوطني الشعبي. مبادئ ثابتة لا حياد عنها إن تاريخ بلادكم الجزائر، وبلا فخر، هو إنجاز وطني مشهود له بالعظمة وبالهيبة والجلال ورفعة الشأن، فهو ليس مجموعة متلاحقة من الأحداث العادية، بل هو صنيع معجز ونادر الحدوث ، بهذه العبارات لخص الفريق أحمد ڤايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، حجم وقوة الأمانة التي يحملها سليل جيش التحرير، حفيد الأبطال الذين ما فتأ يؤكد قوته على أرض الميدان وبالنتائج والبراهين، وكما قهر رجال الجزائر بالأمس أطغى أنواع الاستعمار الذي عرفته البشرية في عصرنا الحالي، حافظ أبطال الجيش الوطني الشعبي على نفس العزيمة وكللوها باحترافية وتميز أسكتوا من خلالها أفواه أعداء الوطن والمتربصين به، وأعطى سليل جيش التحرير الوطني للعالم درسا في محاربة الإرهاب وتحول لتجربة يقتدى بها، كيف لا وهو مفخرة للوطن بكل ما يزخم به تاريخه المشرف. جيش التحرير الوطني.. خروج من رحم المعاناة يتبوأ اليوم الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير، الصفوف الأولى في التصنيفات الدولية لأحسن الجيوش في العالم، حيث تعيش فلول بقايا الجماعات الإرهابية، بفضل حنكة ويقظة واحترافية افراد الجيش الوطني الشعبي ومعه كل الاسلاك الأمنية، مراحلها الأخيرة، في وقت تقف فيه أكبر جيوش العالم عاجزة أمام هذه الجماعات الدموية، وتستنجد بالخبرة الجزائرية للتمكن من الوقوف بوجهها، ما تقدمه حاليا قواتنا المسلحة مرآة تعكس ميزة ينفرد بها تأسيس جيش التحرير الوطني عن كل جيوش العالم، ألا وهي خروجه من رحم المعاناة التي ألمّت بالشعب الجزائري جراء الاستعمار الفرنسي الغاشم، بعناصر مؤمنة بالكفاح المسلح، وبأقل الإمكانيات الحربية صنع أبناء الجزائر الفارق أمام أقوى جيوش العالم في ذلك الوقت. مفجرو الثورة فهموا منذ البداية أن السر الوحيد الذي يمكن أن ينجح عمليات جيش التحرير الوطني الذراع العسكري لجبهة التحرير الوطني ضد الجيش الفرنسي هو الزخم الشعبي وحب افتكاك الحرية ووقف المعاناة الاستعمارية، لأن إنشاء جيش نظامي كلاسيكي منذ البداية كان غاية في الصعوبة، وهو ما يترجم على الواقع عندما نعلم أن جيش التحرير الوطني، وقرر قيادي الثورة تشكيل مجموعات صغيرة قادرة على خوض حرب عصابات. هكذا تحولت ثورة نوفمبر إلى مرجع لدول العالم وتشكل الجيش الوطني الشعبي بميلاد جبهة التحرير الوطني في اجتماع مجموعة 22 في جوان 1954، ليكون اليد التي أطلقت بها أول رصاصة لتحرير الجزائر في الفاتح نوفمبر 54، وجاء صمود جيش التحرير الوطني وكان السند الشعبي المتعاظم الذي لقيه جيش التحرير الوطني، وازدياد عدد المنخرطين في صفوفه منذ بدايته بعد تبني مفجّري الثورة خيار الكفاح المسلح إيمانا بالثورة ودفاعا عن الوطن، ويتمثل التنظيم العسكري لجيش التحرير الوطني في نصف المجموعة، المجموعة، الفصيلة، وعدة أقسام منها قسم المتفجرات، قسم الإشارة، قسم المكلف بالمخابئ ووضعت المنظمة برنامجا تدريبيا عسكريا وذلك فيما يخص استخدام المتفجرات والأسلحة وتكتيك العصابات وفن الكمائن والإغارة. هذه هي أولى مهام الجيش الوطني الشعبي باشر سليل جيش التحرير بعد الاستقلال تحدٍّ جديد ألا وهو بناء الوطن، وذلك بسد شغور المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، وتطهير الحدود الشرقية والغربية من الألغام الممتدة على خطي شال وموريس وإزالة آثار الحرب المدمّرة، وبناء مرافق الخدمات وتقريبها من المواطنين لفك العزلة عنهم، رسم الحدود مع الدول المجاورة وتأمين سلامتها، وبالموازاة مع هذه المهمة، لم يتوان الجيش الوطني الشعبي في الاهتمام بالتكوين العسكري وتدعيم قدراته القتالية، فلم تمض السنة الأولى على الاستقلال، حتى ظهرت إلى الوجود قيادة الدرك الوطني في أوت 1962 ومصلحة الإشارة في 15 سبتمبر 1962، كما عين وزير الدفاع في 27 سبتمبر 1962، وفي أكتوبر 1962، وصلت إلى الجزائر وحدة صغيرة من الطائرات العمودية، كما وصلت في نفس الشهر، مجموعة من الطائرات المقاتلة، وفي هذا الإطار، شرع في إنشاء هياكل التكوين والتدريب وإرسال البعثات إلى الدول الشقيقة والصديقة، لتتخرج من كبريات المدارس والمعاهد في مختلف التخصصات، مشكّلة بذلك أولى الطلائع التي أطرت الجيش الوطني الشعبي وطورته تنظيما وتسليحا ولما ضبط إطار التكوين، وبدأت المدارس تظهر إلى الوجود كمدرسة أشبال الثورة في ماي 1963 والكلية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال في جوان 1963، واهتمت قيادة الجيش الوطني الشعبي منذ البداية بالجانب التكويني حيث تم إنشاء هياكل التكوين الأخرى في مختلف الأسلحة بما يستجيب ومتطلبات الجيوش الحديثة والتقنيات العسكرية المعاصرة والتزويد بالأسلحة والتجهيزات المتطورة. ومع أن الجيش الوطني الشعبي كان ينتظره الكثير داخليا، غير انه لم يتوان في نصرة العربية بعد نكسة 5 جوان 1967، إثر العدوان الإسرائيلي على مصر، وفي حرب اكتوبر 1973، وبالرغم من طابع السرية المفاجأة التي اتسمت بهما حرب 6 أكتوبر 1973 ضد إسرائيل على الجبهتين المصرية والسورية، إلا أن هذا لم يمنع الجزائر من نصرة الأشقاء في مصر وسوريا حيث احتلت المرتبة الثانية بعد العراق من حيث الدعم العسكري الذي قدّم لهذه الحرب. مبادئ ثابتة لا حياد عنها إن الجيش لعب دورا كبيرا في عرض مسار التشييد وإعادة البناء الوطني في فترة الستينيات، إقامة مشاريع كبرى، وكان من الطبيعي أن يساهم الجيش في هذا المسار بصفته القوة الوحيدة المنظمة، آنذاك، حيث خوّلت المادة الثامنة من دستور 1963 صلاحيات اجتماعية وسياسية واقتصادية، واعتبرت أن الجيش، وطني وشعبي، في خدمة الشعب والجمهورية ويشارك في النشاطات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية في إطار الحزب، حيث نصت المادة 82 على تتمثل المهمة الدائمة للجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني ودرع الثورة، في المحافظة على استقلال الوطن وسيادته والقيام بتأمين الدفاع عن الوحدة الترابية ومياهها الإقليمية وجرفها القاري ومنطقتها الاقتصادية الخاصة بها ، أما المادة 83، فنصت على أنّ العنصر الشعبي عامل حاسم في الدفاع الوطني ، الجيش الوطني الشعبي هو الجهاز الدائم الذي يتمحور حوله الدفاع الوطني ودعمه . وهذه هي المبادئ الاساسية لسياسة الدفاع الوطني التي لم يتراجع عنها والتي تتضمن سلامة التراب الوطني وعدم المساس بحدوده الثابتة وحرية الأمة في صياغة اختياراتها، كما تحدّدت أيضا على أساس قدراتها الاقتصادية الوطنية والمتطلبات المرتبطة بموقعها الجغرافي. ولقد كانت حصيلة الخبرات التي تجمّعت أثناء الشدائد مرجعا عكس عبقرية قواتنا المسلحة التي اضطلعت بواجب التصدي لكل الأخطار والاعتداءات التي من شأنها المساس بأمن البلاد وسلامة التراب الوطني. قوات الجيش تسقط مخططات أعداء الوطن باحترافية إن ما قام ويقوم به الجيش الوطني الشعبي منذ التسعينيات بطولة حقيقية تنم عن قوة احترافية ومتانة تكوينية بالغة الدقة، حيث يقف بكل حزم في وجه الإرهاب الغاشم والمؤامرات التي حيكت وتحاك ضد البلاد في الداخل والخارج، إلى أن أوصل الجماعات الإرهابية إلى مرحلة لفظ آخر أنفاسها، وبعد عودة الأمن والاستقرار للوطن بالداخل، ظهر خلال السنوات الأخيرة الإنفلات الأمني بدول جوار وكل المنطقة وهو ما يعد ثان أكبر تحد لقوات الجيش، فبين دحر تنامي نشاط بارونات المخدرات بجوار البلد رقم واحد في إنتاج الكيف المعالج في العالم، وبين انفلات أمني في كل من ليبيا وتونس والنيجر ومالي، تولد عنه سهولة التنقل غير الشرعي لترسانة أسلحة ضخمة من ليبيا، وظهور جماعات إرهابية نشطة بكل من تونس والنيجر، كاد أن يؤدي إلى كارثة لولا حنكة وبراعة قوات الجيش الوطني الشعبي في تيڤنتورين، وبعدها منع عمليات التسلل والدخول لأرض الوطن، وأيضا حرب مالي التي حولت شريط الحدود معها إلى مصدر لأخطار كبيرة، أمام كل هذا، يثبت الجيش الوطني الشعبي أنه يستحق، بجدارة، لقب أول قوة عسكرية في منطقة شمال إفريقيا والساحل، بعد أن تحولت الجماعات الإرهابية إلى بقايا تعاني من نقص فادح في المؤونة والتموين وعجزت عن تنفيذ عمليات إرهابية ذات صدى بسبب الخناق المفروض عليها، وعمليات التمشيط الواسعة التي ما فتئت قوات الجيش الشعبي الوطني تواصلها، والتي عرفت منحى تصاعديا بنتائج مبهرة. الجيش الوطني يلقن العالم درسا في مكافحة الإرهاب وفي وقت واجهت فيه الجزائر سواد ودموية الإرهاب وحدها بشراسة بين عمليات عسكرية ناجحة وسياسة متميزة للمصالحة الوطنية، يقف العالم عاجزا امام توسع هذه الظاهرة وتحولها لخطر دولي وبالرجوع لسنوات التسعينيات، كانت الجزائر تواجه صعوبة في تأكيد ذلك حيث عانت من العزلة والآن هي تجربة ناجحة في مواجهته، حيث تسعى دول كبرى لتعزيز تعاونها الأمني مع الجزائر بغرض الاستفادة منها، فيها تحول حضورها في أهم المحافل الدولية الأمنية لضرورة هامة بغرض عرض تجربتها للاستفادة الدولية. من جهة أخرى، عرفت الصناعات العسكرية تطورا كبيرا ومستوى رفيعا بمختلف فروعها حيث أصبحت تؤدي دورا بارزا في دفع عجلة التنمية الوطنية.