الريشة تحرضني على إثارة التأمل عند الآخر حاورها : عبدالوهاب تمهاشت شدت لوحات الفنانة التشكيلية إيمان كاسي موسى، المتخصصة في الترجمة و الفنون الجميلة، بمعرض الفنون التشكيلية بقصر الثقافة بالعاصمة ، انتباه النقاد باشتغالها على صياغة جملها التشكيلية ، دون الكشف عن فكرتها الأولى و الأصلية التي تعتبر لغتها و فلسفتها في صياغة الصورة، ودون اللجوء للجاهز و المكرس من الخطوط و الألوان،محققة التنوع الاختلاف و التميز في تعاملها مع تفاصيل و موضوع اللوحة. واستفادت من دراستها للفن التشكيلي التي منحتها الجانب المعرفي الضروري لتحقيق الكثير من مفاهيم القيم التشكيلية و التعبيرية التي سمحت لها بتكوين الذات الفنية فأصرت على بلوغ مستويات إبداعية لا تبوح بسر المعنى الحقيقي للجمال، حتى لا تشوه الشكل النهائي للوحاتها، مهما كان موضوعها، مكانها، و زمانها ، و التي كشفت من خلال مشاركتها في المعرض عن مشروع فنانة تشكيلية متعددة الأساليب و الرؤى و أيضا التصور الممكن والمستحيل من تجربة ،قد تتحول إلى استثنائية أنثوية في قائمة الفنانين والتجربة التشكيلية الجزائرية. النصر : من بين مدارس الفنون التشكيلية نجد المدرسة الواقعية.. التجريدية و الانطباعية و أيضا السريالية وغيرها من المدارس التي لها ممارسوها و قواعدها وضوابطها الفنية، أين تجد ريشة إيمان راحتها ؟ إيمان كاسي موسى : تعرفنا طوال دراستنا الأكاديمية للفن التشكيلي على كل هذه التجارب و المدارس التي شكلت بمرور الزمن الاختلاف بين هذا وذاك، و بين من ينتمي للمدرسة الواقعية التي نكتفي فيها بنقل الحقيقة أو الواقع ومن ينتمي لا إراديا لتيارات ومدارس أخرى لها أيضا ضوابطها، ولا يربط بينهم سوى شرط الإبداع ،و بما أن التطور و المراحل التاريخية التي مرت بها الفنون التشكيلة المؤثرة و المتأثرة بزمانها ومكانها، مثل بقية الفنون، أدت إلى ظهور ما هو معروف الآن من مدارس فرضها الانتقال الإنساني من وضع إلى آخر ، حيث لا يمكن أبدا مقارنة إنسان 1014 بإنسان 2014، بالإضافة لعوامل أخرى، خاصة وعامة، جعلت الفنون التشكيلية أكثر تنوعا، ربما من ممارسات فنية أخرى، وإن كنت انطباعية، و أميل أكثر لهذا النموذج، فلأن الحاجة أو الرغبة لا تكون متطابقة أو متشابهة و لا يمكن أن نفكر جميعا في نفس الشيء و بنفس الطريقة ،بمعنى أن الفنان ابن بيئته، كما هو معروف، وله ارتباط وثيق بظروف معينة و اهتمامات مختلفة، بعيدة عن الذوق الفردي أو الجماعي، عند قراءة اللوحة بأبعادها وأنا هنا لا ابرر ولا أدافع عن الانطباعية، بقدر ما أريد القول بأن الاختيار لا يكون وفق معطيات شخصية، و الريشة فقط تحرضني على إثارة التأمل عند الآخر. . كان يامكان ايمان في البداية ان تصبح اديبة او عازفة او ممثلة ما دامت الذات المبدعة موجودة بداخلك فلماذا هذا الميل أو الاختيار ؟ هذه الأشياء ليست مرتبطة بالضرورة بدفتر شروط ،لأنها بعيدة كل البعد عن الصفقة المادية أو حالة معينة ،بقدر ما هي إنسانية عفوية ومن وحي اللحظة التي يكون فيها الفنان مستعدا وجاهزا للتعبير مهما كانت أدواته. و قد تأتي بالصدفة، لأن الممارسة وحدها قادرة على إعطاء اللوحة الهوية التي ترفع من قيمتها الفنية ، ما يولد علاقة حب فريدة من نوعها تمنح الإحساس بالارتباك والجرأة على مباغتة بياض الصفحة وتغييرها ، عند امتزاج الألوان و الأفكار. من الخطأ القول بأنني اخترت أن أكون فنانة تشكيلية، لأن لا أحد بوسعه أن يرسم خريطة الوهم الذي يكبر بداخل كل فنان، حتى يصل لتحقيق مستوى كبير من الاهتمام، لأن الموهبة وحدها لا تكفي لأن نكون ذاتنا الفنية القابلة للإبداع الذي يجب مراعاة شروطه. و أولها الشرط المعرفي لتمكين الريشة من صياغة الأسئلة التي لا نستطيع دونها تحقيق الهدف و النتيجة التي نرغب في تجسيدها بمنتهى الحب ، سواء فنيا أو في أي مجال أخر وبعرض لوحاتي على الأخر، أسدل الستار وأفتح نافذة لزاوية وشكل وموضوع و لوحة أخرى. . ما الذي يدفعك لاختيار في كل لوحة لون على حساب لون آخر، هل هو الشكل أم المضمون أو شيء أخر ؟ في الحقيقة الصورة الأولى لا تكون ألوانها واضحة، مثل الفكرة تماما التي تنضج و تتطور ملامحهاهي الأخرى مع مراحل الزرع و التشكيل لعشرات الخطوط التي قد تبقى أو تختفي، حسب الحاجة إليها في الشكل النهائي، بحكم متطلبات اللوحة التي نراعي عند انجازها أهمية المشروع الذي يحلم به أي فنان تشكيلي، وهي اللوحة المستحيلة التي لا ندري زمانها ،ومكانها، مثل المخاض الكبير الذي عشته مع عدة لوحات مثل «الزلزال»، «المرأة» و أعمال أخرى. وعادة ما تكون الخطوط الأولى التي تتشكل وفق نمط معين تفرضه عملية الانجاز، لأنني أكون أمام صناعة الجمال، حتى لو كان الموضوع مفتعلا أو يغلب عليه الحزن، و التي تولدها جملة أخرى من تفاصيل انجاز أي عمل جديد و الألوان بطبيعة الحال، لها دورها الكبير في توصيل الفكرة للمتلقي . وعادة الفكرة هي التي تفرض الشكل و بالضرورة الألوان التي تنسجم معها ومهما كان فإن الألوان هي البداية و النهاية التي تساير الحركة العامة ، لأنها في النهاية شكل هندسي على مستوى كبير من الفخامة.أتكلم هنا طبعا عن الأعمال الكبيرة لفنانين عالميين ،ولهذا يبقى اللون هو الحياة الذي نعبر من خلالهللآخر. .في لوحتك الموسومة ب»المرأة « تشابكت الخطوط و الألوان و القارىء لها لا يصل ولا ينتقل بسهولة بين مسافات التعبير ،كون الغموض والصدمة و حتى الفزع من مكونات اللغة التي رسمت بها إيمان المرأة، فمن تكون ؟ لا أشير لأي امرأة بالاسم، و لكن بصفة عامة أستطيع القول، بأنها اختصار لأزمنة و مسافات و تاريخ كلف المرأة الكثير من التضحيات من أجل إقامة علاقة مقابل السلم و الهدوء الذي اعتقد أنه الحدث في اللوحة، لأن الفرصة لم تكن كاملة بالنسبة لها على مدار الأزمنة، ما أسس لسائلة الغرابة، وسوء الفهم بينها وبين محيطها .كل هذه العوامل و الظروف ولدت عندي شعور بهذا المستوى من الرفض لواقع المرأة السابق و الحالي، من العبودية إلى التجارة الجسدية .أليست المرأة المادة الأولى لأي إشهار؟ من المتوقع أن تختلط المفاهيم و الرؤى عند بداية تشكيل معالم اللوحة، كما تصورتها في البداية . لهذا فإن فصل الخريف هو المسيطر لا شتاء، و لا ربيع، و لا صيف. المرأة لم تكتشف بعد الحياة وهو ما حاولت أن أصل إليه، دون الحاجة لرسم امرأة بملامح واضحة، و السفر دون تأشيرة . أردت عرض كتلة كبيرة من عالمها الذي انتهى إلى هذا الشكل الذي رسمته بإصرار نادر. .التجربة التشكيلية الجزائرية لم تحتل مكانة في المشهد التشكيلي العربي رغم ظهور أسماء من الجيلين. ما هي آليات تحقيق التفوق على المستوى الشخصي أو الجماعي في رأيك؟ معذرة أنا لا أوافقك الرأي، لأن المسافة بين الجيلين كبيرة، و لكل جيل اهتماماته و انشغالاته. لهذا فإن التجربة التشكيلية في الجزائر موزعة على مراحل، وليس على أجيال، نظرا للظروف التي نتجت عنها تجربتنا الفردية و الجماعية. ومن هنا أستطيع القول، بأن الفن التشكيلي الجزائري، حقق الكثير على المستوى الإبداعي، غير أن الإعلام لا يولي اهتماما كبيرا لهذا الموضوع ،كما أن النقاد المختصين ،على ندرتهم، لا يتفاعلون مع كل ما تم انجازه . بدليل أن الفنانين الجزائريين الذين أتيحت لهم الفرصة، سواء عربيا أو دوليا ،أحدثوا الكثير من الضجة في وسائل الإعلام الغربية، وهو ما يؤكد أننا ثقافيا نعاني من أشد أنواع القمع الذي جعل المحيط لا يتفاعل مع المعارض و شتى أنواع النشاط القافي الذي هو عماد كل أمة. كلمة أخيرة بالطبع الشكر كل الشكر لجريدة النصر التي منحتني هذه الفرصة، ومن خلالها أوجه ندائي للهيئات و المؤسسات الراعية للفعل الثقافي لكي تهتم أكثر بنوعية الفعل الفني و الثقافي لا كميته.