لست جهويا ولا عنصريا ولا أشتغل بالسياسة كشف الفنان العالمي صاحب رائعة «أبابا إينوفا» و أحد أعمدة الغناء القبائلي إيدير عن عدة جوانب خاصة بحياته الفنية والشخصية، مفندا العديد من التصريحات التي قال بأنها تمس بشخصه واعتبرها مجرد إشاعات لا أكثر، مؤكدا بأن هناك جهات تطرح أسئلة على نفسها و تجيب عنها و تسند الإجابات إليه وهو بريء منها ، على غرار ما تداولته بعض وسائل الإعلام حول رفضه المشاركة في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية. و حرص حميد شريات، وهو الاسم الحقيقي لإيدير، ابن منطقة آث يني، بتيزي وزو،من جهة أخرى حرص على التأكيد بأنه مستعد لتلبية أية دعوة للغناء في الجزائر، إذا توفرت بعض الشروط التي يراها ضرورية متحدثا كما تحدث في حواره مع النصر عن ألبومه الجديد الذي لم يكشف بعد عن عنوانه . حاورته: سامية إخليف . النصر: ما حقيقة رفضك المشاركة في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية ، هل تلقيت دعوة للمشاركة في فعاليات هذه التظاهرة؟ إيدير: أنا لم أتلق أية دعوة من الجهات الرسمية للمشاركة في هذه التظاهرة إلى غاية اليوم ، ولم يطرق بابي أي أحد، واستغرب لما اقرأه في وسائل الإعلام التي تنسب إلي تصريحات لم أدل بها أبدا، هناك العديد من الإشاعات التي تروج ضدي لم أفهم الغاية منها، ليس لدي موقف من التظاهرة في حد ذاتها، ولو أعلنت رفضي المشاركة فيها فهذا لأسباب شخصية ، وهذا لا يعني أنني لن أشارك في تظاهرات أخرى في بلدي، أنا لست جهويا و لا عنصريا ، أنا جزائري قبل كل شيء، وفخور بذلك كما أنني بعيد عن السياسة، أحيانا أقوم بأشياء بعفوية ولكن هناك من ينظر إليها بنظرة سياسية ويضخم الأمور ويعطيها أكثر مما تستحق أستغرب لماذا، يجب عدم تحريف الحقائق مهما كانت. لم أتلق أي دعوة من الجهات الرسمية لتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية وماذا عن الذين يتهمونك بالانضمام إلى حركة الماك؟ صحيح أنني أغني عن الهوية و الثقافة الأمازيغية و أناضل بفني من أجلهما منذ سنوات، وأدعو دائما إلى ترسيم اللغة الأمازيغية، وجرحت في الصميم عندما قام المغرب بدسترة اللغة الأمازيغية ، و لم نصل نحن بعد إلى هذا المستوى ،إلا أنني لم أدع يوما إلى استقلال منطقة القبائل، و لا أنتمي لأي حزب سياسي، كما أنني لا أنتمي لحركة الماك. لدي أفكاري التي أناضل بها من أجل القضية الأمازيغية، ولم انخرط يوما في حركة فرحات مهني ومن أكون أنا حتى أدعو السكان لينتخبوا فرحات؟ أنا مجرد فنان لا أكثر. هذا الوطن شارك في تحريره كل الجزائريين، و أنا أعتز بكوني جزائريا و قبائليا ،ابن جرجرة الشامخة، لطالما أعطيت صورة إيجابية عن الجزائر في كل بلدان العالم التي زرتها، و أدافع عن وطني دائما في كل مكان أنشط فيه حفلاتي، لأنني لدي مبادئ وأحمل حب الجزائر في قلبي رغم أنني أعيش بعيدا عنها و أقول لكل هؤلاء لا جزائر دون منطقة القبائل، ولا منطقة القبائل دون الجزائر، و أنا أتحمل مسؤولية ما أقول. . عدت مؤخرا إلى مسقط رأسك بآث لحسن واستقبلك سكان قريتك بحفاوة، فهل كنت تنتظر ذلك؟ نعم ولا في آن واحد، في الحقيقة كنت أعلم بانّ أبناء قريتي سيفرحون بقدومي ،لأنني شرفت المنطقة ولكن لم أكن أنتظر ذلك التكريم الكبير الذي حظيت به وسط أهلي و أن يرحب بي العشرات من المواطنين الذين قطعوا مسافات طويلة لملاقاتي، تم تكريمي في الخارج ولكن تكريمي في مسقط رأسي له طعم خاص وهو ما يزيد من عزيمتي لخدمة الفن إلى آخر نبض في عروقي، أعتبر نفسي دائما فنانا بسيطا ،رغم أنني أعد من بين أقدم الفنانين القبائليين ولدي جمهوري الخاص، وهذا ليس من باب التكبر والغرور ولكن الحقيقة تقول ذلك ،وفي نفس الوقت لست فنانا كبيرا بالحجم الذي يتصوره الكثيرون. . غنيت في مختلف دول العالم وغبت عن بلدك منذ فترة طويلة ما هو السبب؟ منذ سنوات لم يقم أحد بدعوتي، آخر حضور لي على الساحة الفنية الجزائرية كان سنة 1977 في الحفل الذي نشطته بالمركب الأولمبي محمد بوضياف بالجزائر العاصمة ، ولم أغن في تيزي وزو مثلا منذ أزيد عن 31 سنة، أنا لا أرفض الغناء في بلدي أبدا لو توفرت بعض الشروط التي أراها ضرورية لأي فنان كان، هناك نقائص عدة يجب تجاوزها كما أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار رغبة الفنان في طريقة إحيائه للحفل ، أريد أن أغني عن ثقافتي وهويتي دون قيود ، و إن تحسنت الأمور مستقبلا فإنني لن أخيب آمال جمهوري، أحب وطني الذي ليس لي بديلا له وأريد أن أغني فيه كما أريد. أخفيت ممارستي الغناء عن أمي التي أعجبت بصوتي دون أن تعرف من أنا دخولك إلى الساحة الفنية كان صدفة كما تصرح في العديد من اللقاءات الصحفية، كيف كان ذلك؟ هذا صحيح، فالصدفة والموهبة وحدهما قلبتا قدري و مصيري، لم أختر طريق الفن أبدا، لكنّ الصدفة أخذتني إلى هذا الدرب، تنقلت من قريتي ببلاد القبائل إلى واجهة الساحة العالمية، أتذكر جيدا عندما طردنا المستعمر الفرنسي الغاشم من بيتنا الجبلي المعزول في مرتفعات قرية آث لحسن ،ببلدية آث يني و اتخذه كموقع إستراتيجي هام للحراسة لأنه يقع في مكان مرتفع، تنقلت عائلتي حينها إلى الجزائر العاصمة، وبقيت أنا أدرس في مدينة تيزي وزو بمدرسة الآباء البيض ذات النظام الداخلي، عند تحصلي على الشهادة الابتدائية تنقلت إلى الجزائر العاصمة لمواصلة دراستي بإحدى الثانويات التي شاءت الصدف أن تقع بالقرب من مقر الإذاعة والتلفزيون. ومن هناك،كانت الانطلاقة حيث شرعت في مداعبة أوتار القيثارة رفقة أصدقائي في نهاية الأسبوع ،لأنني كنت خاضعا للنظام الداخلي، قبل أن ألتقي بالجمهور وعلى المباشر في الإذاعة من دون سابق إنذار، عندما استنجد بي منتج حصة «خمسة مشاكل» مجيد بالي، لتعويض الفنانة نوارة التي تعرضت لوعكة صحية مفاجئة يوم تسجيل الحصة فتعذر عليها الحضور، قبلت عرض مجيد بالي الذي كان يشاهدني أعزف مع زملائي ،رغم أنني كنت خائفا ،لأنني لم يسبق لي وأن غنيت أمام الجمهور،وقدّمت أغنية «أرسد أرسد أيضاس» وهي أغنية قديمة تغنيها المرأة لولدها لينام. و فور انتهائي هربت إلى الكواليس، وبدأ الجمهور يناديني لم أكن أفهم ماذا يريد وظننت أنه يطالبني بالمغادرة لأنني لست في المستوى ولكنني تفاجأت به يطلب مني إعادتها مرارا وتكرارا ،لأنها نالت إعجابه. . أخفيت أمر الغناء عن والدتك لماذا؟ عندما غنيت في الإذاعة لأول مرة ،سألني المنشط عن الاسم الذي سيقدمني به فأجبته في الحين «إيدير» وسجلت بعدها أغنية «أبابا إينوفا» بآلة القيثارة ،وعندما ذهبت إلى المنزل سألتني والدتي إن كنت أعرف الفنان إيدير الذي سحرها بصوته، فقلت لها نعم إنه زميلي في الثانوية ، قبل أن تكتشف الحقيقة عندما شاهدتني في التلفزيون. لم يعجبها الأمر لأن الغناء في تلك المرحلة غير مرغوب فيه، نظرا للعادات و التقاليد و الطابع الاجتماعي الذي كان يسود قرى منطقة القبائل، وكانت والدتي رحمها الله تريدني أن أواصل تعليمي، و خائفة من أن أسلك طريق الفن ولا أنجح في الدراسة. . وماذا عن أغنية «أبابا إينوفا التي إشتهرت بها وروائعك الأخرى التي يحبها الجمهور؟ أغنية «أبابا إينوفا» رغم بساطتها ترجمت إلى 23 لغة عالمية، و جابت مختلف دول العالم وفتحت لي طريق النجومية التي لم أكن أحلم بها يوما ،ولم تخطر على بالي أبدا.لقد تعدت هذه الأغنية الحدود الجزائرية في ظرف وجيز قبل تسجيلها في ألبوم لأنني سجلتها كما قلت لكم في أستوديو القناة الثانية على أنغام القيثارة فقط ولكنها جلبت لي الشهرة الواسعة. عندما تحصلت على شهادة البكالوريا والتحقت بجامعة الجزائر لأدرس علم الجيولوجيا كنت معروفا في الوسط الجامعي بأغنية «أبابا إينوفا» ولكنني سطرت هدفا في حياتي وهو إنهاء التعليم والتخرج بشهادة مهندس دولة لتفتح لي أبواب العمل مستقبلا، ولم أتصور بأنني سأسلك طريق الفن لأنني كنت على يقين بأن هذا الميدان لن يجلب لي لقمة العيش ولكن حدث العكس لقد اتخذته كمهنة لاحقا،.في عام 1975 تم دعوتي من طرف صاحب شركة الإنتاج الفني «باتي ماركوني» بباريس لأنه سمع بي من خلال أغنية «أبابا إينوفا» وهناك وضعت شهادتي الجامعية جانبا ،ووقّعت أوّل عقد مع الشركة وبدأت أكتشف عالم الفن الواسع، وبعد سنة سجلت أسطوانتي الأولى حملت عنوان الأغنية التي اشتهرت بها من قبل (أبابا إينوفا) وحققت رواجا لم يكن أحد يتوقعه،كنت محظوظا جدا لأنني وجدت كل التسهيلات في فرنسا، سواء من منظمي الحفلات أو من الشركة التي تعاقدت معها، وفُتحت لي أبواب النجاح و الشهرة على مصراعيها كنت أحي الحفلات وأجد القاعات مكتظة بالجمهور لأنه سمع من قبل أغنية «أبابا إينوفا» ورغم أنه لا يفهم الكلمات إلا أن الألحان تجذبه، ويستقبلني في كل مرة بحفاوة وأحاول من جهتي في كل حفل أحييه أن أترجم الأغاني حتى يفهمها. وفي سنة 1979 سجلت ألبوم أيراشنى»، أو «يا أولادنا» بالتعاون مع الفنان المسرحي والشاعر الراحل موحيا وأنتجت أيضا ألبوم «صيادو الضوء» سنة 1993 و يضم 17 أغنية من بينها «أيلخيرنو» التي ترجمت من طرف العديد من الفنانين الأجانب ، و في سنة 1999 أصدرت ألبوم « الهوية» الذي حاز على القرص الذهبي لعدة مرات، و ألبوما آخر في سنة 2007 يحمل عنوان «فرنسا بالألوان» ثم آخر ألبوم «أذرارينو» أو «جبالي» سنة 2013 يضم 11 أغنية. . مسيرتك الفنية طويلة و أغانيك تّدرس في معاهد الموسيقى العالمية،لكنك قليل الإنتاج لماذا؟ أعاني كثيرا عندما أكون بصدد التحضير لألبوم، أعصر نفسي كثيرا وأبذل مجهودا كبيرا عند كتابتي لأية أغنية، أعيدها عدة مرات حتى أقنع نفسي بها قبل الجمهور، لأن هذا الأخير لا يمكنك في أي حال من الأحوال الكذب عليه، ما يهمنى من الأغنية هو كلماتها النقية، لأنها ليست سلعة تبيعها ولو كان الأمر كذلك لأنتجت في كل سنة ألبومين على الأقل، قبل كل أغنية أبحث جيدا عن الكلمات الأمازيغية النقية والهادفة وتلك التي تحمل الحكمة في ثناياها ، ثم أفكر في اللحن الذي يتطابق معها وأقدمها للجمهور. في كل مرة أحاول التقاط خيوط التناغم بين اللحن والكلمات التي أختارها بنفسي وبعناية تامة لأقدم أغان جيدة. . أنت الوحيد على الساحة الفنية القبائلية الذي لم يغني عن الحب طيلة مسيرته الفنية لماذا؟ أظن أن البيئة التي نشأت فيها والتربية التقليدية المتشددة والمحيط الذي كبرت وسطه ،خاصة بعد الاستقلال، عوامل جعلتني أتوجه نحو أغاني التراث والهوية والثقافة الأمازيغية، كما أن الكثيرين يغنون عن الحب، فمثلا الفنان الكبير آيت منقلات عندما يغني عن الحب، لا يستطيع أحد التفوق عليه أو منافسته ،وبالنسبة إلي أرى بأن هناك أشياء أخرى تستحق أن نعبر عنها بالكلمة واللحن. هناك أشياء أخرى غير الحب تستحق أن نغنيها . كيف تقضي يومياتك في فرنسا؟ عندما لا أكون مرتبطا بأي حفل فني فإنني أحب البقاء في البيت مع عائلتي وأبنائي،الآن أرى نفسي قد كبرت على الجولات و الخرجات، فأنا أصبحت شيخا في 70 من العمر ،ولم أعد أخرج كالسابق إلا عند الضرورة. . حدثنا قليلا عن ألبومك الذي تحضر له ومتى سيكون متوفرا في الاسواق؟ سأدخل إلى الأستوديو للتسجيل في شهر ديسمبر المقبل ،الألبوم يضم حوالي 12 أغنية ،حسب عدد الفنانين الأجانب الذين سيشاركون فيه، و سيغني معظمهم لأول مرة باللهجة القبائلية، من بينهم الفنان العالمي شارل أزنافور الذي سيحتفل قريبا بعيد ميلاده 93 ،وقد صمم على الغناء معي بالقبائلية. هذا إلى جانب فنانين آخرين مثل فرانسيس كابريل و ماكسيم لوفوريستيي و برنار لافيليي و باتريك بروييل وسينيا دوكونور وآخرين.سيكون الألبوم متوفرا في الأسواق ابتداء من السنة المقبلة 2016 .