تداولت مواقع وصحف وطنية ومغربية خبر «الحرب الوشيكة» بين الجزائر وتركيا استنادا إلى ما جاء في موقع مجهول على الأنترنيت! وإذا كانت دوافع الأشقاء معروفة ويمكن إدراجها ضمن الخبز اليومي لصحافة اختصت في نشر كل ما يسيء إلى الجزائر، فإن دوافع الجزائريين في نشر «خبر» من هذا النوع تدعو إلى الحزن على واقع أصبحت عليه الصحافة الوطنية التي كثيرا ما افتخر المنتسبون إليها بريادة فيها كلام يقال. لن نجد الجواب في رغبة «القائمين عليها» في تحصيل فوائد ومتع الإثارة، فقط، ولكن أيضا في فراغ في الصفحات يحتاج إلى أي مادة يُذكر فيها اسم الجزائر، وفراغ في «المستوى» يمكن رصده كل يوم في صحافة كثرت عناوينها وتراجع منسوب محتواها. و إذا ما أضيفت إلى ذلك الشائعات التي يتم نشرها عمدا، فإننا نجد أنفسنا أمام حالة غريبة تتطلّب الدراسة والنقاش. والأمثلة كثيرة وصلت إلى حد الإضرار بالمصالح الحيوية للبلاد، يمكن فقط أن نذكر التعاطي الإعلامي مع الحرب على ليبيا وكيف كانت صحف وطنية تنتقد الموقف الرسمي الجزائري والتعامل الديبلوماسي مع الملف و وصل بها الأمر إلى حد مجاراة وسائل إعلام أجنبية منخرطة في أجندات مشؤومة وإعادة نشر كل ما تورده دون تمحيص أو تساؤل. وإذا كان كشف الحقائق من مهام الصحافة وبالتالي لا يجوز مطالبتها بالتدليس، فإنها مطالبة بتحمل مسؤولية الأخطاء التي ترتكبها، ومدعوة قبل ذلك إلى القيام بسلوك بسيط وضروري في ممارسة هذه المهنة يتمثل في التحقق من المعلومات التي تبيح لنفسها حق تقديمها لجمهورها. كما أن تقييم أداء مختلف القطاعات يتطلب على أقل تقدير امتلاك أدوات التقييم، وهو معطى لا يدخل على ما يبدو في اهتمامات بعض صنّاع الصحافة عندنا الذين يعتقدون أن الانتساب إلى القطاع يمنح الحق في «محاسبة» الآخرين وتقييمهم. وهو فهم غريب لمهنة باتت ممارستها تعني للكثيرين تحصيل امتيازات اجتماعية أو دليل تفوق وامتياز، ويكفي أن نقرأ تصريحات «النجوم» الشباب، التي تنشر هذه الأيام، لنعرف أن الصحافة تعاني من سوء فهم المشتغلين فيها لها! وسوء الفهم هذا قديم في الجزائر ارتدى فيه صحافيون لباسا لم يكن لباسهم فتقمصوا شخصيات رجال الدولة ورجال الأمن ورجال الدين ورجال المعارضة، و تخلوا في جميع التقمصات عن مهنتهم التي تقتضي ممارستها انصرافا كليا إليها مع الالتزام بقواعد و ضوابط أخلاقية غير قابلة للإغفال . و سبب المشكلة قد يعود بالدرجة الأولى إلى استباحة الصحافة انتسابا وممارسة بداية من ناشرين قادمين من مهن أخرى بحثا عن الوجاهة أو عن الريع الإشهاري، ومقاصد أخرى لا يمكن حصرها، وانتهاء بأسلوب تشغيل الشباب المنتهج في قطاع حيوي وفي مهنة تتطلب مهارات خاصة و كفاءة وثقافة وتكوين وتمرس. استباحة لن تصيب عواقبها القطاع فحسب ولكنها ستنعكس في نهاية المطاف على المجتمع ككل وعلى المصالح الحيوية للدولة، لأن تمكين ناشرين وما هم بالناشرين من وسائط إعلامية أو الدفع بشبان دون تكوين إلى المعترك لا يختلف عن توزيع أسلحة على أيد غير مدربة.