اللهجة الجزائرية .. لغة قائمة بذاتها أم هجين لغوي؟ يرى متخصصون في علم اللسانيات، بأن اللهجة الجزائرية هي لغة إبداعية تطورت بتطور اهتمامات المجتمع الجزائري وعلى النخب والأكاديميين أن يدرسوها بشكل معمق، في حين يرى أساتذة آخرون، بأنها انتكاسة لغوية وعلى المثقفين إنقاذ الوضع، وذلك بالرجوع إلى اللغة العربية الأصلية و تنقية اللهجة الجزائرية من الكلمات المركبة والمستمدة من اللغة الفرنسية و لغات أجنبية أخرى. فيما يرى باحثون، بأن الإعلام الجزائري، ساهم بشكل كبير في تشويه صورة اللهجة الجزائرية، و قالوا أنه يزدريها في خطاباته، و اعتبر مختصون في علم النفس بأن اللهجة الجزائرية تعبر عن مشاكل الجزائريين النفسية و يجب التعمق في دراستها. اللهجة الجزائرية التي اختلف في تسميتها، تطورت في السنوات الأخيرة مع القفزة التقنية التي عايشها المجتمع الجزائري و أدخلت عليها مصطلحات كثيرة، ساهمت في ثرائها من ناحية المعاني، وهذا أمر رأى فيه بعض المختصين، نقلة نوعية في تطور اللسان الجزائري، فيما اعتبرها آخرون خسارة للغة العربية، لأنها المتأثرة الأساسية بهذا التهجين اللغوي. حمزة دايلي مدير مخبر اللغات في جامعة روان بفرنسا فؤاد لعروسي أي لهجة يتم استعمالها داخل المجتمع لديها مقومات اللغة «بصفتي متخصصا في علم اللغة الاجتماعي، أؤكد أن الدارجة قادرة على تطوير اللغة الأم، ومعانيها لا تقوم على مقومات لغوية بحتة، وإنما تنتج عن تفاعلات اجتماعية وسياسية وإيديولوجية بالدرجة الأولى، لأن الفرق بين اللغة و ما نعبر عنه باللهجة، هو أن اللغة أخذت إطارا اجتماعيا، حيث أصبحنا نعتبرها لهجة. إن الذين يدافعون عن بقاء اللغة بعيدا عن العامية، هم يحاولون طمس دور العلاقات الاجتماعية والإنسانية في خلق معاني لغوية جديدة و هي ما يمكن أن نعبر عنها بالدارجة.بعيدا عن الصراعات السياسية، علينا تثمين جهود المجتمع في إبداع لغته الخاصة، عبر اختيار المعاني التي يعايشها في بيئته، بعيدا عن الأحكام الأخلاقية التي يمكن أن نصدرها على هذا الإبداع اللساني، من خلال الدفاع المستميت عن اللغة الكلاسكية. اللغة اللاتينية مثلا، حين تطورت أدت إلى إفراز عدة لغات وهي الإسبانية والفرنسية، فكل لغة لديها تطورها الخاص.حسب رأيي، لابد من تجنب إطلاق مصطلح لهجة عما يتكلم به الجزائريون، فأنا أحب أن أطلق اسم اللغة على ما يتكلم به الجزائريون، لأن ما يطلق عليه بالدارجة هي عمق اللغة، لأنها لا تخضع لنظم وقوانين صارمة تسيرها، لذلك فهي تتطور بتطور الأنساق الاجتماعية، لكن هذا لا يعني التخلي عن العربية، بل يجب تثمينها في الحياة اليومية للمجتمع، لأن المشي برجلين هو استعمال اللغتين و هو التطور الحقيقي و يمكنهما التعايش، بعيدا عن الصراعات الإيديولوجية. الدكتورالشريف صوتي متخصص في اللسانيات / جامعة قسنطينة الإعلام الجزائري يزدري اللهجة الجزائرية لكنه يستعملها اللهجة الجزائرية هي اللهجة القادرة على إيصال المعاني، لأنها حية و يستعملها الجزائريون في يومياتهم ببلادهم.قد يتنكرون للهجة الجزائرية و يعتبرونها ناقصة، لكنهم يستعملونها في الإعلام بشكل كبير، حيث أن رسالتي البحثية في الدكتوراه كانت حول الخطاب الإعلامي بخصوص اللغات. بعد تحليلي للغات في المادة الإعلامية في الإعلام الجزائري ، وجدت بأن هناك خطاب يزدري اللغة الأم التي نتكلمها و يعتبرها أحاديث دون المستوى، ولا ترتقي للغة وهو الخطاب المنتشر، وهناك قنوات إعلامية أخرى تثمن اللغة الأم و تحاول إبراز قيمتها الحضارية واللغوية. الإعلام في الجزائر لديه خطاب غير واضح تجاه اللهجة الجزائرية، فبعض الجرائد الأكثر انتشارا تزدري اللغة الأم وتحط من قيمتها، لكنها تستعملها في عناوينها الرئيسية و في الافتتاحيات وهذا تناقض كبير يصعب فهمه، أين يتم وصفها بلغة «الواي واي» ولغة الشارع و اللغة السوقية. هناك صراع لغوي زادت شدته بسبب الخطاب الإعلامي غير العقلاني الذي يؤثر على جماهير عريضة من الجزائريين». ابتسام شاشو أستاذة متخصصة في علوم اللغة من جامعة مستغانم اللهجة الجزائرية مكتملة المعاني وفرضت نفسها رغم إنكار البعض لها «»ما يتكلم به الجزائري، يستوفي شروط اللغة و معانيه كاملة تصل المتلقي، حيث نجد في بعض الحوارات إبداعا و خلقا في تركيب الجمل، كما يتم اختيار الكلمات بشكل متناسق في ما نتكلمه في حياتنا اليومية، هو روح اللغة لأن اللغات تموت إذا لم تستعمل في المعاملات التجارية والاجتماعية، فنحن ننكر وجود لغة العربية الجزائرية، لكن بها تسير حياتنا شئنا أم أبينا.هناك مشكلة في ضبط المصطلحات، فهناك من يعتبر ما يسمى باللهجة الجزائرية لغة مستقلة و يسميها العربية الجزائرية، وهناك من يحصرها في حديث الشارع و يصفها باللهجة، ولا يرتقي بها للغة و يمجد اللغات الكلاسكية كالعربية مثلا، المختصون لم يتفقوا على استعمال مصطلح واحد.بالنسبة لي هي عربية جزائرية، لديها خصوصياتها التاريخية و الاجتماعية، حيث تطورت هذه اللغة منذ ثلاثة آلاف سنة، بمجرد مجيء العرب و إصرار البربر على استعمال العربية في يومياتهم، حيث أن المصادر التاريخية تتحدث عن استعمال اللغة العربية بين الأمازيغ رغم وجود الأمازيغية في تلك الفترة، عكس ما يروج له بأن العرب فرضوا العربية على الأمازيغ. العربية الجزائرية، أو كما يسميها البعض الدارجة، هي لغة اتصلت بالفينيقيين قديما و لديها جذورها الأمازيغية وعربت لغويا ولم تعرب سياسيا، فالجزائريون تعربوا لسانا منذ مجيء بني هلال، حيث أصبحت العربية لغة التواصل بين العرب و بين الأمازيغ، وارتقت في ما بعد لتصبح لغة تواصل بين أمازيغ المنطقة المغاربية.اللغة العربية الجزائرية دخلت جميع المجالات حاليا، خاصة في ما يخص الإعلام والإشهار، حتى أنها دخلت المدارس وإن كان هذا الأمر طابوها على مستوى جهات أخرى، لكنها في الواقع موجودة بقوة، فهي لغة الطفل و لغة التواصل، و لا يمكن التفريق ما بين ما يتحدث به الطفل في منزله، وما بين ما يعيشه في المدرسة». الأستاذة شراد نجمة باحثة في علم اللسانيات الجزائريون يتواصلون بلغة إبداعية وفيها معاني جديدة ومتطورة «يتواصل الجزائريون عبر أحاديثهم اليومية، تواصلا فعالا ومفهوما وهذا هو عمق اللغة، لذلك فمن الناحية العلمية، ما يطلق عليه لهجة في الجزائر، هي اللغة الأم التي يتكلمها جل الجزائريين. لذلك فهي متطورة وقادرة على إيصال المعاني بشكل فعال، حتى أن معانيها أصبحت معان خاصة بالبيئة الجزائرية، ويمكن فهمها بسهولة من قبل الجزائريين، دون كلفة أو تعب.مخبر الأبحاث اللغوية بقسنطينة، لديه بحوث كثيرة حول كيف نسمي اللغات في العالم، فبالنسبة إلي كباحثة، أسميها العربية الجزائرية، لأنها لغة متكاملة ولديها أسسها اللغوية وهي تتطور بشكل مستمر، و لديها معان مأخوذة من البيئة الجزائرية، فمن الإجحاف قيام البعض بالإنقاص من قيمتها واعتبارها لهجة و كلام عامي. هذا نابع من الازدراء النفسي للذات و هذه مشكلة أخرى.اللغة هي عبارة عن ثقافة وهي من الهويات الأساسية التي تميز المجتمع الجزائري الذي يعترف بالتنوع الثقافي، وهذا مكسب كبير لبلادنا، فلا يمكن نفي الدور الكبير للغة العربية في الأدب و في الفنون وفي تكوين الشخصية الجزائرية، لكن هذا لا يمنع من الاعتراف باللغة العربية الجزائرية، لأنها متطورة و كاملة المعاني. اللغة العربية الجزائرية تطورت بنفسها ولم تكن بحاجة إلى وضع قوانين لغوية لها، بل هي نتاج تفاعل مجتمعي، فيجب أن نبتعد عن التصورات اللغوية الخاطئة و يجب أن تستند أحكامنا اللغوية على أبحاث ودراسات». الدكتور زين الدين بن موسى متخصص في اللغويات تعبر عن مستوى التخلف اللغوي في بلادنا «ما يتحدث به الجزائريون ناتج عن الاستلاب الحضاري، وهو ليس لهجة بل لغة، و إن صح التعبير هو تصغير لمفهوم اللغة، فهو يجمع بين العربي الفصيح وبين مفردات عربت تعريبا وهميا، وبعض الكلمات ذات الأصل الفرنسي، نقلت للساننا وحرفت في بنيتها وفي بعض معانيها، لذلك فمن الضروري تفصيح اللسان الجزائري من أجل السلامة اللغوية. في الجزائر نحن لا نملك لهجة واحدة، بل نملك لهجات عديدة، تختلف في ما بينها في المعاني وحتى في البنية،و ذلك راجع لاعتبارات تاريخية، منها المجزرة اللغوية التي قام بها الإستدمار الفرنسي في بلادنا، فاللهجة الجزائرية في الحقيقة قريب من الفصحى، لكن للأسف الجديد صارت لغة. لاقتراض اللغوي ينتج عن تخلف الأمة، حيث تلجأ إلى لغات أخرى وتستلهم منها وهو ما ينطبق على اللهجة الجزائرية، فأي تخلف حضاري وتكنولوجي يأتي بعد التخلف اللغوي يحتم علينا الرجوع إلى المعجم العربي، لأنه يجمع جميع اللهجات في بوتقة واحدة.التطور اللغوي لا يشعر به مستعمل اللغة، فاللهجة الجزائرية تتطور بعيدا عن اللغة العربية، لقد تطورت كلغة هجينة تجمع بين الفرنسية والعربية، وهي مسألة تتعلق تعلقا وطيدا بالمناهج التعليمية، فعليها أن تثمن الواقع الجزائري بلغة عربية فصيحة، حيث أن ما يتم تدريسه باللغة العربية، هو بعيد عن اللغة. المختصون اللغويون استقالوا، أو أبعدوا من الإسهام في وضع البرامج وتفعيل المشهد الثقافي، حيث أصبحت فئات أخرى تسهم في وضع المعجم اللغوي للجزائريين وهذه مسألة تتعلق بالدرجة الأولى بالتخلف الحضاري. البروفيسور في علم النفس الاكلينكي ومدير مخبر العلاج النفسي موسى هاروني حقل للدراسات النفسية أغفله الباحثون «اللهجة الجزائرية هي معيار حقيقي للتعرف على نفسية المجتمع الجزائري وهي مخبر مفتوح للدراسة، أغفله علماء النفس، حتى و إن وجدت بعض البحوث فإنها لم تواكب تطور هذه اللهجة التي تتميز بحركية ومرونة وسرعة كبيرة في التطور، فالجيل الجديد من الشباب يبدع مصطلحات حديثة، قد لا يفهمها الجيل القديم، فاختيار الألفاظ والمعاني مرتبط بنفسية الجيل ويمكن فهمه بشكل أعمق لو تابعنا تطور اللهجة و اللغة المحكية. العنف وإن كان ظاهرة عالمية، فإن اللهجة الجزائرية تستعمل فيها كثيرا من الألفاظ العنيفة، كمصطلح القتل والضرب، حتى في الحب تستعمل ألفاظ عنيفة للتعبير عنه، رغم أنه شعور جميل و لطيف، لا يتحمل معاني العنف وربما هذه هي الخاصية النفسية الغالبة على الجانب النفسي، في ما تعلق منه في حديث الجزائريين. العنف والكلام البذيء المنتشر في لهجتنا، لديه أسبابه التاريخية، لكن ما يؤسف له هو عدم إمكانية التفريق بين الجنسين من ناحية اللهجة، حيث تهجنت أحاديثنا وتشبهت النساء بالرجال في الأحاديث، حيث لا تستغرب أن تسمع كلاما بذيئا من نساء في الشارع، وهو ما لم يكن ممكنا في الأجيال السابقة. اللهجة الجزائرية هي صناعة طبقات المجتمع غير المثقفة، بعيدا عن مخابر الأكاديميين، حيث يمكن أن تتطور لهجتنا من حديث في السوق ويظهر مصطلح جديد، كما أن الأغاني الشعبية لها دور فعال في تكريس النمط الحالي من لهجتنا».