عبد الكريم ينينة مواطن لأهيم بك على وجه جنوني.. كان عليّ أن أكون مواطنا صالحا للخيبة. أسدد فواتير الحب والغاز والماء والكهرباء والصراحة وديعا.. أقف في الطوابير أفكر بك لا أحتج..، لا أتذمر..، ولا ألعن فريقنا.. للكرة أتابع على الشاشة كل حملة «ذات منفعة عامة» يطلب الطبيب أن أفتح فمي، فأفتحه متوجسا.. وأن أخرج لساني، فأخرجه صقيلا بلا لغة يقول: قل آآآآ فأزيد حرفا «دون قصد» وأقول: آآآآه فيرى لوزتيَّ المحمرتين من طول صمتي لم أقل يوما أن صمتي يؤلمني، ولأنّني أحببتك فقد أحببته أيضا صمت.. بارد، عالق في لهاتي أورق في دمي وأزهرَ وأينع حديقة من ثرثرهْ!! * * * * ملقى على قارعة اللغة أنا الآن وسط ضجيجي، مضرجا بالكلام.. مكابدة أنا الذي تنام في سرير قلبه جهات البعد الأربع وتسكنه الكتابة.. كمارد متشرد ارتطم بجسد شاغر، يمتص رحيق عمره.. فمنذ البدء وأنا أثرثر عند نواذجي وأنزلق أسفل حلق الكلمات لكي أستعيد لعاب البلاغة. ماذا كنت سأقول لعيني لو أن الصوت صدى من شعاع؟! أو أن الكناية تعرت من ثوب الإشارة لتضاجع المجاز في وضح اللهفة؟! كم منديل من وسامة البيان، تراه يسعف عرق الاستعارة المضنية في البحث عن ثقة ضريرة تعثرت بخطو عكاز ريبتها الواهمة؟ هل تراكِ تفهمينني وأنا بهذه الأناقة المزرية من ساتان المعنى؟ أسنان المذلة ما المذلة إن لم تكن معنى ملقى في الطريق، كان مترفا في السابق؟ تمر عليه الكلمات، يكاد لا يُرى من بين سيقانها. * * * على طاولة لم تزل هدفا لفناجين الخيبة نحتسي كلمات بلغت سن اليأس من المعنى يقابلنا عرس الضحية في مزهرية عرس الوردة التي تكذب على جرحها المبتسم للفراشة تلك الفراشة..!! هذه أسنانها.. مغروزة لا تزال في دم الوردة المخطوفة من حقل طيب القلب. ذلك الحقل الذي ما انفك يكرع من ماء المذلة.. أينع أخيرا وردا مطأطِئَ الطلع!! أسمال المكان ما هو القِدَمُ إن لم يكن تماهيا مع المكان، أو تربصا بمعنى.. يمر أمامنا اليوم أحفادُه، طاعنين في اللغة/ اللعنة.. * * * كانت قبالتي، تحتسي ما تبقى من رتابة في قاع فنجانها مرت كِلْمة يافعة، تخطت رقاب أحاديثنا المترهلة ومضت.. فإذا الفراشات التي دون فم، تغني.. وإذا بالغناء الذي ولد في آذاننا دون موسيقى يحاول الرقص.. مثل صبي قام للتو من حبوه ذلك الرقص كان يبحث عن ساقين لردفيه ليحضر حفل تخرُّج نهدين من صدر قديم. أنا وأنتِ أنا وأنتِ عَدُوّانا المتيمان باللاجدوى المدججان بالخيبة الجاهزة والهزائم الفورية منذ قرون.. ونحن عالقان في مضيق المغزى نسير خلفنا بتؤدة مريبة وشهيق الريح في رئتينا مددُ الركض نحونا والمسافات.. مفازات في المجاز، وشح في آبار اللفظ المتشبه بالنفط المتسبب في بعثرة العشرات من العثرات في الفم، كما نفعل الآن، تماما. والاستعارة عرق.. يتصبب خجلا من جبينك، حين يتعرى المعنى في الطريق للكلمات العابرة فننصرف عنه إلى آخِره. * * * هل لزاما عليّ أن أورد مثالا حيا، لم يمت في حروبنا الأهلية، حتى أكون اتكأتُ على كتف من يقين؟! سأفتح بطن كتاب قديم بمشرط حديث: «ضرب زيد عمرو» على مؤخرة رأسه، فسقط مغشيا.. يا الله! المسكين ذلك الرأس! كانت له مؤخرة!..