آباء يلجؤون للاستدانة و شراء الأضاحي بالتقسيط لإرضاء الأبناء و تجنب الشفقة يفضل الكثير من الآباء اللجوء إلى الاستدانة أو شراء الكبش بالتقسيط، لاعتبارات اجتماعية أكثر منها دينية، هذا ما يبدو من خلال اعترافات البعض المؤكدة لاضطرارهم للنحر لأجل أطفالهم أو بإلحاح من زوجاتهم أو تجنبا لشفقة الأهل و الجيران و أمور أخرى يرى الفقهاء بأنها قد تغيّب النية من ممارسة هذه الشعيرة الدينية. فالكثير من الناس يصرّون على ذبح خروف العيد رغم مشاكلهم المادية و عجزهم عن توفير قيمته، مما يدفعهم للاستدانة أو الاقتراض أو الشراء بالتقسيط ليس تمسكا بالسنة المؤكدة التي لا تفرض الأضحية على غير المقتدرين و الفقراء و هو ما يذكر به علماء الدين الذين يكررون باستمرار بأنه" لا حاجة للاقتراض لتطبيق السنة"، و إنما تمسكا بالمظهر الاحتفالي و الولائمي الذي ارتبط بمناسبة عيد الأضحى في السنوات الأخيرة، مما جعل البعض يحملون أنفسهم أكثر من طاقتها بمن فيهم البطالون الذين لا يترددون في اقتراض المال لهذا الغرض. و إن كان عدد كبير من المواطنين لا يخفون عدم قدرتهم على توفير ثمن الأضحية و يشتكون غلاء أسعار الكباش، خاصة بعد توالي المناسبات الدينية و الاجتماعية التي تفرض مصاريف إضافية كثيرة تخل بميزانية الأسرة، سيّما و أن الأغلبية تأثروا بمصاريف شهر رمضان و عيد الفطر ثم الدخول الاجتماعي، فضلا عن الواجبات التي تفرضها العلاقات و العادات خاصة في موسم الأفراح و ما يرافقه من هدايا و مباركات نقدية تتسبب عادة في حرمان الأسر من منح أفراد العائلة فرصة الذهاب في عطلة أو ادخار بعض المال تحسبا للظروف المفاجئة. و إن كان سعر الكبش في السنوات الأخيرة تجاوز بكثير الحد الأدنى المضمون للأجور لشريحة كبيرة ببلادنا، و المقدرة ب18000دج، فإن الملفت في عيد الأضحى تهافت ذوي الدخل البسيط على شراء الكبش و منافسة الميسورين على ذلك. و قال أحد المواطنين بأنه لا يحرم صغاره من الأضحية رغم أن دخله لا يزيد عن 30ألف دج، و اعتبر نفسه محظوظا هذه السنة لأنه استطاع شراء كبش ب25ألف دج، و ليس كالسنة الماضية التي اضطر فيها لاستلاف مبلغ بقيمة 40ألف دج لشراء الأضحية، و لأن كل ما تبقى من راتبه هو 5آلاف دج فقد أسر لنا بأنه سيضطر كالعادة للاستدانة من شقيقه أو زميل له بالعمل. و قال بعض المواطنين بأنهم لا يتحملون رؤية أبنائهم يسمعون قهقهات أطفال الجيران و هم يلعبون مع الكباش أو يشمون رائحة الشواء المتطايرة من بيوت الجيران صبيحة العيد و هم محرومون من كل تلك الأجواء، الشيء الذي يدفعهم لاختيار الاستدانة أو الشراء بالتقسيط طالما توّفر ذلك مثلما قال عامل بسيط بشركة مختصة في تركيب الأعمدة الكهربائية. وذكر موظف بمؤسسة صندوق الضمان الاجتماعي بأنه لولا السلفية الخاصة بالكبش التي تمنحها مؤسستهم سنويا للعمال و التي يتم اقتطاعها بانتظام فيما بعد من راتبهم الشهري، لما تمكن عدد مهم من زملائه من توفير ثمن الأضحية أمام تراجع القدرة الشرائية، سيما أمام توالي المناسبات الدينية و تصادفها مع الدخول الاجتماعي مما حال دون تمكن الكثيرين من الادخار، مضيفا بأنه لو لم تكن لديه هذه الفرصة للجأ للاستدانة أو الشراء بالتقسيط حتى لا يحرم صغاره من فرحة العيد. المختصة في علم الاجتماع مزوز بركو حلول مزيّفة لواقع مرفوض و ترى المختصة في علم الاجتماع مزوز بركو بأن المظاهر باتت تتحكم في كل شيء حتى في الأمور ذات الأبعاد الدينية، مثلما هو الأمر بالنسبة لذوي الدخل المحدود الذين يكلفون أنفسهم فوق طاقتها و يتحملون أعباء مادية بإمكانهم تجاوزها في مثل هذه المناسبات، غير أن ما يحدث عادة هو أن من يؤكدون عدم قدرتهم على دفع تكاليف الأضحية يشترون في النهاية كباشا بالمواصفات التي يفرضها أفراد الأسرة، و بشكل خاص الأطفال، لا لشيء سوى رفض حقيقة الوضع المالي للأسرة، و محاولة الظهور في صورة المقتدر حتى لو كانت مزيّفة و قالت أن الآباء يشعرون بالحزن و الانكسار و الإهانة في حال عجزوا عن إهداء أسرهم خروفا مثل باقي الأسر، لذا يحاولون تجنيب صغارهم هذا الشعور من خلال اللجوء إلى الاستدانة أو الشراء بالتقسيط لإدراكهم لقساوة نظرة مجتمع استهلاكي يركز على المظاهر و الشكليات، و اعتبرت ظاهرة الاستدانة و الشراء بالتقسيط حلولا يلجأ إليها من يرفضون واقعهم حتى و إن كانوا يدركون بأنها حلول مزّيفة تؤزم أوضاعهم المادية. محمد سالم إمام مسجد الرحمان بالخروب أكثر الأسر تضحي لأجل اللحم و إرضاء الأبناء و ترّددت عبارة التضحية لأجل الأبناء و العائلة مرارا من قبل من تحدثنا إليهم عن أسباب لجوئهم للاستدانة و الشراء بالتقسيط و تكليف النفس أكثر من طاقتها، رغم إدراكهم لجواز عدم ممارسة الشعيرة في حال عجز رب الأسرة في شراء الأضحية، و هو ما نصح إمام مسجد الرحمان بالخروب محمد سالم من الوقوع فيه لما قد يتسبب فيه ذلك من انصراف نية المضحي عن محلها و التي يقصد من خلالها وجه الله عز و جل و ليس إرضاء الأبناء أو الزوجة و الأهل عموما مستشهدا بقوله تعالى:" لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم...". و قال محدثنا بأن الغالب على مجتمعنا اليوم أنه أصبح يهتم بالجانب الاجتماعي أكثر من التعبدي، بحيث بات الكثيرون يؤكدون بأنه لو لم يكن لديهم أطفال لما أقدموا على شراء الأضحية أو قول الزوج بأنه اشترى كبشا صغيرا لأن عائلته صغيرة و لا حاجة له بكمية لحم كبيرة، و هو ما يؤكد بأنهم لا ينظرون إلى الأضحية على أنها عبادة في المقام الأول، مؤكدا على ضرورة تثبيت النية المراد منها ابتغاء المولى عز و جل قبل اللحم و ما شابه ذلك. و بخصوص الاستدانة فقال أنها جائزة طالما أن المستدين قادر على تسديد المال دون التضييق أو التأثير على ميزانية الأسرة، و حث في سياق دي صلة على ضرورة احترام السنة و الحرص على إشراك غيره بأضحيته عبر التصدق بثلث الأضحية و إهداء الثلث الآخر للأحباب و الأصدقاء و الاحتفاظ بالثلث المتبقي لنفسه.