في الوقت الذي كان فيه الشعب الجزائري يستعد لإحياء عيد الأضحى المبارك تقربا لله عزّ و جل، وسط أجواء من الفرحة و التضامن التي اعتاد على طقوسها منذ أربعة عشر قرنا من الزمن، يسجل العالم كلّه شجاعة شابين اثنين من خيرة أبناء الشرطة الجزائرية و هما يقدمان نفسيهما الغاليتين قربانا للوطن و يضحيان بجسديهما الطاهرين من أجل أن يحيى الشعب الجزائري آمنا و مطمئنا. الشابان قدما درسا في التضحية لكل من أراد أن يخدم هذا الوطن بإخلاص و يحافظ على أمنه و استقراره و يواجه الخطر الإرهابي ببطولة نادرة و هي قمة الشجاعة التي يتحلّى بها المرء عندما يستشهد من أجل أن يحيى الغير. إن هذا السلوك البطولي ليس بغريب على أبناء هذا الشعب و أفراده الذين تشرّفوا بالانتماء لمختلف الأسلاك الأمنية و النظامية، فقد كانت التضحية بالنفس هي التي صنعت الفارق بين الحق و الباطل و انتصر فيها الشجعان الأبطال على الغزاة الظالمين، عبر التاريخ الطويل لهذا الوطن و هو يواجه مختلف التحديات الأمنية التي تريد سلبه حريته و استقلاله. فبنفس العزيمة و الإرادة التي طبعت الأعمال الجهادية لجيش التحرير الوطني في مواجهة أعتى قوة استعمارية في الحلف الأطلسي، تسلّح أفراد الجيش الوطني الشعبي و أفراد الشرطة لدحر الإرهاب و هزم أكبر مؤامرة إرهابية ضد مؤسسات الدولة الجزائرية و رموزها و إفشال محاولة ضرب المرجعية الجزائرية. إن الاعتداء الجبان على المقر الولائي للشرطة بتيارت و بغض النظر عن القوى الإجرامية التي تقف وراءه من داعش أو من غيرها، ليس هو العمل الإرهابي الأول من نوعه أو من طبيعته، فقد تكون هناك أعمال إرهابية مشابهة في المستقبل؟. لكن مآلها سيكون الفشل الذريع و المسبق لأن هناك رجال تم تكوينهم تكوينا نفسيا لائقا و تم تدريبهم تدريبا مؤهلا، سيكونون بالمرصاد لمثل هذه العمليات الانتحارية التي فشلت في قسنطينة و في مواقع كثيرة تم إبطال مفعولها قبل أن يهمّ المجرمون بفعل فعلتهم الشنيعة . هذا تمّ بفضل العمل الاستخبارتي و الوقائي لرجال أمن جنبّوا الأمة شلالات من الدماء كان الإرهابيون يريدون إراقتها عشية المناسبات الدينية التي يحرص المواطنون على إحيائها في جو من الطمأنينة و السكينة.الإرهابيون الانتحاريون و الذين يقفون وراءهم يتفرجون، لم و لن يجدوا فقط رجال الجيش و الشرطة ليدفعوا حياتهم من أجل استقرار الوطن و التضحية بأنفسهم من أجل أن يعيش العزل الأبرياء في أمان.سيجدون الشعب الجزائري برمته في مواجهة بقايا الفئات الضالة، و ما التنديد الواسع بالعملية الجبانة و الهبة التضامنية مع عائلات الضحايا و الإشادة بالبطولة النادرة للشرطيين اللّذين ضحّا كل واحد منهما بنفسه على طريقته في سبيل الله و الوطن، و هي خير تضحية عشية عيد الأضحى المبارك الذي يتقرب فيه الجزائريون إلى خالقهم على غرار الأمة الإسلامية المنتشرة في العالم كلّه. إن الأعمال الإرهابية من هذا النوع و رغم مرارتها و هي تخطف أحيانا الشجعان الأبطال من بين ظهرانينا في مناسبات دينية و وطنية غالية، تؤكد أن بقايا الإرهاب أو محاولات ركب موجة موضة الظاهرة الإرهابية العالمية تعيش أيامها الأخيرة في بلادنا بفعل الطوق المضروب عليها و غلق المنافذ أمامها و وراءها ممّا جعلها تلجأ لمثل هذه العمليات اليائسة. و لعلّ ما يبعث على الطمأنينة و الهدوء في النفوس هو أن الشعب الجزائري لم يعد يخاف الإرهابيين أو يصيبه الذعر تجاه أعمالهم الاستعراضية، و ربما من هذا الإحساس بالانتصار الوطني على هذه الآفة التي دوّخت العالم، يستمّد أفراد الجيش و رجال الشرطة قدرتهم و شجاعتهم على التضحية بأنفسهم الغالية.