موقف الجزائر المحايد من الأزمة الليبية يربك باريس أدّى الموقف الرزين الذي اعتمدته الجزائر منذ بداية الأزمة الليبية والتزامها الحياد ودعوتها إلى حلحلة الأمور بالتزام الحوار بين طرفي النزاع، إلى إرباك الدبلوماسية الفرنسية التي بذلت ما في وسعها لتصعيد الأمور رفقة بقية الدول الكبرى، ودفعت بالأوضاع إلى التأزم والتفاقم أكثر لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واستعادة نفوذها في القارة السمراء عبر ليبيا. وفي هذا الإطار جاء تصريح وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبي أول أمس الخميس، الذي قال أن موقف الجزائر "ملتبس" بخصوص النزّاع في ليبيا وعبّر عن "أسفه" لعدم اعتراف السلطات الجزائرية بالمجلس الانتقالي الليبي كممثل وحيد وشرعي للشعب الليبي، ذات المسؤول الفرنسي هو الذي صرّح منذ أيام قليلة أن تدخّل بلاده العسكري في ليبيا ومساهمتها في الضربات العسكرية- التي قتلت عشرات الليبيين وحوّلت بلادهم إلى أطلال- بأنه "استثمار" وقال أن بلاده ستجني أضعاف ما صرفته على تلك الحملة العسكرية، وعاد جوبي هذه المرة ليخرق الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها بالكشف علنا لوسائل الإعلام عن محادثات تمّت مع مسؤولين جزائريين دون علمهم أو موافقتهم، حيث أماط اللثام عن فحوى حديث تم بينه وبين الرئيس بوتفليقة بخصوص آخر تطورات الشأن الليبي. وقد جاء الردّ الجزائري على تصريحات جوبي سريعا، حيث نفى وزير الخارجية مراد مدلسي وجود أي "التباس" في الموقف الجزائري، موضحا أن السلطات مستعدة للاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي عندما يشكّل حكومة تمثيلية لكل المناطق في البلاد، وقال أن الحياد لا يعني التواطؤ مع نظام معمّر القذافي، الذي أكد مدلسي بشأنه أنه لم يطلب اللجوء إلى الجزائر وأن ذلك لم يكن خياراً له أبداً، وأوضح مدلسي أن ليبيا تعرضت لتدخل عسكري أجنبي على أراضيها وأن ذلك أرجع للجزائريين ذكريات أليمة، في إشارة إلى الحقبة الاستعمارية، وهو ما دفع بالجزائريين كما قال إلى عدم التعامل مع الأزمة الليبية على غرار تعامل بقية البلدان الأخرى معها، واعتبر أن الجزائر قالت كلمتها ضمن إطار ديمقراطي في الجامعة العربية، حيث انضمّت إلى أغلبية بلدان الجامعة العربية، وأنه عندما تم تبني اللائحة 1973 طبقتها السلطات الجزائرية "بحزم"، وأضاف أن الموقف الذي اتخذته الجزائر في بداية النزاع "راجع ببساطة لكونها أعربت عن أملها في أن تسوى القضية الليبية عن طريق السلم و دون تدخل قوة أجنبية". مدلسي، الذي حضر قمة حول مستقبل ليبيا في العاصمة الفرنسية باريس، تابع قائلا "إذا اعتبر موقف الجزائر اليوم غامضاً فلا بأس في ذلك لأنه منذ بضعة أسابيع فقط كانت الجزائر تعتبر بكل بساطة في صف القذافي، وأرى أن هناك تقدماً"، معربا عن أمله في أن تظهر الحقيقة بشأن موقف الجزائر بعد استتباب السلم وانتهاء الحرب في ليبيا . يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تقترف فيها الدبلوماسية الفرنسية مثل هذه الخطأ، حيث سبق لوزير الخارجية آلان جوبيه أن كشف خلال الأسابيع الأولى من بداية الأزمة الليبية عن حديث دار بينه وبين نظيره الجزائري مراد مدلسي الأمر الذي جعل الخارجية الجزائرية تنتقد علنا سلوك الوزير الفرنسي موضحة بأن الإدلاء بما جرى في حوار بين طرفين يقتضي عقد ندوة صحفية مشتركة أو بيان وليس تسريبات للصحافة.