تلتئم الثلاثية بأطرافها الحكومة، المركزية النقابية و منظمات أرباب العمل، في الأسابيع القليلة القادمة كما أمر بذلك رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لدراسة تداعيات الأزمة الاقتصادية و المالية الحالية على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، ورسم خطة العمل للمستقبل. أضحى عقد قمة لأطراف الثلاثية في أقرب الآجال أمرا ضروريا في الظرف الحالي لمناقشة سبل التعامل مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن تفشي وباء كورونا كوفيد 19 وكذا التراجع الكبير في أسعار النفط منذ أسابيع، وما تركاه من تداعيات في هذا الجانب. وقد أمر رئيس الجمهورية في الاجتماع ما قبل الأخير لمجلس الوزراء بالتحضير لهذا اللقاء وعقده في الأسابيع القادمة، مذكرا بفضائل الحوار والتشاور التي تبقى الحكومة تنتهجها دائما لحل جميع الإشكالات الاجتماعية و الاقتصادية العالقة. وتفرض الثلاثية نفسها اليوم بالنظر للظرف الصحي الذي تمر به البلاد، والذي افرز وضعا اجتماعيا صعبا مس كل الفئات الاجتماعية بدرجة أو بأخرى، فنحن نقترب اليوم من مدة الشهرين على فرض التدابير الخاصة بغلق المحلات التجارية وتوقيف حركة النقل بصورة كاملة وغلق المطارات والموانئ وغيرها، في إطار التصدي لانتشار وباء كورونا، قبل الوصول إلى فرض الحجر الصحي الكلي على ولاية البليدة في بداية الأمر والحجر الجزئي على كامل ولايات الوطن في مرحلة لاحقة. و قد خلفت هذه الإجراءات العديد من التداعيات والآثار الاقتصادية والاجتماعية المباشرة على المواطن والعامل البسيط، و لكن أيضا على التاجر وصاحب المؤسسة الصغيرة منها والمتوسطة والكبيرة، ومن هذا المنطلق صار من الضروري اليوم أن يجتمع الفاعلون في الساحة، أو الشركاء لدراسة ومناقشة سبل التصدي لهذا الوضع الناجم عن القرارات الصحية سالفة الذكر. و نشير هنا أن الإجراءات الخاصة بالتصدي لجائحة كورونا التي اتخذتها الدولة كانت مرفقة بتدابير أخرى لمساعدة العائلات أو الفئات الأكثر هشاشة، والتي جسدتها الحكومة في الميدان وما زالت تقوم بها إلى حد اليوم للتخفيف من وطأة الوضع الجديد، وكان آخرها رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون، وإلغاء الضريبة على الذين يقل راتبهم أو يساوي 30 ألف دينار، فضلا عن إجراءات أخرى للحفاظ على ميزانية الدولة وتسييرها بحكمة وترشيد. وفي نفس السياق لابد من الإشارة كذلك للتعليمة التي أصدرها الوزير الأول، بأمر من رئيس الجمهورية، لكافة القطاعات الوزارية من أجل فتح لقاءات تشاورية مع الشريك الاجتماعي في كل قطاع للتحاور والتشاور حول ظروف المرحلة، و التوافق حول سبل تجاوزها والحفاظ على استقرار المؤسسات في هذا الظرف الحساس. إلا أن اللقاء بجميع الشركاء الاجتماعيين منهم والاقتصاديين والسماع لمقترحاتهم وتحاليلهم يفرض اليوم نفسه، من أجل الخروج بتصور توافقي شامل يعمل الجميع على تجسيده في الميدان في الأشهر القادمة، بغية التصدي لمشكلة أزمة التمويل المالي الحادة التي تمر بها البلاد بسبب تراجع المداخيل الناتجة عن انهيار أسعار المحروقات في السوق العالمية. وإذا كانت اهتمامات الشريك الاجتماعي التقليدي المتمثل في المركزية النقابية في ظل هذا الوضع تتمثل في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن والعامل البسيط، التي تدنت نوعا ما متأثرة بالوضع الاقتصادي العام، والحفاظ على مناصب الشغل و صحةالمؤسسات، بعد قرابة الشهرين من توقف العمل في بعض منها، فإن للشريك الاقتصادي المتمثل في منظمات أرباب العمل هو الآخر اهتمامات وانشغالات كون المؤسسة الاقتصادية الخاصة تأثرت هي كذلك بالوضع الذي فرضه على الجميع انتشار فيروس كورونا، حيث أغلقت البعض منها أبوابها و قلص بعضها وتيرة العمل إلى الأدنى ما نتج عنه تراجع في الإنتاج وبطبيعة الحال تراجع في المداخيل. وفي هذا الصدد قال رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، سامي عقلي، من جانبه أول أمس أن 80 بالمائة من المؤسسات تضررت جراء أزمة كورونا وعليه دعا إلى اعتماد قروض دون فوائد من أجل الحفاظ على مناصب الشغل بهذه المؤسسات، وشدد على ضرورة أن ترافق البنوك الشركات المتضررة من انتشار كوفيد 19، لتجاوز هذه المرحلة، واستعجل ضرورة الذهاب نحو تجسيد نموذج اقتصادي جديد وتحرير الاستثمار ورفع القيود البيروقراطية ورقمنة و إصلاح المنظومة البنكية. وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد أكد في أكثر من مرة التزام الدولة بالتكفل بالفئات ضعيفة الدخل والحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة، ورافع في نفس الوقت من أجل نموذج اقتصادي جديد يقوم على الشفافية وإشراك أصحاب رأس المال النظيف و رجال الأعمال النزهاء ومساعدتهم للمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني وبعثه، و شق الطريق نحو التحرر من التبعية للمحروقات، و أمر أيضا بإنشاء البنوك المتخصصة واعتماد الصيرفة الإسلامية وغيرها في محاولة للقفز بالاقتصاد الوطني نحو أفق آخر وتجاوز عقبات العجز المالي وتداعيات كورونا. واليوم فإن كل هذه الملفات والقضايا ستناقش على مستوى الثلاثية التي ينتظر عقدها في الأسابيع القليلة القادمة والتي من الممكن أن تشارك فيها كذلك النقابات