بين سطيف والفلاحة قصة حب لاتنتهي، وروابط حميمية ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، حيث ظلت ومنذ نشأتها الأولى فضاء خصبا واسعا لمختلف الطقوس المرتبطة بعالم الفلاحة والتي امتزجت فيها الحقيقة بكثير من الأساطير، وقد تجسد ذلك في العديد من الأغاني الشعبية المستمدة من الطابع "الصراوي" الذي تشتهر به المنطقة... إن سطيف ومنذ نشأتها من طرف الأمبراطور الروماني "نيرفا" في سنة 57 ميلادي، حملت اسم "سيتيفيس" وهي كلمة رومانية اشتقت من الكلمة الأمازيغية "أزديف" التي تعني التربة السوداء الخصبة، باعتبارها كانت قبل الاحتلال الروماني البوابة الغربية للهضاب العليا القسنطينية خلال حكم الدولة النوميدية، وقد ظلت ولفترة طويلة من الزمن بمثابة خزان القمح الذي تأكل منه روما القيصرية. إن الطابع الفلاحي للمنطقة لم يتغير كثيرا، ذلك أن الولاية التي يغلب الطابع الريفي على سكانها بنسبة %66، تتوفر حاليا على مساحة مخصصة للفلاحة تقدر ب 560.900 هكتارا، وهو ما يمثل نسبة %85 من المساحة الاجمالية للولاية، المقدرة ب 654.987 هكتارا، وزيادة على ذلك فإن 45 بلدية من مجموع 60 بلدية التي تتشكل منها حاليا هي بلديات ريفية حسب مؤشر عدد السكان القاطنين في الوسط الريفي و54 بلدية ريفية حسب مؤشراليد العاملة في القطاع الفلاحي وانطلاقا من هذه المكانة الاستراتيجية، فقد استفادت في السنوات الأخيرة من مبالغ مالية ضخمة ضمن مختلف برامج التنمية الفلاحية ساهمت بشكل كبير في ترقية الإنتاج الزراعي وتحسين معيشة الفلاحين. 103 مليار دينار لإنجاز مشروع التحويلات الكبرى يقضي مشروع التحويلات الكبرى الذي يعد من أكبر المشاريع التي استفادت منها ولاية سطيف منذ الاستقلال بتحويل كميات معتبرة من المياه تقدر ب 313 مليون مترا مكعبا انطلاقا من ولايتي جيجلوبجاية المجاورتين وهذا من أجل تغطية الاحتياجات في مجال التزود بالمياه الصالحة للشرب لمعظم التجمعات السكانية المنتشرة عبر تراب الولاية، بالإضافة إلى سقي أزيد من 36000 هكتارا من الأراضي الزراعية. المشروع الذي وضع حجره الأساسي رئيس الجمهورية خلال سنة 2007 ورصد له غلافا ماليا إجماليا يقدر بمليار دولار أو ما يعادل 103 مليار دينارا تم إسناد أشغال إنجازه لمؤسسات وطنية وصينية وتركية وهي المؤسسات التي باشرت عملها منذ شهر أفريل 2008، وقد حددت مدة الانجاز ب 35 شهرا. وحسب مصالح مديرية الري فإن نسبة الانجاز تتراوح حاليا بين20 و30% على مستوى التحويلين الشرقي والغربي، مع العلم أن التحويل الشرقي يهدف إلى ضمان تزويد أزيد من 920 ألف نسمة موزعين عبر 12 تجمعا سكانيا، وذلك انطلاقا من سد "إيراغن" بولاية جيجل باتجاه سد "ذراع الديس" الذي تجري أشغال انجازه حاليا، وذلك بطاقة تقدر ب 131 مليون مترا مكعبا. التحويل المذكور الذي تقوم بإنجازه المؤسسة التركية "مابا" يقضي بجر المياه على مسافة 60 كلم من القنوات الفولاذية، بالإضافة إلى إنجاز خمس محطات لضخ المياه، أما التحويل الغربي فهو يهدف أساسا إلى تحويل أزيد من 132 مليون مترا مكعبا من المياه من سد "إغيل امدا" الكائن بولاية بجاية باتجاه سد "الموان" الذي تجري أشغال انجازه شمال مدينة سطيف من طرف مؤسسة "كوسيدار"، وذلك على مسافة 24 كيلومتر من القنوات، وثلاث محطات ضخ للمياه. كمية المياه التي سيتم تحويلها ستسمح بضمان تزويد أزيد من 700 ألف نسمة عبر 13 بلدية، وذلك بصورة دائمة ومنتظمة إلى غاية حدود آفاق سنة 2030. مكاتب دراسات أجنبية لتهيئة محيط السقي إن أهمية مشروع التحويلات الكبرى لا تتوقف على ضمان تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب، بل تكمن أيضا في سقي أزيد من 36 ألف هكتار عبر منطقتي سطيف والعلمة، ومن ثمة الرفع من نسبة المساحات المسقية على مستوى الولاية والتي لا تتعدى حاليا 23 ألف هكتار وفي هذا السياق تم إسناد مشروع تهيئة محيط السقي إلى مكاتب دراسات فرنسية واسبانية بغلاف مالي يفوق 23 مليار سنتيم. وحسب مصالح مديرية الفلاحة فإن هذه العملية ستساهم مستقبلا في رفع نسبة مردود الهكتار، ومضاعفتها مع إمكانية الوصول إلى إنتاج 50 قنطارا من الحبوب في الهكتار الواحد، و300 قنطارا من البطاطا في الهكتار الواحد، بالإضافة إلى ترقية وتحسين القدرات من البطاطا في الهكتار الواحد، بالإضافة إلى ترقية وتحسين القدرات الانتاجية في العديد من الأنشطة الفلاحية الأخرى . آفاق تنمية القطاع بعد إنجاز التحويلات الكبرى استفاد قطاع الفلاحة بولاية سطيف من اعتمادات مالية ضمن المخطط الخماسي 2010-2014 تقدر بأزيد من 25 مليار دينارا، ستوجه خصيصا لتكثيف وتحسين الانتاج، وتعزيز قدرات الولاية في إطار عقود النجاعة المبرمة مع الوزارة الوصية، وفي هذا السياق ينتظر أن يعرف النمط الزراعي الحالي الذي يعتمد أساسا على الأمطار، تغييرا جذريا بعد الانتهاء من مشروع التحويلات الكبرى وذلك بالتحول الى دورية ثلاثية أو رباعية بعد أن كان يرتكز على دورية ثنائية كانت تقوم على الزراعة والتعطيل بالتناوب في انتظار تساقط الأمطار. النمط الجديد الذي سيتم خلاله الغاء التعطيل بصفة نهائية سيسمح للولاية بالوصول اى تحقيق انتاج يفوق أربعة ملايين و395 ألف قنطار من مختلف الحبوب في السنة أي بزيادة تقدر ب 50% عن الانتاج الحالي ومن ثمة القفز من المرتبة الرابعة وطنيا التي تحتلها حاليا الى المرتبة الأولى مع العلم أن انتاج الحبوب قفز من 580 ألف قنطار سنة 1999 الى 2 مليون و300 ألف قنطار في سنة 2009 ومن المنتظر أن تعرف الولاية وبالنظر لمساحاتها الفلاحية الشاسعة التي تقدر بأزيد من 361.000 هكتارا، ارتفاعا محسوسا في انتاج الأعلاف والبقول والخضروات والأشجار المثمرة وغيرها. مصالح مديرية الفلاحة تتوقع أيضا أن يقفز انتاج مادة البطاطا من 500 ألف قنطار خلال سنة 2009 الى أزيد من 800 ألف قنطار في آفاق سنة 2014 ومن ثمة ضمان احدى المراتب الثلاث الأولى على المستوى الوطني. سطيف الأولى وطنيا في انتاج الحليب تحتل ولاية سطيف حاليا المرتبة الأولى وطنيا في جمع وانتاج مادة الحليب بأزيد من 188 مليون لترا سنويا وهي تطمح للوصول الى تحقيق أزيد من 255 مليون لترا في السنة خلال المخطط الخماسي الجاري خاصة وأن كل عوامل النجاح متوفرة يأتي في مقدمتها عامل الثروة الحيوانية حيث تتوفر الولاية حاليا على 113 ألف بقرة منها 65 ألف بقرة حلوب، زيادة على عدد كبير من وحدات تحويل الحليب عبر مختلف المناطق منها ثلاثة معامل تم انجازها مؤخرا بطاقة اجمالية تفوق 20516 مترا مكعبا كما ان انتاج اللحوم الحمراء وصل خلال السنة الفارطة الى 95 ألف قنطار. قفزة نوعية في انتاج العسل عرف نشاط تربية النحل خلال السنة الفارطة زيادة معتبرة تقدر بأزيد من 137% من خلال اضافة 18000 خلية جديدة سمحت بتحقيق انتاج اجمالي وصل الى 100 أل كيلوغرام، حيث بلغت الزيادة في عدد الخلايا ب 166.35% ونسبة الزيادة في عدد المربين ب 150% الانتاج المذكور الذي مكن الولاية من احتلال المرتبة الثامنة وطنيا ينتظر أن يتضاعف خلال السنوات القادمة، وذلك بالنظر للاقبال المتزايد على هذا النشاط بالنظر لأهميته الاقتصادية، وفي هذا السياق تتوقع المصالح الفلاحية أن يتضاعف أيضا عدد النحالين الذي يقدر حاليا ب 1200 نحالا أغلبهم تتوفر فيه شروط المعرفة والمهارة في هذا الميدان من خلال التقنيات الحديثة التي اكتسبوها، وزيادة على ذلك فإن التنوع البيولوجي الذي تتمتع به الولاية ساعة كثيرا على تطوير وترقية الانتاج. نحو تجديد غراسة الزيتون على مساحة تفوق 3700 هكتارا يسعى القائمون على قطاع الفلاحة بالولاية خلال المخطط الخماسي الجاري الى تجيد غراسة اشجار الزيتون بالمناطق الشمالية على مساحة اجمالية تقدر ب 3700 هكتارا على المديين المتوسط والبعيد، زادة على انجاز تسع معاصر جديدة، وهذا بغرض رفع طاقة الانتاج الحالية. الولاية التي تحتل المرتبة الرابعة وطنيا في انتاج الزيتون عرفت قفزة نوعية في ارتفاع المساحات المغروسة، والتي ارتفعت من 17 ألف هكتار سنة 1999 الى 25 ألف هكتار خلال السنة الجارية بالاضافة الى اعادة الاعتبار لقرابة 300 هكتارا من الأشجار بالموازاة مع ذلك تدعم القطاع بأربع معاصر حديثة بطاقة اجمالية تقدر ب 64 قنطارا في الساعة، بالاضافة الى انشاء وحدة لنزع نواة الزيتون بسعة 40 كيلوغرام في الساعة، مع العلم أن الولاية تتوفر حاليا على أزيد من 15 نوعا من الزيتون تنتج كميات معتبرة من الزيوت من مختلف الاصناف. وتجدر الاشارة أن مشروع التحويلات الكبرى الذي يهدف الى مضاعفة الانتاج الفلاحي الى أكثر من خمس مرات على ماهو عليه حاليا، وضمان تزويد معظم البلديات بالماء الشروب، فإنه ينتظر أن يوفر أزيد من 100 ألف منصب عمل منها 36000 منصبا دائما وهذا من خلال الاستغلال الاضافي للمساحات الفلاحية الكبرى وخلق مجمعات تجارية وصناعية صغيرة وتحويل المنتجات الفلاحية الأمر الذي سيسمح بالحد من ظاهرة النزوح الريفي نحو المناطق الحضرية، وتحسين مستوى معيشة الفلاحين.