انتشرت مؤخرا قنوات تعليمية عديدة عبر المنصات التفاعلية على غرار يوتيوب و فيسبوك، يشرف على الكثير منها أشخاص بينهم أساتذة و هواة، و تلقى متابعة من قبل تلاميذ و حتى أولياء ، رغم التحذيرات من محتواها الذي يؤكد أساتذة بأنه يتضمن أخطاء فادحة، تم تسجيلها بعدد من القنوات، التي يسلم تلاميذ بنجاعتها لدرجة التشكيك في مستوى أساتذتهم، ما خلف مشكل ثقة بين التلميذ و الأستاذ و جعل التفريق بين المواقع المفيدة و المفخخة أمرا صعبا في ظل هيمنة من يصفهم معلمون ب «سماسرة التعليم». اسماء بوقرن استغل أساتذة نظاميون منذ أكثر من خمس سنوات الفضاء الافتراضي لتقديم الدعم للتلاميذ عن بعد، و حققوا الانتشار بفضل ما يقدمونه كما أصبحوا مرجعا مهما خلال الجائحة لدرجة أن عددهم ارتفع بشكل قياسي، بعد دخول «دخلاء» على الخط كما أكده متابعون، إذ راجت قنوات و صفحات استغلت غطاء التعليم لتحقق ربح تجاري، و خلقت منافسة غير شريفة، للوصول إلى الشهرة وتحقيق الانتشار عن طريق جمع أكبر عدد من الإعجابات و التعليقات و المشاهدات، على المواقع التفاعلية. ومن بين هؤلاء من يعتمدون على الفيديوهات المباشرة كتقنية تساعد على رفع عدد المتابعين بشكل سريع ، حيث يطل صاحب صفحة تعليمية على متابعيه بمئزر أبيض و بيده كراسة، فيما يظهر آخر بقميص كتب على ظهره « الفيزياء مع الأستاذ الكريم»، و يبدأ أصحاب هذا النوع من المحتوى فيديوهاتهم بطلب المتابعة و التعليقات و الإعجابات و لا يعتمدون على هذه الطريقة فقط في استمالة التلاميذ، بل يستخدمون أيضا عبارات مثيرة و مفخخة و كلمات تقدمهم على أنهم الأبرع و أنهم يملكون سر توليفة النجاح المضمونة. النقل المباشر لرفع عدد المشاهدات و من أبرز العناوين التي يتم اختيارها لمثل هكذا فيديوهات تكون مباشرة في العادة نجد « ملخص للفيزياء خفيف ظريف»، و هي عبارة مستخدمة بكثرة في قناة أستاذ يقدم حصص مادة الفيزياء، ويحظى بأكثر من 194 ألف متابع، فيما تشتهر قنوات أخرى بين التلاميذ على أنها الأفضل وأنها تعوض الدروس داخل القسم، بينها ما بلغ في غضون 10أشهر فقط 38 ألف متابع، و تروج لمحتواها من خلال عناوين من قبيل «وداعا لمشكل حساب الارتفاع في كل الحالات المتوقعة»، « لا تذهب للامتحان قبل مشاهدة الفيديو»، «كيف تحل أي تمرين في مادة الميكانيك». و تستعمل قنوات أخرى أسلوب التهكم و المزاح كطريقة تعليمية، لدرجة أن قناة عمرها أربعة أشهر استقطبت أكثر من 32 ألف متابع بفضل هذا الأسلوب، و إلى جانب هذه التقنيات هناك طرق ترويجية مدروسة لتوسيع دائرة الشهرة تتمثل في اعتماد نماذج عن تلاميذ تحسن مستواهم و تحصيلهم العلمي بفضل القناة، أو أن يؤكد صاحب القناة مرارا بأن ما يقترحه من مواضيع سيكون على ورقة الامتحان دون شك و هو أكثر ما يشجع التلاميذ على متابعته. قنوات تستهوي المترشحين الأحرار لاحظنا من خلال التعليقات الموجودة أسفل المنشورات و الفيديوهات التابعة لهذه القنوات وصفحاتها، أن التلاميذ الذين يدرسون عن بعد و المترشحون الأحرار في الامتحانات المصيرية، هم أكثر من يتابع هذا النوع من المحتوى التعليميي، حيث يطلبون توضيحات و يطرحون أسئلة حول حلول المعادلات و التمارين و غيرها، أو يؤكدون، بأنهم لم يتمكنوا من فهم الدرس بمفردهم هم بحاجة إلى مزيد من الشرح، و من التعليقات الشائعة و الأكثر تداولا ننجد « أستاذ الله يحفظك كثر لنا من تمارين الناقلية و المنحنيات و التراكيز ومعادلات التشرد و نحن في الانتظار»، أو « أستاذ نريد أيضا موضوعا مقترحا للاختبار و ركز لنا على الناقلية و كيفاش نحولوا الوحدات و شكرا جزيلا»، كما يعقل آخرون «أستاذ من فضلك ديرلنا تمارين عن عبارة طاقة مرونية لتتحل بمميز دالتا وكل أسئلة حول بيان نظرية و كذا تمارين فيهم المنحنى نهار الأحد عندي اختبار». فيديوهات تعوّض الأساتذة و الكتب كما يعد التلاميذ النظاميون من المتابعين الأوفياء لهذه القنوات، ففي حديث مع لؤي، و هو تلميذ مقبل على اجتياز شهادة التعليم المتوسط، قال بأنه متابع دائم لهذه القنوات لكونه يجد صعوبة أحيانا في حل التمارين بمفرده في البيت لذلك يلجأ إلى ما أسماه بالأساتذة الافتراضيين الذين يشرحون كل تمرين على حدا و يقدمون إجابة مفصلة. أما نور اليقين و هي تلميذة في نفس الطور، فقد أرجعت سر متابعة زملائها لهذه الصفحات، إلى أنها تعوض الأستاذ في نظرهم، خاصة و أن الفيديو متاح للمشاهدة عدة مرات، إلى أن يستوعب التلميذ الدرس، كما توفر الفيديوهات المباشرة حسبها تفاعلا آنيا بين لأستاذ و التلميذ، إذ لا يتحجج هؤلاء الأساتذة حسبهم بضيق الوقت و طول البرنامج كي لا يعيدوا الشرح. و قالت ولية أمر تلميذين في الطور الابتدائي و المتوسط للنصر، بأن هذه القنوات فرضت نفسها، لوفرتها سواء على يوتيوب أو فيسبوك، كما أن عناوينها تثير الاهتمام و محتواها مناسب للأولياء الذين يجدون صعوبة كبيرة في مرافقة و دعم أبنائهم، مؤكدة بأنها تعمد عليها منذ أربع سنوات، و تراها مجدية، غير أنها تلقت ملاحظات خلال العام الدراسي الماضي من قبل أستاذة ابنها، بخصوص أخطاء في حل بعض التمارين و أن الطريق المعتمدة في الحل لم تدرس في القسم، إذ حذرتها معلمة من الاعتماد على بعض هذه القنوات و نصحتها بأخرى لأساتذة يعرفون بمستواهم الجيد. فيما أضاف ولي تلميذ، بأنه يجد في هذه القنوات بديلا عن الكتب الخارجية، قائلا، بأنه استغنى عن شرائها لأبنائه هذا الموسم، مادام هناك أستاذة يقدمون حلولا لكل التمارين و شرحا مفصلا لمختلف الدروس في كل المواد، خاصة في ظل توفر الإنترنت، وفي ذلك ادخار للمال مع ذلك فقد أقر بعدم إدراكه لما يكرس من أخطاء تعليمية في مثل هذا المحتوى،لأنه ليس متعلما. * أميمة لوكيا أستاذة مادة العلوم الطبيعية مغالطات تعليمية خلقت مشكل ثقة بين التلميذ وأستاذه أكدت أميمة لوكيا، أستاذة مادة العلوم الطبيعية بثانوية قعاص عياد بعلي منجلي بقسنطينة، بأن الانتشار الكبير للصفحات و القنوات التعليمية كشف عن وجود هواة بعباءة أستاذ، يقدمون دروسا دورية، من خلال عرض منشورات و التركيز على مقاطع فيديو مباشرة تقدم الشخص و هو يشرح الدرس و يقوم بحل تمارين، فيسارع المهتمون إلى مشاهدة هذه المقاطع أملا في أن تقدم لهم إضافة معينة، كما أن هناك من التلاميذ من أصبحوا مدمنين حسبها، على متابعة هذا المحتوى و يرون بأنه بديل عن الأستاذ، لدرجة المقارنة بين ما يقدم على يوتيوب و ما يدرس في القسم. وأوضحت المتحدثة، بأنها تفاجأت عند مشاهدة بث مباشر لشرح درس في مادة العلوم، من المحتوى المقدم، حيث سجلت كما هائلا من الأخطاء، بداية الخلط بين المفاهيم فمثالا رصدت في درس عن الانقسام أخطاء فادحة في المراحل و في الرسم، إذ قدم صاحب الفيديو في درسه عن الانقسام الخيطي المتساوي، رسما يخلط بين الكروماتين و الكروماتيد، و هو خطا فادح، كما لاحظت أخطاء في تمارين لتلاميذ البكالوريا يخص رسم تخطيط لمراحل الاستنساخ. و المؤسف حسب الأستاذة، أن هناك تلاميذا تبنوا هذه المعلومات الخاطئة، و يسلمون بصحتها بالرغم من حرص الأستاذ على تصحيحها بطرق علمية، موضحة، بأنها تفاجأت بأحد التلاميذ يحاول إقناعها بأن ما قدمته خاطئ، أضف إلى ذلك أن هناك نشطاء يقدمون معلومات خارجة عن المنهاج الدراسي يتسبب في إرباك التلاميذ و يشعرهم بأن الأستاذ مجحف في حقهم و لا يزودهم بكل المعلومات، ما أثر على علاقة الثقة داخل القسم، و هو ما ينعكس من خلال طرق الإجابة في الامتحانات و الفروض. و قالت المتحدثة، بأن من يرتكبون هذه الأخطاء هم في الغالب أشخاص درسوا تخصصات علمية، غير أنهم لا يشتغلون في حقل التعليم. * عبد الواحد زغودي أستاذ مادة الفيزياء دخلاء انتحلوا صفة معلم لأجل الربح قال من جهته، عبد الواحد زغودي، أستاذ مادة الفيزياء بثانوية الأخوين لكحل، بأن هناك قنوات و صفحات تعليمية تقدم محتوى مدروسا يتماشى مع المنهاج، و هي فئة قليلة تمثل منتسبين لقطاع التربية، هدفهم تعليمي بحث، لكن هناك حسبه، دخلاء انتحلوا صفة المعلم لتحقيق الربح، و هو ما وقف عليه في صفحات و قنوات خاصة بمادة الفيزياء يسيرها أشخاص درسوا التخصص لكنهم غير مؤهلين لتدريس المادة، ما تسبب في ترويج مفاهيم فيزيائية خاطئة و حتى ارتكاب أخطاء في تطبيقات القوانين، و تقديم دروس بطريقة خاطئة تختلف تماما عن المقرر الدراسي المعتمد. أضف إلى تقديم دروس غير مدرجة في البرنامج أي في التدرجات المسطرة من قبل الوزارة، و المؤسف أنها تكون أحيانا إضافات خاطئة، تشوش ذهن التلميذ و تحدث مشكل ثقة بينه و بين المدرسة. و قال ، بأن من يقدمون هذا المحتوى، يعتمدون على أسلوب ترغيب قائما على الطرافة و البهرجة واستعمال الدارجة و الصوت المرتفع في تقديم، و هو محتوى مفخخ. و بخصوص تأثير ذلك على التلاميذ و على تحصيلهم العلمي، أوضح، أن التأثير يتضح أكثر عند إجراء الامتحانات خاصة بالنسبة لسنتي الثالثة و الرابعة متوسط إذ ينصح التلاميذ بالاعتماد على مصدر موثوق للمراجعة لتفادي الوقوع في فخ المعلومات المغلوطة. * أستاذ الهندسة الميكانيكية شفيق عبد العالي محتالون شوّهوا صورة المحتوى التعليمي وأضاف عبد العالي شفيق، أستاذ الهندسة الميكانيكية بثانوية سمية بقسنطينة، بأن هناك محتالين لطخوا صورة التعليم الافتراضي، الذي كان يقدم من قبل أساتذة أكفاء، قبل أن يدخل من وصفهم بالسماسرة على الخط، ليستغلوا هذه الرسالة النبيلة لتحقيق ربح مادي. وقال بأنهم يسيرون في الغالب صفحات خاصة بالمواد العلمية و كذا اللغات الأجنبية، مشيرا إلى أنهم أشخاص يملكون شهادات جامعية غير أنهم لا ينتمون للمنظومة التربوية، و هدفهم الأسمى كسب الثقة ليس لرفع عدد المتابعين فقط و إنما لتشجيع التلاميذ على الالتحاق بالدروس الخصوصية التي يقدمونها في الواقع. و أردف المتحدث، بأن هذه الصفحات تنشط بكثرة على أنستغرام، بوصفه الموقع المفضل للمراهقين، لهذا يستغله هؤلاء لنشر إعلانات مثيرة يروجون من خلالها لأنفسهم عن طريق ضمان المتابعة عن بعد و التأكيد على تحسن التحصيل العلمي، كما يعتمدون على نماذج «ناجحة» في نظرهم، كأسلوب للإقناع و هي طريقة يعتمدها محتالون على حد وصفه، تحت غطاء التعليم مؤكدا، بأن الأستاذ الحقيقي لا يقوم بتصرفات منافية للمهنة و لمبادئه. و دعا التلاميذ، إلى الأخذ بتوجيهات الأستاذ داخل القسم و طلب توجيهه بخصوص المواقع التعليمية المفيدة، كما حث الأولياء على مرافقة الأبناء لتفادي الوقوع في فخ المعلومات المغلوطة.