الثورات التي لا يصنعها التنوير ستظل مجرد نزوة خالد ساحلي من المثقفين الجزائريين المهمشين ، يفسر معنى الحرية التي لا تحدث حسب رأيه إلا من خلال ثورة داخلية نفسية متطلبة لعنصر الحداثة الذي يلزم الجميع بمسايرة أحداث العالم و الإحاطة بكل ما يدور في فلك السلطة أو ما تتعامل به العامة من أخلاق أو من خلال الوعي والسلوك التقينا به مؤخرا فكان لنا معه هذا الحوار . خالد ساحلي كيف يعرف نفسه ؟ كاتب يحب أن يكتب أو يحاول ، قصّاص قال النقاد ذلك في كثير من مقالات و مداخلات، روائي كلمة سمعتها كثيرا من أفواه روائيين أحترمهم و أجّلهم فقبلتها، في الأخير إنسان أراد به القدر أن يكون شاهدا و ناقلا لما يحدث في هذا العالم البهيمي المتوحش. ولدت متمردا بالفطرة على الوضع القائم المزري، نشأت كباقي أطفال الجزائر ، حفظت أجزاء من القرآن بالأذن دون لوحة وصلصال، دون فلقة ودون أن يدفع أبي نفقة تعليمي، ذلك أني كنت أتعلم القرآن عن طريق استراق السمع من نافذة الكتاتيب، من يومها سحرتني اللغة سرقتني من نفسي ، صرت أسيرها إلى اليوم . دون تفاصيل مملة إنسان يتوجس الخوف و الأمل معا في كينونة في مسيرة تأكيد الذات و تحقيق الذات الأخرى. تاريخي مع الكتابة طويل هو تاريخ الأمل و الألم على حد سواء، انفتاح الجرح الذي لا يبرأ ، لن أتكلم عن مشواري الدراسي لأنه مضيعة للوقت ولا عن تخصصي في الفنون الدرامية التي قال لي أبي يوما هذا الدبلوم لن يمنحك الخبز، لن أتكلم عن عملي كمراسل صحفي ومتعاون صحفي وكيف ضاعت الحقوق، وكيف تم تهديدي يوما من طرف مسؤول حين كتبت ورقة عن الشباب المحقور و التائه، لن أتحدث عن رسائل وصلتني عبر البريد الالكتروني تطلب مني التوقف عن الكتابة لأنني أحرض الناس من خلال مقالاتي و قصصي و بعض أشعاري، لن أتكلم عمن يبصق علي كلما رآني لأني تكلمت عن أسماء الشهداء التي لا تحترم والموضوعة على لوح إسمنتي يتزحلق فوقه الصغار ويلعب تحته الشباب الأوراق و الديمينو في ليالي الصيف ، ولا عن رئيس البلدية الذي كلمته عن بعض الأحجار الرومانية الضائعة المكتوب عليها بعض الرموز كيف ضحك علي ، ولا عن رئيس بلدية يقسم بأغلظ الإيمان أنه سيحرمني من كل حقوقي مادام في منصبه بمجرد أن تتضامن مع الضعفاء و تمتص غضب بعض الشباب الذي قد يتحول إلى فيضان، لا يريدونك مثقفا و لا مواطنا صالحا تعلمهم أن الجزائر ليست ملكية خاصة بهم ، ومع هذا بقيت وفيا للقلم الألم لكنها الكتابة دودة العقل و الإدمان، إنني أحلم في وطن الأولوية فيها للواشي على حساب المتعلم ، الأولوية فيها للمتنكر لثورة العربي بن مهيدي على جلاده ، لأولاد المسؤولين الذين عاثوا فسادا على حساب الكاتب و المتنور ، مع هذا لست يائسا من غد مشرق، واثق أنا سينصفنا الوطن يوما ما، لست وحدي الذي يعاني هذا بل مثلي كثيرون. الحكاية الزائدة عن الليلة الألف ، قصة يحملها عنوان مجموعة قصصية؟ هي المجموعة القصصية التي لقت ترحيبا واسعا في الجزائر و في الوطن العربي وكتب عنها أكثر من كاتب منهم الدكتور سفيان زدادقة وكانت مذكرة تخرج لبعض طلبة جامعة جيجل، هي القصة التي أختلط بها الواقعي بالغرائبي، الحقيقة بالوهم لأجل إيصال الفكرة ومعالجة الواقع بتفصيلاته من خلال تماهيه مع واقع متباعد في زمان متباعد متقارب، هي سيرة الكثيرين الذين أحملهم داخلي، كثير منهم محب كثير منهم مضحي كثير منهم مظلوم و مكلوم، كثير منهم ضحايا وجلادين، كثير منهم استوطنني ليحكي حكايته مع الاستبداد والقهر و البيروقراطية، ليحكي حكايته مع المتمسلمين الذين يقتاتون بآيات الله و يصدون عن السبيل، اللاهثين وراء سياط المال و القوة والرفاهية هؤلاء الذين يكفّرون و يحلّلون الذين جعلوا تقية الدين غطاء لأجل تحقيق متاع الدنيا القليل. كثير من الأشخاص داخلي بإرادتي أو بغيرها دخلوا أحداث قصصي ليستنصروا من خلالها، مثقفين لم يجدوا نافذة الاعتراف بأخطائهم و بيعهم لأنفسهم تكلموا من خلالي و استراحوا. ملخص الحكاية الزائدة عن الليلة الألف هي مجموعة قصصية سافر فيها الأقدمون ملوكا ووزراء ، بعثوا من قبورهم بندمهم و أعلنوا خبثهم وانصرفوا في سلام، ببساطة هي المرآة التي تخدش الحياء وتنتصر للضعفاء. ولوحات واشية و جحيم تحت الثياب؟ لوحات واشية تدخل ضمن التجرية الحديثة للنص والتي يصعب إقحامها ضمن الشكل القصصي المعهود وهذه التجربة الحميدة التي انتهجتَها اغتنت ضمن تجربة قصصية شرق أوسطية، ولم تتطوّر بالشكل المطلوب مغاربيا إلا عبر تجربتين أو ثلاث تعدّ تجربتي إحداها كما وصفها بعض النقاد. . قصصي تبدو في شكل فكرة فلسفية: في شكلها ومضمونها- أكثر منها فكرة قصصية في شكلها. لجأت في لوحات واشية إلى تغييب جنس الكتابة ، عبارة قصص أو قصة قصيرة جدا ، فكتبت ما يشبه الومضة الفلسفية الواقعية، المشهد ، الفلاش. تخلّصت من مسؤولية تحديد النصّ تاركا المجال للقارئ كي يستريح في كلّ مرة ضمن شكل النصّ ، دون أن أكون ملزما بتوجيه القارئ إلى ما يقرأ. أما جحيم تحت الثياب فهي مجموعة قصصية نشرت أغلب قصصها في جريدة الزمان الدولية و صحيفة إيلاف ومجلة أدب و فن و في جريدة اليوم وغيرها من الجرائد الوطنية والعربية ، من العنوان تعرف أي جحيم يحياه الكاتب في البلاد العربية أي جحيم يحياه في أوطاننا التي تخنقنا و تغتال الكلمة، الجحيم الذي يحياه الباحث عن الحقيقة في نفسه وفي ذات أخرى ذات سواه ، الجحيم حين تمتلك الحقيقة و لا تستطيع البوح بها لأنك ممنوع في كل مكان، رزقك مرهون و صوتك مرهون و حقك معلق إلى حين. بكل صراحة هل تعيش من الكتابة؟ الكتابة لا تقربك من وزير و لا أمير و لا سفير ما دمت تصهل بالحقيقة و بالأمر الواقع وأظن انك فهمتني جيدا لأنك تعرف الوضع أحسن مني، وما دمت تنقل صوت المظلومين والمقصيين و المهمشين. آخر إنسان ينظر إليه في الجزائر هو الكاتب و القاص و الروائي أنا لا أقتات من الكتابة لأن الكتابة تعني الإفلاس و الفقر و التعاسة و مرض الأعصاب، لقد مات الكثير من المثقفين في الجزائر لأجل أن تبقى الجزائر بهوية ماذا قدموا لعائلاتهم؟ ماذا صنعوا بأسمائهم ؟ كثير من الكتاب مجهول في وطنه معروف في بلاد أخرى، الثقافة في الجزائر إن بقت على هذه الحال ستصير واجهة التطبيل و التزمير ، المغني يجني في ليلة ما يجنيه الكاتب طول حياته، أنا لا استرزق من الكتابة بل من عمل حر ومن جهد الجسد، برغم اشتغالي وقتا في الصحافة إلا أن حقوقي ضاعت في مهب الريح وغفر الله لمن أكلها إن كان الإفلاس قد ضربه أما غير ذلك فليأكل السحت، اللصوص الكبار في الصحافة و ديار النشر و في مشاريع الكتّاب و الفنانين، فأي عمل نظيف مع لصوص أشباه الكتّاب. و ماذا تعني لك الكتابة ؟ الكتابة هاجس ومشقة ، هي قدري، إنها مسؤولية وموقف... سأحكي لك حكاية بسيطة كنت يوما ألقي محاضرة فأوقفني مدير الثقافة للولاية بمجرد كلامي عن بختي بن عودة وكأنه إقصاء لهذا الاسم و التنكر له ، من خلال موقفي هذا لم تعد تأتيني دعوات لحضور الملتقيات بالولاية لسبب بسيط أن كتابتي وأقوالي لا تستهويهم لأنهم ببساطة يريدونني أن أتكلم عن الزائف من مهرجانات التهريج والدجل. الكتابة عبادة و العبادة لا تأخذ عليها أجر. هل من كتابأخر ؟ لي كتاب حول المجتمع المدني ينشر على حلقات في صحيفة وطنية وهو كتاب يطرح هذه الفكرة التي يجهلها كثير من الناس، أما عن باقي المخطوطات فنحن نسعى لأن ترى النور برجاء، فالكثير من مؤلفاتي مخبأة أو على الرفوف تنتظر الإفراج و الطبع، إنها تنتظر أجلها المجهول في ظل سياسة ثقافية للدولة تدفع لمغنية واحدة ما تطبع به 150 كتاب. هل تستلهمك الثورات العربية؟ لي رأي في الثورات العربية بالسلب و الايجاب ، نعم هناك ثورة قامت على تكسير الاستبداد و الأحادية بعدما ضاقت الأرض بالمافيا السياسية للأسرة و العائلة وبدأت سيناريوهات التوريث في الأفق، نعم أنا مع الحرية و الديمقراطية و مشاركة الجميع في العملية السياسية ، لأن الوطن للجميع و الثورة صنعها الجميع فلا يجب سرقة الثورة من رجالها الحقيقيين . لا أؤمن بالثورة التي لا يصنعها التنوير ستظل مجرد نزوة، وما لم تشرك كل الطبقات سيظل فيها جزيء الاستبداد ، الثورة يجب أن تكون مرآة تاريخ الواقع النضالي للشعب وتونس و مصر خير مثال على ذلك .أنا أطرح السؤال ماذا بعد الثورات التي حدثت؟ أرى أنه لتكتمل الصورة المشرقة لكل ثورة يجب على كل حكومة جديدة أن ترفض أي إملاءات تأتيها من خارج دولتها حتى تبقي على مصداقيتها، و أن تعمل على صيانة روحها ومظهرها، فقالبها التغيير و التغيير لا يكون إلا بقبول الآخر شيوعيا كان أو علمانيا أو ملحدا أو إسلاميا، أن يتعايش الجميع في ظل الحقوق و المساواة و احترام الآخر كيانا و ديانة وتفكيرا، وبذلك فقط تنجح الثورات في تفويت الفرصة على أعدائها.