يمر الاقتصاد التونسي بمنعرج حاسم بالنظر إلى الاوضاع السياسية والامنية المتازمة التي عرفتها وتعرفها البلاد الامر الذي انعكس بشكل سلبي على الديناميكية الاقتصادية وعلى التعاملات التجارية الداخلية والخارجية. ويتوقع الخبراء الاقتصاديون في تونس مرور الاقتصاد التونسي بنوع من الجمود والركود خلال السنة الجارية جراء الاوضاع السياسية والامنية التي شهدتها وما زالت تعيشها البلاد على الرغم من المبالغ المالية من العملة الصعبة التي تتوفر عليها تونس والمقدرة بحوالي 12.7 مليار دينار تونسي (1 اورو يساوي 9 ر 1 دينار تونسي). وان كانت الحكومة السابقة ابان نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي -وقبل قيام الانتفاضة الشعبية - تتحدث عن امكانية تحقيق نمو يقدر بنسبة 7 .5 خلال السنة الجارية فان الازمات التي مرت بها تونس جعلت العديد من الخبراء يتحدثون عن استحالة استعادة الاقتصاد التونسي لعافيته قبل السنة المقبلة وذلك بعد عودة الثقة للمستثمرين المحليين والاجانب وعودة السكينة والاستقرار في ربوع البلاد. والواقع ان المستثمرين المحليين لا ينتظرون سوى وضعا يتميز بالشفافية ومناخ أعمال يتسم بالثقة الامر الذي يشكل بالنسبة اليهم دافعا قويا لتقوية الاستثمار واستئناف الانشطة الانتاجية والخدماتية والمبادرة في تجسيد المشاريع في حين ان الاستثمارات الأجنبية انما تتطلب تحقيق نتائج ملموسة على ارض الواقع من ضمنها نتائج الانتخابات المقبلة واستقرار المناخ السياسي وتحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي وتميز المؤسسات المصاحبة للاستثمار بالشفافية والديمقراطية وحينها سيكون بالامكان رفع سقف الاستثمارات الاجنبية إلى حدود 10 او 12 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي حسبما يتوقعه الخبراء. وبخصوص انعكاسات الازمة سلبيا على الاقتصاد التونسي فان حكومة الوحدة الوطنية التونسية المؤقتة الحالية قدرت خسائر الاقتصاد بنحو 3 مليارات دينار تونسي تم تسجيلها خلال الاحداث الاخيرة علاوة على تكلفة الفساد المالي الذي يضاهي ثلث الناتج المحلي الإجمالي والذي يتجاوز مبلغ 40 مليار دينار تونسي. وكنتيجة طبيعية للتغيرات التي طرات على الصعيد السياسي والتي لم يكن بالامكان التنبؤ بها فان الاقتصاديين يرون ان الاقتصاد التونسي مهدد ايضا بالانكماش لا سيما وانه تكبد خسائر فادحة بسبب اعمال نهب الاموال العمومية التي مارستها الاسر المقربة من الرئيس المخلوع. ونتيجة للفساد المالي الذي ميز محيط الاعمال في تونس فان المستثمرين المحليين والاجانب فقدوا الثقة في الدولة بل عمد الكثير منهم على سحب استثماراتهم من شتى مناطق تونس مما زاد من حدة البطالة وضاعف من اعداد العاطلين عن العمل وبالتالي فان الدولة باتت تجد صعوبات جمة في جلب الاستثمارات والمستثمرين المحليين او الاجانب المتخوفين من استيلاء العائلة الحاكمة على اموالهم او مؤسساتهم وبذلك تضرر الكثير من المشاريع الاستثمارية باستثناء القطاع السياحي الذي واصل نشاطاته في استقطاب السياح الذين بلغ عددهم 7 ملايين سائح في السنة. لكن الاخطاء المرتكبة اقتصاديا في تونس لم تتوقف عند هذا الحد فحسب اذ يرى المتخصصون ان الاستثمارات المحلية والاجنبية بشتى اشكالها الانتاجية والخدماتية تركزت بنسبة 90 بالمائة في المناطق الساحلية فقط فازدادت التنمية فيها بينما لم تعرف المناطق الداخلية سوى 10 بالمائة من البرامج التنموية ومن الاستثمارات. وبالاضافة إلى ما سبق ذكره فان السياسة الاقتصادية المنتهجة ابان عهد الرئيس المخلوع اسفرت عن الحاق الكثير من الاضرار بالطبقة الوسطى التي تشمل ملايين المواطنين التونسيين وذلك جراء سوء توزيع الثروة المحققة من القيمة المضافة للاقتصاد التونسي. وعلى وجه العموم يرى العديد من الخبراء ان الاقتصاد التونسي كان باستطاعته تحقيق نسبة معدل نمو سنوي بنسبة 5 ر7 وهو المعدل الذي كان سيسمح بامتصاص نسب كبيرة من البطالة لولا تفشي ظاهرة الفساد المالي الذي طغى على الاقتصاد التونسي لاسيما خلال العقد الاخير. الا ان التوقعات تشير إلى امكانية تسجيل انطلاقة جديدة للاقتصاد التونسي تتميز بالانتعاش في حالة ما اذا عاد الاستقرار ورجعت السكينة إلى ربوع البلاد وانفرجت الازمة السياسية والامنية ومرت تونس إلى مرحلة الديمقراطية لاسيما وان الحكومة التونسية قادرة على الايفاء بالتزاماتها المالية في اوقاتها المحددة (من ضمنها 750 مليون دولار تسدد خلال شهري أبريل وسبتمبر) من العام الجاري وانها لاتتحمل عجزا في احتياطها من العملة الصعبة الذي يظاهي نحو 7 ر 12 مليار دولار تونسي وهو ما يغطي 144 يوما من التوريد حسب معطيات البنك المركزي التونسي.