ما تزال العديد من المناطق التونسية تعاني من تدهور في الأوضاع الأمنية مما أثار تخوفات العديد من المستثمرين المحليين والأجانب الذين يعملون في تونس في المجالات الإنتاجية والخدماتية. وأمام هذا الانفلات الأمني الذي يهدد المنشات والمرافق العمومية والخاصة ويشكل خطرا على المؤسسات والشركات المحلية والأجنبية فان الصناعيين التونسيين والأجانب العاملين بمختلف أنحاء البلاد ما انفكوا يعربون عن " تخوفاتهم" إزاء التهديدات والمخاطر التي يعانون منها والتي من شانها إلحاق الأضرار بممتلكاتهم واستثماراتهم ورؤوس أموالهم ومن ثم فان قطاع الاستثمارات في تونس حسب آرائهم سيكون "مهددا على الآماد القصيرة ". وعلاوة على هذه المخاطر وتلك التهديدات فان الصناعيين المحليين والأجانب العرب منهم والأوربيين يرون أن المسالة لا تنحصر في الجانب الأمني فحسب بل أن تلبية واستجابة عدد من المؤسسات والشركات ذات الطابع -الإنتاجي والخدماتي إلى الطلبات العمالية المتزايدة والمتتالية والهادفة إلى الرفع من مستويات المرتبات والأجور" بطريقة وبشكل عشوائي" وخارج إطار الاتفاقيات الجماعية أو الاتفاقيات المشتركة من شانها الحد من القدرة التنافسية للمؤسسات. كما يرون أن هذه الزيادات في المرتبات والأجور أن كانت " تلحق الأضرار" بالتوازنات المالية لمؤسساتهم "وتخضعها إلى حالات من الإفلاس" فإنها " تؤثر سلبيا " على رؤوس الأموال وعلى كل ما من شانه أن يرفع من مستويات الاستثمارات المستقبلية التي قد تمس قطاعات أخرى ناهيك عن التقليص من حظوظ أي توظيف او تشغيل جديد. والواقع أن هذه المطالب الاجتماعية - المهنية حسب المتتبعين للشان التونسي ازدادت اكثر فاكثر مع دخول البلاد المرحلة الانتقالية استعدادا للعهد الديموقراطي الجديد بل أن الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أفرزت تغيرات وتحولات في جميع جوانب الحياة وبالتالي فان انشغالات الطبقات الكادحة التي كانت مستترة آنذاك ولم يكن بالإمكان الإفصاح عنها أبان الحكم البائد سرعان ما تجلت في الأفق وخرجت إلى السطح بغية استرجاع الحقوق ذات الصلة بعالم الشغل التي تخدم الطبقات الكادحة. لكن العديد من المستثمرين الأجانب خاصة الصناعيين منهم العاملين في تونس مافتئوا يحذرون من " مخاطر النقص الملحوظ " في الجوانب الأمنية بل غياب "الأطراف الأمنية" على حد قولهم وكذا غياب المسؤولين المحليين في بعض المناطق التونسية مما يسهم في "تعميق الشعور بانعدم الأمن" ملاحظين أن تواصل الأوضاع على هذا النحو إنما سيودي بهم حتما إلى " إعادة التفكير" في مخططاتهم الاستثمارية المستقبلية. ومن هنا فان الاستثمارات المحلية والأجنبية إنما تستدعي تحسين الظروف الأمنية للعاملين والموظفين والإطارات وضمان حماية الأملاك والممتلكات وتامين المواقع والوحدات الصناعية وكذا ضمان الاستمرارية اللوجستيكية من ذلك ديمومة حركات التوريد والتصدير كي يتسنى تواصل واستمرار أنشطة الوحدات الصناعية بشكل جد عادي. وبالنظر إلى أجواء عدم الثقة التي أفرزتها الأوضاع الأمنية في تونس فان المتعاملين الاقتصاديين خاصة الغربيين منهم اصبحوا يشترطون في المعاملات التجارية الدفع النقدي المسبق أو تقديم تسبقة في احسن الأحوال مقابل تزويد المؤسسات العاملة بتونس سواء بالمواد الأولية أو بقطع الغيار. وفي هذه الأثناء فان الحكومة الائتلافية التونسية طمأنت جميع الشركاء الاقتصاديين الأجانب بأنها ستعمل على حل مختلف الإشكاليات التي قد تعترض الصناعيين بالتنسيق مع جميع الأطراف المعنية لافتة إلى أن البلاد تمر في الوقت الراهن بمرحلة الانتقال نحو الديمقراطية بعد القضاء على النظام الاستبدادي وأن الأوضاع الأمنية بصدد التحسن بشكل تدريجي حيث سيتم رفع حظر التجول خلال الأيام القادمة بمختلف مناطق البلاد وبالتالي فان هذه الاضطرابات الاجتماعية والانفلات الأمني تبقى ظرفية فقط. وعلى هذا الأساس فان وزير الصناعة التونسي السيد عفيف شلبي شدد على مسؤولية السلطات التونسية في ضمان وتامين استمرارية الخدمات اللوجستيكية المقدمة للمستثمرين سواء عن طريق البر أو عبر الموانئ خاصة متعهدا باتخاذ كل الإجراءات العملية التي تفيد الصناعيين من ضمنها فتح مصالح إدارية تعنى بالمسائل المتعلقة بالتامين "بدعم من الدولة" ومعالجة الملفات حالة بحالة فيما ستهتم مصالح أخرى بالنزاعات بين الصناعيين والبنوك ومصالح الجباية والضرائب والصناديق الاجتماعية. ومن أجل التخفيف من هذا الوقع الحاد على مجالات الاستثمارات في تونس والمحافظة على ديمومة تدفق رؤوس الأموال في خدمة الاقتصاديات التونسية فان حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية التونسية تعتزم عقد ندوة دولية بتونس خلال شهر مارس أو شهر أبريل القادمين من اجل ضمان الحصول على دعم الشركاء الخارجيين - وخاصة بلدان الاتحاد الاوروبي - للاقتصاد التونسي كما أن مثل هذه الندوة التي تأتى بعد الثورة الشعبية وفي خضم التحولات التي تعرفها البلاد ستكون مناسبة لا محالة قصد تسليط الضوء على السياسة التونسية المنتهجة حاليا من اجل إرساء دعائم الديمقراطية وكذا تعريف الأطراف الدولية بالافاق الواعدة التي تزخر بها البلاد لإنجاز مختلف الاستثمارات الأجنبية.