برحيل المطرب وديع الصافي صاحب "الحنجرة الفريدة" يفقد الطرب العربي آخر الأصوات العملاقة المخضرمة التي أمتعت الأجيال على مدى عقود من المحيط إلى الخليج بفن جميل وملتزم بشهادة أهل الفن. انطفأت شمعة الفنان أمس الجمعة بمستشفى المنصورة ( شرق بيروت) بعد صراع طويل مع المرض عن عمر يناهز 92 عاما تاركا وراءه رصيدا غنائيا ثريا قارب الثلاثة ألاف عمل كان ثمرة سنوات من الإبداع المتواصل والتعاون المثمر مع كبار الشعراء والملحنين اللبنانيين والعرب. قدم وديع فرنسيس الذي لقب بالصافي لصفاء صوته فنا جميلا و ملتزما منذ البداية و ساهم بجدارة في تطوير الاغنية اللبنانية بحسب النقاد حيث فتح الطريق أمامها نحو الشهرة خاصة في المنطقة العربية . واستطاعت اغاني ايقونة الفن العربي منذ الاربعينيات من القرن الماضي من الوصول إلى قلوب الجماهير بفضل مواضيعها الملتزمة حيث كانت تطرح هموم و حياة الناس بصدق و انسانية كبيرة جعلت منه حقا سفير بلاده بالخارج . كما كان لأغانيه صدا كبيرا لدى أبناء وطنه من المهاجرين الذين أطربت مسامعهم و حركت حنينهم لأنه عرف كيف يصل إلى قلوبهم بتفضيل كلمات تتحدث عن أوجاع البعد عن الوطن و لكنها تدعو أيضا إلى العودة كما في أغنية " عا الله العودة عا الله". تعامل الفنان طيلة مشواره الطويل مع العديد من الشعراء اللبنانيين في مقدمتهم الشاعر اسعد السبحلي كما تعاون مع ملحنين كبار مثل محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش والإخوان الرحباني و فيلمون وهبة إلا انه كان يفضل في الغالب أن يلحن أغانيه بنفسه. تنقل وديع الصافي الذي ولد في 1 نوفمبر1921 بقرية نيحا الشوف حيث عاش طفولة متواضعة يغلب عليها الفقر والحرمان كثيرا منذ سن ال9 حيث هجرت أسرته الى بيروت ثم بدأت حياته الفنية تقوده إلى محاطات متنوعة عبر لبنان و خارجه إذ جال بين أمريكا اللاتينية حيث استقر لأكثر من سنة في البرازيل في بداية مشواره فمصر التي تعامل مع موسيقييها و فنانيها . و في 1976 قررالفنان مغادرة البلد بسبب الحرب الأهلية حيث كان معترضا عليها فتوجه بداية إلى مصر ثم بريطانيا ليستقر بعدها لأعوام في باريس في اواخر السبعينيات . و لم تثنيه ثقل الأعوام من الاستمرار في تسجيل الأغاني والقيام بجولات و هو على أبواب الثمانين . من اغانه الشهيرة "طل الصباح " و"تكتك العصفور و" الليل يا ليلى "وأغنية " عندك بحرية ياريس " ثمرة تعاونه مع محمد عبد الوهاب في 1944 كما كان من أحسن الأصوات التي أدت الغناء الفولكلوري اللبناني و شارك في أعمال سينمائية منها فيلم "غزل البنات" و مثل مع المطربة اللبنانية صباح في فيلمي "صباح الموال" و"نار الشوق " . غادر "مطرب الأجيال" كما يحلو للكثير تسميته بعد أن اطرب الكبار والصغار و قال عنه وزير الثقافة اللبناني قابي ليون " اسم وديع الصافي يختصر لبنان الذي من الصعب أن يشهد ظاهرة فنية مثله " . سيدفن الفنان بعد غد الاثنين بكاتدرالية مار جرجس وسط بيروت.