عرفت مالي سنة 2013 انفراجا سياسيا للازمة التي خلفها الانقلاب العسكري في مارس 2012 وتداعياته التي شكلت خطرا على وحدة وأمن البلد وفرضت تحديات جديدة على رأسها إعادة بناء الدولة وإرساء الثقة بين أبناء الشعب المالي على أسس حوار وطني شامل. فمع نهاية 2012 كان هذا البلد على "حافة الانهيار" بسبب الفراغ الأمني وضعف الدولة المركزية الذي صنعه الانقلاب العسكري على نظام الرئيس امادو توماني في مارس 2012 وهذا في ظل تواجد حركات انفصالية ودينية مسلحة تسعى بعضها (الحركة الوطنية لتحرير الازواد-الطوارق) للانفصال وتعمل أخرى (أنصار الدين والجماعات المسلحة) بالتنسيق مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب على تطبيق الشريعة الإسلامية والتي ظهرت إلى الواجهة بعد تسريب السلاح من الحرب الليبية. وأمام تفاقم الأزمات في البلاد سيما بعد أن بسط متمردو الحركات الازوادية القبضة على المقاطعات الثلاث المشكلة لما يعرف بإقليم أزواد في شمال مالي "غاو" "كيدال" و" طومبوكتو" واعلانهم استقلالهم ورغبتهم في بناء دولة شمال مالي أواخر 2012 وزحفهم إلى الجنوب وإستيلائهم على مدينة كونا إحدى المدن الاستراتيجية أعلنت السلطات المالية عن حالة الطوارئ وإستنجدت بقوى دولية لإعادة الأمن للبلاد. التدخل العسكري في مالي : إنجازات أمنية وسياسية في 12 جانفي 2013 بدأت فرنسا تدخلا عسكريا في مالي بإيفاد جيش قوامه 4500 جندي يعمل بالتنسيق مع قوات المجموعة الاقتصادية الافريقية وسريعا ما باشرت قوات التحالف بقصف قواعد حركة أنصار الدين على جبهة التماس مع الجيش المالي لتعطيل تقدمها في الجنوب وهو ما مكنها من إسترجاع النصف الشمالي من البلد الذي إحتل على مدى نحو عام. وإثر هزائم متتالية مني بها المتمردون قرر هؤلاء الاستجابة لدعوات المفاوضات وهو ما تم بعد أسابيع من التفاوض بين المتمردين الطوارق المسيطرين على مدينة كيدال في أقصى شمال شرق مالي والمجلس الأعلى للوحدة ووقعوا في جوان 2013 على اتفاقية سلام أولية عرفت باسم اتفاقية "أوغادوغو" دعت إلى "وقف القتال بين الجيش والمتمردين ونشر الادارة والجيش الماليين في مدينة كيدال اضافة إلى تنظيم إنتخابات رئاسية في جميع أنحاء البلاد وفي موعدها المحدد يوم 28 جويلية. وقد أفسح هذا الاتفاق المجال لإعادة الخارطة السياسية في البلاد وتنظيم الانتخابات الرئاسية الأولية في أوت 2013 والتي شكل خلالها الفوز الساحق الذي حققه إبراهيم أبو بكر كيتا "انجازا لافتا بحد ذاته". وبعد توليه مقاليد الحكم في البلاد أكد كيتا انه من بين أولوياته "تحقيق المصالحة الوطنية" هذا فيما أثار نجاح الانتخابات ترحيبا دوليا واسعا اعتبرها المتتبعون " خطوة إيجابية" نحو إعادة بناء الدولة المالية وبعد أربعة أشهر جاء تنظيم الانتخابات التشريعية التي حقق في الدورة الثانية منها حزب الرئيس الحالي كييتا وحلفائه انتصارا ساحقا فيها. تحديات لواقع امني جديد وأزمة إنسانية حادة يرى المتتبعون للشأن المالي ان التصريح الذي أدلى به الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اثر نجاح الانتخابات الرئاسية في البلاد اثر حفل تنصيب الرئيس كيتا " لقد فزنا بهذه الحرب" مبكرا بالنظر إلى الواقع الأمني من جهة والتحديات التي لازالت تواجهها البلاد على رأسها إعادة بناء الدولة وبناء الثقة بين أبناء الشعب وبعث الحوار الوطني الشامل والتي لازالت مساع ستذهب أبعد من الانتخابات التشريعية أو من إزالة المخاوف الأمنية. وإذ ساهمت سلسلة أخيرة من الأحداث في "زعزعة" هذا التفاؤل اثر إعلان ثلاث مجموعات مسلحة أساسية في 26 سبتمبر الماضي عن تعليق مشاركتها في محادثات السلام فيما وقع هجوم إنتحاري قاتل في مدينة تمبكتو فضلا عن تجدد القتال بين مجموعة الطوارق المسلحة والجيش المالي في مدينة كيدال وعن تبادل إطلاق النار في كاتي الذي يعد حصن المجلس العسكري السابق والواقع على بعد أميال من القصر الرئاسي. وبالرغم من أنه في 5 أكتوبر أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد أنها ستعاود المشاركة في محادثات السلام بشروط غير أن الأكيد أن الإخفاق في معالجة هذه القضايا الإساءة إلى الإنجازات التي تم تحقيقها لغاية اليوم على صعيد معالجة الأزمة الأمنية. كما تواجه المالي من جهة أخرى الجماعات المسلحة التي تحاول تصعيد أعمالها العدائية في المنطقة وقد يكون التواجد الفرنسي سببا جديدا لتعبئة قواها لصد التواجد الأجنبي في البلاد والذي اعتبرته "عودة جديدة للاحتلال لمناطق نفوذ قديمة" بل ذهبت هذه الجماعات إلى حد اعتبار أن الحرب في مالي هي "حرب صليبية" ضد المسلمين واعتبرت ذلك مبررا لتصعيد أعمالها وتبرير انتشارها. وعلى الصعيد الإنساني فيحتاج في الأشهر المقبلة 170 ألف لاجئ مالي في بوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر للعودة إلى ديارهم إلا أن الأمن لا يزال "هشا" وعمليات السلب لا تزال متواصلة وحرية التحرك محدودة وهو ما يشكل "تحد كبير" لدولة المالي والأمم المتحدة بالنظر إلى شساعة البلاد ونقص الوسائل والمعدات الضرورية الكفيلة بايصال المساعدات لسكان المناطق النائية. وتعتبر العدالة في هذا البلد الذي يتميز بتنوع سوسيو-ثقافي تحد آخر يصعب إرضائه وتحقيق عدالة فيه سيما في الشمال إلا أنها أساسية في حال يجب وضع حد "لإرث الإفلات من العقاب وفي العمق" يكمن تحدي مالي في تحديد نوع الدولة التي ستقوم فيها.