تتميز سهرة إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بكثير من العادات و التقاليد المتنوعة و أجوائها يبدو أنها ستختلف هذه السنة عن سابقتها بظهور ''ديكورات مشخصة تباع حسب الطلب'', لخلق صورة مغايرة عما تعودت عليه الأسرة الجزائرية سابقا في احتفالها بليلة المولد. تختلف مظاهر الإحتفال بليلة المولد النبوي الشريف من منطقة لأخرى عبر الوطن و يبقى القاسم المشترك بينها استذكار خصال نبي الرحمة وسيرته المعطرة في أجواء روحانية مميزة, إلا أن بعضا من المظاهر الاحتفالية المغايرة لما تعودت عليه الأسرة الجزائرية بدأت بالانتشار مؤخرا, حيث أصبحت السيدات أكثر اهتماما بالجانب الجمالي لما يحضرنه في هذه الليلة وكثيرات هن من يشرعن بالبحث عن كل ما هو جديد و يوائم هذه المناسبة أياما قبل حلولها. و من جديد مناسبة المولد لهذه السنة, كما لوحظ, ديكورات و اكسسوارات يصنع كثير منها "حسب طلب", فتأخذ شكل أهلة مزركشة بألوان بيضاء أو ذهبية تحمل اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, و أخرى مزينة بعبارة "مولد نبوي شريف'', إلى جانب مجسمات لبيوت الله و أخرى للكعبة المشرفة. كما انتشرت المناديل الورقية و الملصقات الحائطية التي تتضمن نفس العبارات, ضمن "تيار الموضة الرائجة لمواكبة كل حدث و مناسبة, بما يتماشى معه من ديكورات, و التي شملت أيضا خيوط مصابيح على شكل نجوم أو فوانيس و أهلة, تعتمدها السيدات كزينة إضافية لموائدها و هي تقدم كؤوس الشاي مع طبق المحلى ''الطمينة'', و ما يرافقها من أنواع المكسرات. و انتهز العديد من الحرفيين و الحرفيات, على غرار أصحاب محلات الطباعة على مادة الفوركس, فرصة حلول المولد النبوي الشريف للترويج عبر موقعي الفايسبوك و انستغرام على الخصوص, لديكورات متنوعة مضمونها مرتبط بإحياء هذه الليلة, فيما ذهب آخرون من أصحاب الجمعيات النشطة في مجال التكوين في فنون الطبخ إلى حد تقديم ''تخفيضات مغرية'' لورشات تكوينية لأطباق تتماشى و المناسبة. و نالت الشموع نصيبها من "الحداثة و العصرنة", ضمن موجة الإبداع في ديكورات هذا الموسم. فشموع ليلة المولد لسنة 2021 لم تعد مماثلة للحزمة المعروفة ''12 شمعة متعددة الألوان'', و التي و إن مازالت حاضرة إلا أنها تلقى منافسة شديدة من شموع "حسب الطلب" تحمل أسماء الأطفال و صورهم مزينة بفوانيس و أهلة بألوان متعددة وفقا لذوق المشتري. فبعد رواج الشموع العطرية و التي تحضر بنكهات و أشكال و أحجام مختلفة, جاء الدور لظهور شموع تحمل تزيينا خاصا بحسب طلب الزبون و التي باتت تلقى رواجا كبيرا حسب ما يؤكده العديد من ممتهني هذه الحرفة. و قالت السيدة ليلى, موظفة بقطاع التعليم, أنها تعمل جاهدة من أجل توفير سهرة مولد نبوي مميزة لأفراد عائلتها و أرادت أن ترسخ في ذهن أبنائها فكرة جميلة للاحتفال بمولد خير الأنام فاختارت أن تشتري لهم شموعا تحمل أسمائهم و بها ملصقات حول ذكرى المولد و رباطات بأسمائهم أيضا تستعملها في ربط الحناء لهم, مستعينة بإحدى صفحات الفايسبوك للحصول على طلبيتها". من جهتها, قالت السيدة فطيمة من الجزائر العاصمة أنها "أعجبت كثيرا بتلك المجسمات الصغيرة التي تشير إلى شخصيات تعودت على رؤيتها في بعض الفواصل الاشهارية الخاصة بشهر رمضان الكريم, و باتت متوفرة مؤخرا بسعر 1800 دج", معتبرة أنها ستضفي "لمسة جميلة و استثنائية" على مائدة سهرة المولد التي ترغب في تحضيرها لعائلتها. و أضافت أنها اقتنت تلك المجسمات عن طريق إحدى صفحات البيع الالكترونية و قد تسلمتها في غضون أيام قليلة بعد طلبها, قائلة أنها لا ترى أي سوء في ذلك, بل العكس هي تحاول أن تضفي أجواء مميزة على المناسبة بعيدة عن كل أشكال المفرقعات التي لطالما سببت لها إزعاجا و لصغارها. ومما يلحظ في العالم الافتراضي مساهمة سيدات اليوتوب و الانستغرام خصوصا, في نشر ''ثقافة الديكورات و الاكسسوارات المناسباتية". فلجلب مزيد من المتابعين لقنوات و صفحات المؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي, شرعت قبل أيام عدة قنوات و صفحات افتراضية في تقديم ورشات و دورات لصناعة الاكسسوارات و الديكورات. كما دأبت قنوات اليوتوب على عرض تقديمات لموائد السهرة الخاصة بليلة المولد النبوي, ناهيك عن الوصفات المختلفة لتقديم تحلية ''الطمينة'', و التي أصبح تزيينها بمثابة تقديم لوحة فنية لأفراد العائلة. و باتت محاولة تقديم موائد مشابهة لما يعرض عبر تلك القنوات مع مواكبتها لكل جديد من ديكورات و أكسسورات بمثابة الشغل الشاغل للعديد من المتابعات وهو ما ينعش في كل مرة سوق هذه التجارة و يتجسد مع حلول مثل هذه المناسبات. مظاهر الاحتفال بمولد خير الأنام دائما كانت ''محل إبداع'' من قبل المجتمعات و عن الموضوع, قال الدكتور محمد ايدير مشنان, إطار بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف و أستاذ بجامعة الجزائر في تصريح لوأج, أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف هو عنوان لحبه و التعلق به و قد دأب المجتمع الجزائري على إحياء هذا الاحتفال, على غرار المجتمعات المسلمة, فهو عنوان لحب عميق في القلب لا يمكن أن يزحزح". و أضاف بالقول أنه من المعروف أن مظاهر الاحتفال بهذه الذكرى كانت دوما محل إبداع في المجتمعات, و ينبغي أن يتعزز مفهوم الإبداع مع مواجهة الابتداع الذي يمكن أن يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية و قيمها. و قال أن اجتماع الأسرة في ذكرى مولد الرسول الكريم و رسمها صورة جميلة بذلك, و رغبتها في تجسيد سنة النبي الكريم بقوله "ان الله جميل يحب الجمال" و انتهاز فرصة مولده لتعزيز قيم الحق و الخير و الجمال داخل الأسرة من خلال لوحة فنية يسهم فيها الأطفال أو يصنعها حرفيون فالأمر هنا يتعلق بتعظيم خير خلق الله و زرع حبه في نفوس الصغار, و ربط لمعاني روحانية مع معاني الحياة اليومية". وأضاف السيد مشنان أن "الأساس الروحي لتلك المساهمات و المغزى منها سيبقى بمثابة البديل الذي يمكن الاستعانة به لمواجهة سلوكيات أخرى خاطئة ارتبطت بهذه المناسبة الجليلة, و تتنافى مع قيمها لاسيما منها المفرقعات و التبذير و الإسراف في كل مظاهر الاحتفال", مضيفا أن ما يقدمه الحرفيون في هذا الخصوص لابد أن يشكل قيمة مضافة للممارسات و السلوكيات الايجابية التي يتوجب تعميمها لدى الأسرة و كافة أفراد المجتمع". من جهته, أكد الدكتور اسماعيل موسى, أستاذ الفقه الاسلامي, أن مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تتعدد من بلد لآخر وكلها تجتمع حول هدف واحد وهو إظهار الفرحة بذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام, وتعكس مشاعر المحبة له والتعلق به. ومن عادة الناس في مثل هذه المناسبات, أن يتبادلوا مختلف الهدايا ويجتمعوا حول مائدة واحدة, لتلتقي الأجيال ببعضها ويرتبط الصغار بالكبار, كما أنها فرصة لتجاوز الخلافات وطي كل مظاهر العداوات والكراهية. و أضاف أن ما تفعله العائلات من ديكورات و أكسسوارات بمناسبة المولد وتتفنن فيه الأمهات من تزيين الأطباق أو تنويع الهدايا أو ملابس تقليدية أو غير ذلك مما انتشر اليوم في مثل هذه المناسبات الدينية, ما هو إلا مظهر للفرح والسرور وهو مندرج في العادات لا علاقة له بالتعبدات, والأصل في العادات التي لا تخالف أحكام الشريعة ولا توقع في الحرام أنها مباحة". و قال أن "البعض قد يتشدد في هذا الامر ويعتبره بدعة و لا يجوز شرعا لأنهم لا يفرقون بين العبادة والعادة' والصحيح أن بينهما فرق, والاحتفال جائز واستعمال ما يدخل البهجة في القلوب ويضفي على المجلس جمالا لا مانع منه ما دام مقيدا بما أحله الله وحرمه".