شكلت الاستفزازات المستمرة و الأعمال العدائية المتواصلة من قبل نظام المخزن تجاه الجزائر, التي دفعت هذه الأخيرة إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المغربية, في قرار سيادي ومبرر, أبرز حدث طبع عام 2021 على الصعيد الدبلوماسي. بعد طول صبر وضبط للنفس في مواجهة الانزلاق الخطير الذي ارتكبته الرباط تجاه الجزائر حكومة وشعبا, وجدت السلطات الجزائرية نفسها مضطرة للرد بقوة, بالإعلان رسميا, في 24 أغسطس الماضي, عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب. وجاء هذا القرار بعد أسبوع من ترؤس رئيس الجمهورية, القائد الأعلى للقوات المسلحة, وزير الدفاع الوطني, السيد عبد المجيد تبون, اجتماعا "استثنائيا" للمجلس الأعلى للأمن, أكد خلاله أن "الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضد الجزائر, تطلبت إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية". ولدى إعلانه عن القرار, قال وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج, رمطان لعمامرة, في مؤتمر صحفي, إنه قد "ثبت تاريخيا أن المملكة المغربية لم تتوقف يوما عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر. هذا العداء الموثق بطبيعته الممنهجة والمبيتة", ساردا الأحداث منذ حرب الرمال سنة 1963 إلى عملية التجسس الأخيرة باستخدام برنامج "بيغاسوس "الإسرائيلي. وحمل السيد لعمامرة, "قادة المملكة المغربية مسؤولية تعاقب الأزمات التي تزايدت خطورتها", لافتا إلى أن "هذا التصرف المغربي يجر لا محالة شعوب المنطقة إلى الخلاف والمواجهة بدل التآخي والتكامل والاندماج والوحدة, كما يرهن, بصفة خطيرة, حاضرها ومستقبلها". وبعد مرور شهر عن انهيار العلاقات بين الجزائر العاصمة والرباط, أتى قرار الجزائر بإغلاق مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية, وكذلك تلك التي تحمل رقم تسجيل مغربي. قرار مبرر وتم رفع تسعة مظالم ضد النظام المغربي, من بينها الدعم المعنوي والمالي والسياسي للحركتين الانفصاليتين والإرهابيتين "الماك" و"رشاد", الذي تأكد بالجرم المشهود, شهر أغسطس الماضي, في الحرائق التي اجتاحت عدة ولايات من البلاد وثبت تورطهما (الحركتان) فيها. كما ارتكبت الرباط انحرافا خطيرا وغير مسؤول, عندما قام ممثلها الدائم لدى الأممالمتحدة بتوزيع مذكرة رسمية خلال قمة حركة عدم الانحياز, زعم فيها بحق ما أطلق عليه تسمية "شعب القبائل", في "تقرير مصيره". واستنفذ المخزن كل فرص الإبقاء على العلاقات الجزائرية-المغربية, عقب الصمت المطبق الذي انتهجه بعدم تقديم توضيحات طالبت بها السلطات الجزائرية, في 16 يوليو الماضي, إثر تلك الخطوة غير المسؤولة والمدانة, ما أدى إلى انهيار العلاقات بين البلدين. وتم تسجيل انزلاق خطير آخر في 2021, عندما جعلت الرباط أرضها منبرا لوزير خارجية الكيان الصهيوني وجه من خلاله اتهامات باطلة للجزائر, خلال زيارته الأخيرة للمملكة المغربية, وذلك بحضور نظيره المغربي, في سابقة منذ عام 1948, حيث لم يسبق أن تجرأ أي عضو في حكومة الاحتلال الإسرائيلي على إصدار أحكام أو توجيه رسائل مهما كان نوعها, لبلد عربي من أراضي بلد عربي آخر. ولا تقل قضية فضيحة "بيغاسوس" خطورة عما سبق ذكره, فقد كشفت التجسس الواسع النطاق الذي تعرض له مسؤولون ومواطنون جزائريون, استهدفوا من قبل المخابرات المغربية, ما يضاف إلى سلسلة الأعمال العدائية التي شنها المخزن تجاه الجزائر. ولمواجهة هذا العداء الذي وصل ذروته, خاصة بعد تطبيع العلاقات بين نظام المخزن والكيان الصهيوني, اضطرت الحكومة الجزائرية إلى اتخاذ قرار سيادي كون ما حدث وضع "غير طبيعي يجب أن يتوقف على أي حال". ضربة قاسية للاقتصاد المغربي وفي إطار قطع العلاقات مع جارتها, قررت الجزائر عدم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي, الذي بدأ تشغيله في عام 1996, لينقل الغاز الجزائري من حاسي الرمل إلى إسبانيا, على طول يزيد عن 1400 متر, عبر الأراضي المغربية. وقد اتخذ رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون, هذا القرار في 31 أكتوبر الماضي, حيث أمر شركة "سوناطراك" بوقف العلاقة التجارية وعدم تجديد عقد الغاز مع المغرب بسبب "الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة", حسب بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية. وكان العقد مبرما بين شركة "سوناطراك" الجزائرية والديوان المغربي للكهرباء والماء, وانتهى منتصف ليل الأحد 31 أكتوبر الماضي. وفقدت السوق المحلية المغربية 50 في المئة من استهلاكها الداخلي, بالإضافة إلى إتاوات تبلغ نحو 1 مليون متر مكعب من الغاز (حق خط الأنابيب) يوميا. وبالموازاة مع ذلك, تواصل الجزائر الوفاء بالتزاماتها مع شريكها الإسباني, من خلال خط أنابيب الغاز "ميدغاز", واستخدام ناقلات الغاز الطبيعي المسال. وفي ظل التدابير الجزائرية التي بدأ الشعور بتداعياتها داخليا, لم يجد نظام المخزن من سبيل إلا الإمعان في سياسته العدائية ضد الجزائر, بعد "الفشل المرير" في حملته الدعائية بمعية أعدائه ضد الجزائر. وبضلوعه في اغتيال ثلاثة رعايا جزائريين بقصف همجي لشاحناتهم على محور نواكشوط - ورقلة, يكون نظام المخزن المغربي قد بلغ آخر مراحل الاستفزاز المباشر وغير المباشر للجزائر والدخول بتهوره المعهود, في مرحلة الاستدراج إلى مستنقع التوتر المفتوح على كل الاحتمالات والذي سيدفع فاتورته الغالية لوحده. وكشف نظام المخزن المغربي, بلجوئه لعمل ارهابي "حقير وجبان", كامل أوراقه, ليؤكد للرأي العام الدولي ممارسته لصفة "ارهاب دولة" مكتملة العناصر. وكانت مجلة الجيش قد أكدت في افتتاحية عددها الصادر, بتاريخ 3 أكتوبر الماضي, أن الأعمال العدائية الخطيرة والحملة الدعائية المغرضة التي يشنها المخزن وتتواصل باتخاذها شكل "حرب معلنة", تأتي على خلفية "تمسك الجزائر المبدئي والراسخ بضرورة إيجاد حل عادل للقضية الصحراوية", وقد واجهتها الجزائر ولا تزال "بصبر وبأقصى درجات ضبط النفس".