حلت فاكهة التين الطازج منذ الأسبوع الثاني من الشهر الجاري بجل أسواق تيزي وزو حيث يعرض للبيع بأسعار تتراوح ما بين 70 إلى 200 دينار وفقا لنوعية الثمرة. وكان بيع أو شراء ثمرة "البخسيس" يعتبر إلى وقت غير بعيد من ضرب الخيال بهذه المنطقة المتميزة بكثافة زراعة أشجار التين و الزيتون العتيقتين اللتان تمثلان المورد الرئيسي للسكان المحليين بالنظر لوفرة هذا المنتوج بها الذي كان يقدم بسخاء و كرم لكل من يطلبه. كما كان "لخريف" يعتبر في ذلك الزمان "فاكهة الفقير" بل "هبة ربانية موجهة للكل" قبل أن يتحول في زماننا هذا إلى"بضاعة مطلوبة حتى من أولائك الذين لم يكونوا يولون لهذه الفاكهة أية أهمية لأنها بباسطة كانت تغرق حقولهم". و يبدو جليا أن الندرة التي عرفها التين هي التي رفعت من قيمة أسهمه في الأسواق و الأذواق حيث أضحى ينافس الفواكه الاستوائية من موز و كيوي و جوز الهند و لم يعد بذلك "هبة من السماء" مثلما كان يحلو للكاتب مولود فرعون تسميتها في كتابه" عيد الميلاد". و كانت فاكهة التين مضمونة للجميع في تلك الحقبة الزمنية السعيدة التي كان السكان يخدمون فيها الأرض بسخاء لتجود بخيراتها للكل لأن الكل مقتنع بان هذه الأرض ملك لله وحده حيث بلغت "نية" أهل ذلك الزمان درجة انه حينما كان يراد الحط من قدر احدهم علنا كان يقال له" سيأتي يوما سينفض الأصدقاء من أمامك و لن تجد التين لأكله". و يظهر أن "تنبؤ حكماء ذاك الزمان أضحى حقيقة مؤكدة يوما بعد يوم" بالنظر إلى الشح الذي يعرفه إنتاج هذه الثمرة المنحصرة في أيامنا هذه بحقول بعض البلديات المعدودة على الأصابع على غرار تيزي راشد و ايلولا اومالو و مشطراس. و تمارس "تجارة التين" على حواف الطرقات الوطنية أو على مستوى الساحات التجارية لمدن الولاية سيما عاصمتها حيث " التمدن" يعني "التخلي عن كل القيم القديمة التي تذكر بكل ما يربط الإنسان بأرضه و خدمتها". و يتشكل العدد الكبير من هؤلاء التجار من شريحة المراهقين الذين يقومون- كلا حسب طريقته الخاصة- بمدح بضاعته المقترحة في أواني حديدية قبيحة تعكس القيمة البخسة التي يولونها لفاكهة "لخريف" التي كانت تقدم في ذلك الزمان الجميل في سلل من الحلفاء الجميلة من صنع أنامل حرفيي المنطقة. و ينحدر أغلبية هؤلاء الباعة المراهقين من القرى المجاورة على غرار بترونة و واد عيسي و رجاونة و بني زمنزر و واغنون و ايحسناون الذين يأتون كلهم إلى تيزي وزو حسب قولهم لغرض "استبدال بضعة كيلوغرامات من هذه الثمرة ببعض الدنانير لسد حاجياتهم اليومية أو مساعدة الأهل في نفقات رمضان أو شراء اللوازم المدرسية". و يبقى انه لا شيء يضاهي تلك الفاكهة الطازجة التي تقطفها الأيدي في الصباح الباكر حيث تكون مغطاة بقطرات الندى المتلألئة و تغمر القاطف سعادة لا يفهمها إلا من ذاق نفس الإحساس الذي يغمر كل من يشارك في قطف هذه الثمار. و لتذوق هذه السعادة الربانية يمكن العودة لأحد النصوص الجميلة للراحل مولود فرعون في كتابة "الأرض و الدم" حيث يقول" هناك أشياء لا تشترى و ملذات لا تخطر بالبال و سعادة بسيطة و هادئة يجب التمتع بها في الخفاء تلك المسرات و المتع و السعادة التي نحسها حين نذهب كل صباح إلى الحقول لنقطف تحت قطرات الندى...".