ألح المشاركون في المائدة المستديرة التي نظمت يوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة في ختام أشغال الندوة السنوية لمنتدى الفكر العربي التي تمحورت حول "التربية و المواطنة" على ضرورة إعداد مشروع مجتمع عربي مستقبلي مستمد من الخصائص الثقافية والتجربة التاريخية للشعوب دون اللجوء إلى الاستنساخ الآلي من تجارب الغير. وأكد الدكتور محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في محاضرة بعنوان "معالم أولية لبناء فلسفة تربوية عربية تقوم على المواطنة والوطنية" أن المؤسسة التربوية "ليست كيانا خارجيا في كل الأنظمة السياسية فهي مرآة تعكس واقعها الثقافي والاجتماعي وموقعها في حركية التطور في عالمنا المعاصر". وأضاف الدكتور ولد خليفة أن المؤسسات التربوية "هي مطالبة في نفس الوقت بإعداد جيل يمتلك من المعرفة والكفاءات والقدرة على التكيف مع متطلبات التغير السريع في كل المجالات في عالم لا يتحول من حولنا بل يتحول أيضا فينا أفرادا وجماعات وخاصة بعد ثورة الاتصالات التي ألغت الحواجز والمسافات". ومن جهة أخرى، شدد المحاضر على أن "الحكم الراشد هو الذي يخطط لتحقيق تنمية رأس المال البشري صانع كل الثروات الأخرى ويشيد ديمقراطية تجمع بين العدالة الاجتماعية ومعيار الاستحقاق ودولة المؤسسات الفاعلة في كل ما يتصل بالشأن العام". وأكد ايضا أن المشروع النهضوي في أي من البلدان العربية وعلى مستوى المنطقة لن يتجسد "إذا أغفلنا الخصائص الثقافية والتجربة التاريخية للشعوب أو لجأنا إلى الاستنساخ الآلي من تجارب الاخرين". ودعا في هذا الاتجاه الى ضرورة "العناية بالتعليم الديني في المدارس لإبراز قيم المواطنة والسلم والتسامح وحرية المعتقد التي نص عليها الدين الاسلامي الحنيف لمواجهة التيارات المتطرفة التي أساءت لروحانية الإسلام ورسالته الحضارية التي توجهت إلى الإنسانية جمعاء". و من ناحيتها ترى السيدة أم العز الفارسي عضو هيئة تدريس كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة قاريونس بليبيا في مداخلة لها بعنوان "أثر التعليم على تعزيز ثقافة الديمقراطية" أن التعليم العربي في حالته الراهنة ليس عنصرا فاعلا في خلق ثقافة الديمقراطية لكونه "لا يشجع المشاركة والمبادرة والاستقلالية والنقد وثقافة الحوار وروح التسامح وقبول الآخر". وعرضت المحاضرة في هذا الاطار عناصر محورية أساسية تحول دون تحقق الثقافة الديمقراطية في الوطن العربي أهمها الموقف التمييزي من المرأة في التعليم الذي يهمش دورها في الحياة العامة وفي المناصب القيادية. كما يحول الموقف الإقصائي من الآخر المختلف دون تحقق الثقافة الديمقراطية كما جاء في المتدخلة التي اشارت الى إقصاء الأقليات القومية في النصوص المنهجية العربية . وأكدت أن الحل يكمن في "تحسين مستوى التعليم في مختلف مراحله وبمختلف تخصصاته ودعم الطلاب للتخصص وفقا لحاجات سوق العمل وإكسابهم القدرة على حل المشكلات بالتفكير النقدي وتشجيع ملكة الابتكار والتوجه إلى إعادة تأهيل وتدريب المعلمين على تقبل مدخلات التطور في أساليب التعليم بما يتفق وثورة التقنية في مختلف المجالات. واعتبرت المحاضرة ان هذه المعوقات مجتمعة "ساهمت في تبني المنظور القاصر لمفهوم المواطنة مما ساهم في عرقلة تفعيل هذا الحق الأساسي من حقوق المواطنة لأكثر من أربعة عقود". أما الدكتور عبد الحسين شعبان المدير العام للمركز الوثائقي للقانون الدولي بالعراق و لبنان فركز في مداخلته بعنوان " أية علاقة جدلية بين التربية والمواطنة" على فكرة ان موضوع التربية على المواطنة يعتبر جزءا لا يتجزأ من التنمية المستدامة التي يجب أن تقوم --كما أكدعلى "تربية متوازنة وعقلانية ومدنية تقوم على أساس المساواة والكرامة الإنسانية وفي أجواء من الحرية وسيادة القانون". ومن وجهة نظر المحاضر فان "التربية على المواطنة عمل يستهدف الدفاع عن حق الانسان في الوجود أولا والعيش بسلام ودون خوف وحقه في الحرية و في العدالة و في المشاركة من خلال حقه في التعلم بما يؤكد ويعزز هذه الحقوق". و أضاف ذات المتحدث أن التربية على المواطنة "تستوجب اعتماد أساليب تربوية حديثة ومرنة في التعامل مع الأطفال والمراهقين والشباب وتربيتهم على ثقافة المساواة وقيم المواطنة واحترام حقوق الغير وقبول حق الاختلاف" من خلال عملية بناء تأخذ بعين الاعتبار درجة وعي وتطور المجتمع وبما يساعد في خلق أجواء مناسبة للتغيير.