إن نجاح أية خطة اقتصادية يجب أن تكون واضحة منذ البداية في رؤيتها، تلك الرؤية التي تساعد على وضع التصورات لبناء مجتمع حديث له فكره وله أصالته وله نظرته الاقتصادية القائمة على أساس تنويع المصادر والموارد، وبناء القدرات البشرية التي توفر للاقتصاد القوة والمتانة وتتيح لمختلف فروعه النمو الصحي والتكامل الطبيعي والتفاعل الحيوي، من أجل تنمية شاملة تواكب العصر وتستشف آفاق المستقبل··· هذا من جهة، ومن جهة ثانية، اتباع عدد من الأسس، من أهميتها تنويع مصادر الدخل الوطني للحد من الاعتماد على البترول كمصدر أساسي للدخل الوطني، مع إعطاء دفعة قوية للقطاعات غير النفطية ومصادر القوة التقليدية للاقتصاد الجزائري، والسعي إلى تنمية القطاع الصناعي ليلعب دورا هاما ومحوريا في هذا المجال، مع العناية الفائقة بالتنمية البشرية ورفع كفاءة الكوادر الوطنية وتأهيلها والاستفادة القصوى منها، مع التركيز على قاعدة أساسية للتنمية الوطنية في هذه المرحلة والسنوات القادمة، وهي المتمثلة ليس فقط في وضع الخطط والدراسات على الأوراق، وإنما في تنشيط القطاع الخاص وإفساح المجال أمامه للإسهام بدور كبير في عملية التنمية، ومع توفير أفضل مناخ للاستثمار لجلب الاستثمارات الأجنبية والوطنية الموجودة بالخارج ولتحقيق درجة أكبر من الاندماج في الاقتصاد الدولي، ففي ضوء هذا كله يجب تنشيط القطاع المالي والمصرفي· يعتبر القطاع المالي والمصرفي من أهم وأبرز قطاعات الاقتصاد الوطني، ليس فقط لأنه يتفاعل تأثيرا وتأثرا بمختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى، ولكن أيضا لأن لهذا القطاع تأثيراته الاجتماعية التي تمتد إلى مختلف شرائح المجتمع الجزائري بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال المهام التي تقوم بها مختلف المؤسسات والهيئات المالية وما يترتب عنها من نتائج اقتصادية واجتماعية، لذا يجب أن يحظى هذا القطاع باهتمام كبير ومبكر ومتواصل، حتى نتمكن من تحقيق نقلة نوعية في المجال القانوني والتنظيم الهيكلي، وعلى نحو نجعل منه واحدا من أكثر القطاعات تطورا وكفاءة وقدرة على التفاعل الإيجابي والسريع مع مختلف التطورات المحلية والإقليمية والدولية من ناحية، والأخذ بالأسباب؛ أسباب الإندماج المتزايد في الاقتصاد العالمي من ناحية ثانية، كما لا ننسى أن هذا القطاع والقطاع المالي والمصرفي لهما أهمية بالغة على مستوى الاقتصاد الوطني لأنهما يمثلان القاعدة التي ينطلق منها وتدور في نطاقها قطاعات الاقتصاد الأخرى وبالتالي حركة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية في مختلف المجالات، وهذا مما يتطلب الاهتمام بهذ القطاع وتطوير القانون الخاص به في إطار مبادئ الاقتصاد الحر الذي يأخذ به الاقتصاد الجزائري، أساسه العدالة ومبادئ الاقتصاد الحر وقوامه التعاون البناء المثمر بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، وهذا ما يعطي للتنمية الوطنية تحولات ضخمة وواسعة ومتتابعة في كل القطاعات وتجعل من اقتصادنا اقتصادا ديناميكيا متطورا وقادرا على كسب الثقة والمصداقية، ليس فقط على المستوى الوطني، ولكن أيضا على المستويات الإقليمية والدولية، وكذلك يواصل تطوره بخطى ثابتة في إطار خطة مدروسة وواضحة ورؤية مستقبلية صائبة· هذا، مع تعزيز الثقة في النظام المالي والمصرفي وتمكين المستثمرين من الحصول على خدمات كاملة وافية في وقت وجيز وفي حدود المعقول من الضوابط والقيود القانونية التي تضمن توجيه الاستثمارات، خاصة الأجنبية منها إلى القطاعات التي تثري الخطة الاقتصادية في بلادنا، وتنويعها وزيادة دورها في بناء الاقتصاد الوطني، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يجب تطوير هذا القطاع ورفع كفاءته لإستقطاب واستثمار أكبر قدر ممكن من المدخرات المحلية والاستثمارات الأجنبية مع الاستمرار في تنمية وتعزيز البنية الأساسية عبر مشروعات ضخمة وصناعات تحويلية ومتوسطة وثقيلة· القطاع المصرفي يجب أن يتميز في بلادنا بالاستقرار والكفاءة العالية، والقدرة على التكيف السريع مع مختلف التطورات ومواصلة السير في نفس الوقت نحو الأهداف المسطرة والمحددة، وفي هذا الإطار على البنك المركزي الجزائري، أن يقوم بودر محوري في ممارسته لدوره واختصاصاته في قيادة التطور في هذا القطاع، وجعله من الأركان القوية للاقتصاد الجزائري بالتنسيق مع القطاعات الأخرى والحفاظ على استقرار العملة الوطنية· كما يجب على هذا البنك التحرك النشط لتفعيل نشاط الجهاز المصرفي والمحافظة على السلامة والشفافية وتعزيز المناخ التنافسي، وترسيخ الثقة في كل الأعمال وبين كل أطراف العمليات المصرفية وتدعيم الأنشطة الاستثمارية من خلال مراقبة أعمال البنوك الاستثمارية في الجزائر، وتمويل الشركات والمشاريع وتقديم الخدمات الاستشارية في مجال إدارة الاستثمار وتقديم خدمات الحفظ والأمانة والتعهد بتغطية الإصدارات· البنوك المختصة: لقد أنشأت الجزائر في وقت مبكر بنوكا متخصصة لدعم جهود التنمية الوطنية في مجالات محددة مثل بنك التنمية الريفية، بنك الفلاحة، بنك الإسكان نظرا لأهمية هذه القطاعات اقتصاديا واجتماعيا، فإن هذه المرحلة التي تعيشها التنمية الوطنية تتطلب فرض إعادة النظر في عمل هذه البنوك المتخصصة، من أجل تطوير أدائها ودعمها وزيادة قدرتها على القيام بمهامها على نحو يتفق والمعطيات الجديدة· هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يجب دعم القطاع الخاص بدور متزايد في مجال منح القروض الإسكانية وقروض التمويل الصناعي، من خلال فتح المجال لإنشاء البنوك الخاصة، يعني البنوك التابعة للقطاع الخاص، وهذا للتعبير بوضوح عن تضافر الجهود بين القطاع الخاص والقطاع العام لدعم التنمية الوطنية اقتصاديا واجتماعيا وفي كل المجالات· بنك الإسكان: وهدفه تقديم قروض إسكانية للمواطنين لتمويل شراء أو تشييد المساكن واستكمالها، وذلك مساهمة منه في توفير المسكن الملائم للمواطن الجزائر وأسرته، كما أن على هذ البنك القيام بدور في تملك الأراضي الصالحة للبناء وإقامة وحدات سكنية عليها وتمليكها للمواطنين عن طريق قروض بشروط محدودة· هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يجب على هذا البنك أن لا يتقاضى فوائد على القروض، ولكنه يفرض رسما محدودا كرسوم خدمات على القروض، وهذا لتخفيف الأعباء عن المواطنين· بنك التنمية: يشكل بنك التنمية شركة مساهمة يقدم قروضا تنموية، وبالتالي يمثل تطورا نوعيا هاما في السياسة الإقراضية وسياسة دعم المشروعات، وهذا لقيامه بدور أكثر فاعلية في تقديم المنح والقروض لمختلف المشروعات التنموية، ويمثل دعما حيويا لهذه المشروعات في مختلف مجالات التنمية، هذا مع إطلاق حرية العمل لهذه المؤسسة المصرفية على نحو تراعى معه شروط العمل الناجح من ناحية، مع عدم التخلي عن الدور الإجتماعي بدعم المشروعات الصغيرة والكبيرة والمتوسطة للقطاع الخاص من ناحية ثانية، وهو سيعطي بالضرورة دفعة كبيرة لتنشيط وتشجيع المشروعات في مختلف المجالات التي يقوم بها القطاع الخاص، وهذا مما يسهم في تحقيق أهداف الرؤية المستقبلية للاقتصاد الجزائري· سوق الأوراق المالية: هدفها القيام بتمويل المشروعات الصناعية والخدمية، وهذا معناه أن هذا السوق يشكل خطوة بالغة الأهمية ليس فقط في مجال إعادة هيكلة العمل في السوق الجزائرية للأوراق المالية، ولكن أيضا لإعداد سوق الاستثمار الجزائري الخاص بالأوراق المالية ليكون قادرا على الإستجابة لمتطلبات المستقبل، وهذا مما يتطلب إنشاء قانون يتناول بالتنظيم كافة عمليات تداول الأوراق المالية في الجزائر، وبما يحقق له أعلى درجات الثقة والشفافية وحماية المتعاملين وتفعيل الدور الرقابي مع الأخذ في الإعتبار الفصل بين جهات الرقابة والتناول والتسجيل من ناحية إشراك القطاع الخاص في أعمال الإبداع والتسجيل، هذا مع الأخذ ببرنامج متكامل يتم إعداده بهدف التأمين ضد مخاطر العمل في مجال الأوراق المالية·