دعا الرئيس بوتفليقة وزراء العمل والتشغيل العرب المجتمعون منذ أمس بالجزائر في المؤتمر الأول حول سياسة التشغيل بالعالم العربي، إلى ضرورة تبني سياسة التقشف ووضع استراتيجية تشغيلية واضحة المعالم مرفوقة بالصرامة في التنفيذ والالتزام، وأوضح بوتفليقة في رسالة بعث بها للوزراء العرب للعمل والتشغيل قرأها المستشار السياسي برئاسة الجمهورية محمد علي بوغازي، مخاطبا المؤتمرين، أن البطالة تبقى الهاجس الأكبر والمعضلة الكبرى والرئيسية التي تواجه المجتمعات العربية، وأن خطورتها لم تعد تقف عند حدود الجوانب الاجتماعية والاقتصادية على أهميتها فحسب، بل تعدتها لتهدد السلم الاجتماعي وتقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الكثير من الأحيان، وهي تحديات تفرض نفسها على واقعنا العربي وتضيف ضغطا إضافيا يزيد من صعوبة المعالجة، وقال رئيس الجمهورية أنه مما لا شك فيه أن الشباب العربي يعتبر عماد القوة والركيزة الأساسية الحية والفاعلة للأمة التي تؤمّن لها الاستمرار وتوفر لها مقومات البقاء والنماء، وهو ما يتطلب الاستثمار في هذه الفئة التي تتجاوز 75 بالمائة في العالم العربي إذا ما أرادت الأنظمة والحكومات النجاح في البناء الاقتصادي والنمو الاجتماعي في ظل التحديات العالمية لوتيرة التنمية الاقتصادية المعولمة التي تستدعي امتلاك المهارات والتقنيات، فلا مندوحة لنا يقول القاضي الأول في البلاد لمواجهة كل تحديات العصر من إرساء مخرجات في التعليم والتكوين تساير متطلبات سوق الشغل واقتصاد المعرفة وهو تحد كبير على قدر من الصعوبة والتعقيد، ورهن تجاوز هذا التعقيد بإدماج الشباب في الشغل وايلائهم العناية القصوى، ومن ثمة يمكن القول أن التنمية الاقتصادية والعملية والتكنولوجية في الوطن العربي سلكت نهجها الصحيح والسليم، فالتعليم والتكوين واكتساب الخبرات يكفلان ضمان المعرفة الحديثة والعصرية لمختلف التخصصات، وشدّد الرئيس بوتفليقة على وجوب إدماج الشريحة الشبابية في صنع مستقبل أمته، حتى يضطلع أكثر بمشروع التنمية في مختلف أبعاده، فالشباب هو السلاح الأكثر نجاعة لمواجهة هذا التحدي وصنع الحياة ومقاومتها، ومما يشكل على وثيرة النمو في الدول العربية النامية، عدم مواءمة حصائل التنمية مع تسارع النمو الديمغرافي المطرد وما يحمله من احتياجات اجتماعية جديدة في ظل ضعف التأهيل والاستجابة إلى الحاجات المتنامية للغذاء والتعليم والصحة والسكن والتنمية الجيدة والإصلاح الإداري ومحاربة البيروقراطية المتفشية في أغلب الدول العربية، وما إلى ذلك من احتياجات لا تستقيم المجتمعات الحديثة في مأمول نهضتها إلا بها. ونتيجة للعوامل السالفة الذكر ينبغي علينا كمجموعة تسخير قدراتنا البشرية والمادية والعلمية وتفعيلها ضمن رؤية استراتيجية مشتركة وموحدة، خاصة وأن العالم العربي اليوم على غرار ما يسود العالم يتعرض لأزمة البطالة ونزيف حاد للكفاءات والأدمغة، وهو أمر مقلق يتطلب الإسراع في معالجته من خلال إشراك المتعاملين في المجال الاقتصادي من منظمات أرباب العمل ونقابات عمالية وبالأخص المجتمع المدني، وفي هذا السياق، باشرت الجزائر منذ بداية هذا العقد إصلاحات كبرى مست كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث شملت ورشات الإصلاح المنظومة التربوية ومنظومة الإدارة العمومية إلى جانب إصلاحات اقتصادية، وبالموازاة مع ذلك، انطلقت ورشات إعادة البناء والتعمير بمباشرة إنجاز مشاريع كبرى في إطار البرامج التنموية لتحديث وتوسيع البنية التحتية للبلاد كشبكة الطرق الوطنية والسكك الحديدية والسدود والموانئ والمطارات، إلى جانب إنجاز مليون سكن خلال السنوات الخمس الأخيرة، وقد رافقت هذه الجهود التنموية الضخمة ترتيبات تحفيزية للمؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة، تتمثل في خفض مستوى الضرائب والأعباء الاجتماعية لفائدة أرباب الأعمال الذين يشغلون العاطلين عن العمل لا سيما الوافدين الجدد. وأشار رئيس الجمهورية إلى البرامج والآليات التي اعتمدتها الجزائر لمكافئة البطالة وترقية الشغل موجهة أساسا للشباب من خلال مخطط يعتمد على المقاربة الاقتصادية دون سواها.وقد أعطت هذه الآليات نتائج هامة بيّنتها النتائج الأولية لتنفيذ المخطط، حيث أظهرت تطورا ملحوظا وإقبالا متزايدا من قبل أصحاب المشاريع الشباب. الذين أصبحوا يجدون التسهيلات اللازمة والمساعدة والمرافقة من قبل الهيئات المصرفية الممولة والوكالات العمومية المشرفة على تطبيق هذه البرامج، وفي هذا الإطار، فإن ما مجموعه 125 ألف مؤسسة مصغرة تم استحداثها منذ 1999 إلى غاية سبتمبر الماضي، أفرزت بدورها خلق 350 ألف منصب شغل مباشر من طرف جهازي الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب والصندوق الوطني للتأمين على البطالة، وهو ما مكّن من تخفيض نسبة البطالة خلال الحقبة الممتدة من 1999 إلى 2008، بإنشاء أكثر من ستة ملايين منصب عمل، مما أدى إلى انخفاض نسبة البطالة من 3 بالمائة إلى 11،3 بالمائة العام الماضي، كل هذه المعطيات يقول رئيس الدولة تدعو للارتياح والتفاؤل وتستدعي تعزيزها بتدابير وإجراءات في غاية الفعالية.