ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة كلمة حول التصنيع في إفريقيا بالقمة الإفريقية التي انعقدت بالعاصمة الإثيوبية، هذا نصها الكامل: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين فخامة الرئيس
يسجل الاقتصاد الإفريقي وذلك منذ عدة سنوات متتالية نموا تفوق نسبته 5 بالمائة· إنه تقدم ملحوظ توحي التوقعات بأنه سيتواصل خلال السنوات المقبلة سيما وأن إفريقيا تشهد اليوم أفضل أداء لها منذ عدة عقود· ومع ذلك مازالت هناك بعض الفوارق في النمو ذلك أن العديد من البلدان الإفريقية ما انفكت تعاني من ظروف غير مواتية للتنمية· هذا ويظل النمو في عدد من البلدان مرتبطا بالظروف المناخية أو بالطلب العالمي على المواد المنجمية· ومن ثمة يجب تعزيز النمو لحماية اقتصادياتنا من التغيرات الطبيعية ومن اضطرابات الأسواق العالمية· وتشهد الصادرات الإفريقية هي الأخرى تطورا أجليا يبشر بانعكاسات إيجابية على الميزان التجاري لاقتصادياتنا· غير أنه بات من الضروري دعم النمو في إفريقيا ببذل جهد قصد تنويع الاقتصاد بغية الحد من تبعيتنا للصادرات من المواد الأولية ومن الخطر الناجم عن تطور شروط التبادل· أضف إلى ذلك إيجاد بنى تحتية تتوفر فيها الجودة يعد شرطا آخر لنمو قوي ومستدام· فمن هنا يأتي تعدد التحديات التي تعترضنا· إنها تحديات على قدر أهداف الألفية التي رسمتها بلداننا حيث أنه ما يزال تكثيف إنشاء مناصب الشغل لمواجهة طلب الشغل المتسارع التنامي ومحاربة الأمية وتعميم التعليم والقضاء على الفقر تحديات جساما وعاجلة تقتضي اليوم إيجاد الحلول لها· فخامة الرئيس لقد شهد العام خلال العقود الأخيرة تغيرات جذرية قلبت العلاقات الاقتصادية الدولية· إذ أصبحنا اليوم نشهد توسعا لم يسبق له نظير في حجم السلع المتبادلة وبالخصوص منها المواد التكنولوجية المتطورة وذلك في ظل منافسة أضحت تتم على نطاق عالمي· كما تكثفت حركة تنقل رؤوس الأموال على المستوى الدولي بقدر فائق وأخذت مساهمة البلدان الصاعدة المتزايدة في هذه الحركة الواسعة تعيد صياغة العلاقات الاقتصادية في العالم· وفي هذا السياق الاقتصادي الجديد المترتب عن العولمة تزودت أهم مناطق العالم بمخططات جديدة تتوخى من خلالها التموقع وتنمية صناعاتها أملا في التعاطي لأشكال جديدة من المنافسة غير أن الصناعة ما تزال موزعة بصفة غير عادلة في العالم ذلك أن مساهمة المناطق الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء في الإنتاج الصناعي العالمي مازالت راكدة دون الواحد في المائة· فلا بد من تأكيد أن الصناعة من حيث متطلباتها التكنولوجية والتسييرية تظل الوسيلة المثلى لدعم مسار نمو مستدام واندماج مثمر في الاقتصاد العالمي· إن الصناعة هي قبل كل شيء أفضل ضامن لتحقيق نمو قوي في قارتنا نمو يكون في منأى عن التقلبات المفاجئة للإنتاج وأسعار المواد الأولية· أضف إلى ذلك أنها تعد أساس التقدم التكنولوجي ومجال تطبيقه الأساسي كما أنها تمثل محضا تكنولوجيا بالنظر إلى قدرتها على إنتاج ونشر التجديد التكنولوجي في كافة المجالات الاقتصادية· إن قطاع الصناعة هو محرك جهاز الإنتاج الوطني ومهيكله فذلك ما يوجب اعتبار التصنيع عتلة لتعميم النشاطات والشغل في بقية القطاعات الاقتصادية· إن توفر الموارد الطبيعية لا يكفي وحده لضمان التطور لبلداننا· فلا بد من تحويل مواردنا محليا قبل تصديرها مما يجعلنا نتخلص من اقتصاد الريع ويمكننا أيضا من رفع القيمة المضافة على المستوى الوطني وإثراء نسيجنا الصناعي· كما يجب أن ندرج ضرورة التثمين الصناعي لمواردنا المنجمية ضمن أولويات انتشارنا الصناعي· إن النمو الذي يرتبط أساسا بالظروف العالمية للأسعار أو بالطلب المواتي يزول بمجرد تقلب نفس الظروف التي أتاحت ظهوره· وبالتالي يصبح تنويع اقتصادياتنا من خلال تنويع الصادرات الصناعية بالنسبة لنا نحن الأفارقة ضرورة لا مناص منها والوسيلة الوحيدة التي تمكننا من دعم النمو الحالي لأطول وقت ممكن· غير أن تصدير المنتوجات المصنعة يظل يواجه عراقيل عديدة منها مطابقتها للمعايير التي تفرضها الدول الأجنبية تباعا على منتوجاتنا· وذلك لا يقتضي جهودا استثمارية من قبل المؤسسات فحسب بل ويقضي كذلك دعما من الدول يكون في شكل إقامة منشآت قاعدية لدعم التنافس وتقويم جودة العرض وترقيته· فخامة الرئيس لقد اعتبرنا طويلا أن تنمية الصناعة تتمثل في إنشاء المصانع وحشد الرأسمال المادي· لكن الصناعة الحديثة تستدعي في ظل متطلبات التنافس القدرة على استيعاب التغيرات التكنولوجية استيعابا فعليا وهذا لا يتجسد إلا من خلال وجود رأسمال بشري قادر على التحكم في هذه التكنولوجيات ومساوقتها مع بيئتنا الثقافية والصناعية من حيث إن رأس المال البشري يعد عاملا لا غنى عنه لتحديث الصناعة ويضعفه يصبح ما لم نتوخى الحذر حاجزا أمام اندماجنا في الاقتصاد الدولي· ولئن كان ملائما اليوم العمل على إقامة آليات تمكن من ترقية امتلاك التكنولوجيا والتجديد فإنه من الجوهري أيضا أن نعمل على ترقية الاستثمار البشري بشتى أشكاله وإدماج سائر الفاعلين العموميين والخواص على السواء في المنظومة التربوية أو الصناعة في هذه المساهمة· وعلينا أن نولي عناية خاصة لجودة المورد البشري والانسجام بين تدريب الكفاءات واحتياجات الصناعة لكي تستجيب منظوماتنا التربوية والتكوينية للتطور الصناعي بصفة فعالة وفعلية لمتطلبات التطور الصناعي· وللدولة دور هام في نجاح أية إستراتيجية صناعية· ولا يعني هذا تدخلها لإحداث اختلال في آليات السوق وإنما بالعكس من أجل سد النقائص الموجودة في هذه السوق· هذا ولا يليق أن يكون التشاور مع الأطراف المعنية ورجال الأعمال ومسيري المؤسسات العمومية والبنوك والمنظمات النقابية والمجتمع المدني ظرفيا وكفى بل يجب أن يكون مستمرا لأنه يسمح بتقويم متواصل لاختياراتنا وبإعادة ضبط أولوياتنا الاقتصادية· وأود في ختام حديثي أن أشير إلى أهمية تعزيز الشراكة بين بلداننا من أجل تقوية الدينامية الداخلية للنمو في القارة بأكملها· وعلى هذه الشراكة الشاملة أن تستند على برامج أعمال عملية ومتكاملة تستفيد من المزايا المقارنة التي تتيحها التكاملات الإستراتيجية· وتبين لنا المشاريع المباشرة في إطار مبادرة "النيباد" الطريق الذي يجب انتهاجه حتى نستطيع التكفل بأنفسنا وبتحديد أولوياتنا وطموحاتنا بأنفسنا· فخامة الرئيس لقد أثبتت إفريقيا طوال السنوات الأخيرة أن لديها القدرة على السير في طريق التقدم بالاعتماد على إمكانياتها الخاصة· وهي تثبت كذلك من خلال أدائها اليوم وما يبشر به من آفاق أن الثقة بإمكانها من اليوم فصاعدا أن تحل محل الاستسلام للقضاء والقدر وحوارنا حول استراتيجية قارية للتصنيع يؤكد ذلك بما لا يدع مجالا للشك· أشكركم على كرم إصغائكم·