يفتخر وزير الفلاحة رشيد بن عيسى أنه حقق ما عجز عنه الوزراء المتعاقبون على القطاع، بأن وصل إلى الاكتفاء الذاتي من الشعير الذي تكون قد بلغت احتياطاته ثلاث سنوات كاملة، وأعلن نيته في تصدير هذه المادة لأول مرة منذ سنة 1970 قبيل تطبيق قانون الثورة الزراعية، عندما تم تأميم آلاف الهكتارات وتحول التسيير من ''إقطاعيي'' الزمن الإستعماري إلى بعض الإقطاعيين الجدد من مدراء المزارع ومسؤوليها، وحوّلوا الجرارات التي استفادوا منها إلى سيارات خاصة ثم استولى الكثير منهم على تلك الأراضي ب ''الدينار الرمزي'' وشيدوا على السهول الخصبة بناياتهم التي تفتقر إلى أي حس جمالي· وأنجبت تلك ''الثورة'' التي تم تحريفها عن مسيرها الكثير من الإقطاعيين المعاصرين الذين حققوا بالفعل معجزات لكن في الاتجاه السلبي، عندما حولوا الكثير من المساحات الفلاحية إلى مساحات إسمنتية، وتحولت الجزائر من بلد مصدّر للقمح والشعير إلى واحدة من أكبر البلدان استيرادا لتلك المواد الغذائية، وفي وقت يكثر الحديث عن تطوير الفلاحة، ما زال معظم الفلاحين يعتمد على ما تجود به السماء من أمطار، وحتى ''السد الأخضر'' الذي وضعه نظام بومدين من أجل وقف زحف الصحراء بقي مجرد ذكرى جميلة والصحراء تمتد إلى الساحل سنة بعد أخرى وتتحول مئات الهكتارات إلى أراضٍ قاحلة، وبالتزامن مع ذلك تلتهم ''غابات الإسمنت'' مئات الهكتارات الزراعية، ولا ندري ما هي المساحات الفلاحية الجديدة المستصلحة التي يمكن الاعتماد عليها بشكل علمي حتى نقول بأننا وصلنا فعلا إلى ''الاكتفاء الذاتي'' ونفكر في تصدير القمح والشعير· ومن حسن حظ الوزير الحالي للفلاحة أن السماء جادت في السنوات الأخيرة بكميات معتبرة من المياه التي مكنت بعض الفلاحين من تجاوز نكبات السنين السابقة، وفي الوقت الذي فشل فيه في إقناع أصحاب المطاحن بشراء القمح المنتج محليا الذي يوصف بالقمح الرديء، يؤكد منذ أشهر أنه في طريقه إلى تصدير الشعير لأول مرة منذ أربعين سنة، لكنه عجز عن إيجاد زبون واحد يشتري تلك الكميات· وفي الوقت الذي يقول فيه: ''بايعين الشعير وربي كبير''، لماذا لا يفكر في تخزين كميات الشعير تلك وتوفيرها للسنوات المقبلة عندما يحل الجفاف، فالمعتمد على ماء السماء لن يقامر، وعلى بن عيسى أن ''يخبي شعيرو'' للسنوات المقبلة·