هذا لمن يعرف عمان قبل 40 سنة وأكثر، زمان كانت أسماؤنا أحلى، والنساء أكثر أنوثة ورائحة البامية تتسرب من شبابيك البيوت، وساعة ''الجوفيال'' في يد الأب العجوز أغلى أجهزة البيت سعراً وأكثرها حداثة وحبات المطر أكثر اكتنازاً بالماء·· زمان كانت أخبار الثامنة أقلّ دموية ومذاق الشمس في أفواهنا أطيب وطريق اسم''المصدار'' أقل ازدحاماً بشاحنات الأثاث، كانت غمزة ''سميرة توفيق'' أكثر مشاهد التلفزيون جرأة، و''مجلس النواب'' حلماً يداعب اليسار المتشدد وأجرة الباص قرشين والصحف تنشر كل أسماء الناجحين بالتوجيهي، كان المزراب يخزّن ماء الشتاء في البراميل، وكُتّاب القصة ينشرون مجموعات مشتركة وحلو العرس يوزع في كؤوس زجاجية هشّة تسمى ''مطبقانيات'' والجارة تمدّ يدها فجرا من خلف الباب بكوب شاي ساخن للزبّال فيمسح عرقه ويستظلّ بالجدار! كانت أهم برامج المسابقات ''فكر واربح''، ولم نكن نعرف بعد أن هناك فاكهة تتطابق بالاسم مع منظف الأحذية ''الكيوي'' وأننا يوماً ما سنخلع جهاز الهاتف من شروشه ونحمله في جيوبنا!! كانت ''القضامة المالحة!'' توصف علاجاً للمغص، والأولاد يقبّلون يد الجار صباح العيد، والبوط الصيني في مقدمة أحلام الطلبة المتفوقين! كانت ''أخبار الأسبوع'' لصاحبها عبد الحفيظ محمد أهم الصحف وأجرأها على الإطلاق، و''ألمانيا'' بلد الأحلام، وصورة المطربة صباح على ظهر المرآة اليدوية المعلقة على الحائط، حين تصحو على صوت ''المذيع مازن القبج'' أو''سمراء عبد المجيد''، وظهرا تسمع المذيعة ''كوثر النشاشيبي'' ومساءً تترقب صوت المذيع ابراهيم السمان و التلفزيون يغلق شاشته في موعد محدد مثل أي محل أو مطعم! كانت ''مدينة الأهلي للألعاب السياحية'' في منطقة رأس العين هي وجهة الأثرياء، والسفر إلى منطقة صويلح يحتاج التحضير قبل يومين، والجامعة الأردنية كانت بلا شقيقات! حين كانت أقلام البك الأحمر هي الوسيلة الوحيدة للحب قبل اختراع الموبايلات، وعندما كانت المكتبات تبيع دفاتر خاصة للرسائل أوراقها مزوّقة بالورد، أما الورد ذاته فكان يباع فقط في منطقة جبل عمان،، الحي الأرستقراطي الباذخ في ذلك الزمان! كانت جوازات السفر تكتب بخط اليد، والسفر إلى الشام كان بالقطار، وقمصان ''النص كم'' للرجال تعتبرها العائلات المحافظة عيبا وتخدش الحياء! كانت البيوت تكاد لا تخلو من فرن ''ابو ذان وأبو حجر'' الحديدي، والأمهات يعجنّ الطحين في الفجر ليخبزنه في الصباح، والأغنام تدق بأجراسها أن بائع الحليب صار في الحي والجارة الأرملة تجلس من أول النهار لصق الجدار مهمومة ويدها على خدّها! كان مسلسل ''وين الغلط'' لدريد ونهاد يجمع الناس مساء، ومباريات ''محمد علي كلاي'' تجمعهم في سهرات الثلاثاء وكان ''نبيل التلّي'' أفضل لاعب هجوم في كرة القدم! كانت الناس تهنئ أو تعزّي بكيس سكّر يحمل ماركة ''أبو خط أحمر'' وزنه مئة كيلوغرام، والأمهات يحممّن الأولاد في اللكن، و''القرشلّة'' المحمصة يحملها الناس لزيارة المرضى! كان ''الأنترنت'' رجماً بالغيب لم يتوقعه أحذق العرّافين ولو حدّثتَ أحدا يومها عن ''العدسات اللاصقة'' لاعتبرك مرتدّاً أو زنديقاً تستحق الرجم·· وكل عام وأنتم بخير