تحدث، محمد أنور، في هذا الحوار عن المسرح الجزائري الذي شهد قفزة نوعية من خلال العروض الذي قدمها في الطبعات الماضية، كما سلط الضوء على ظاهرة الاقتباس وما تسببه من انحطاط المستوى على الركح، مؤكدا أن المخرجين من خلال اقتباسهم للنصوص يتآمرون على المسرح العربي بدل أن يكونوا رسله وأنبياءه ·· وبخصوص الهجوم الهمجي الذي وقع مؤخرا على قافلة الحرية قال أن إسرائيل لا تستحي ولا تخجل وقد شكل المتضامنون لها عقدة قتل الأنبياء· سبق أن حضرت أربع طبعات من المسرح المحترف بالجزائر، كيف تقيم أداء المسرح هنا؟ عودتنا السلطات العربية على أن تكّون السدود والحواجز القوية ما بين المشرق والمغرب في الوطن العربي لذلك كانت هناك قطيعة معرفية، وبالتالي لم نكن نعرف أن هناك مسرح جزائري بهذا الشكل القوي الذي يحترم العقل، غير أنه من خلال أربع دورات متتالية لمهرجان المسرح المحترف، شاهدت فيها العشرات من العروض، بعضها يفتقر للكثير من الشروط ومكونات العرض المسرحي، إما في انتقاء الحوار أو السينوغرافيا أو في الإخراج، وفي المقابل كانت هناك عروضا مهمة مثل مسرحية ''بيت برنادا ألبا'' و''الشهداء يعودون هذا الأسبوع'' إلى مسرحية ''أسوار المدينة'' لصونية، وعليه فالمسرح الجزائري يعيش الآن لحظات ذهبية· قبل عقدين من الآن كان المسرح يطرح قضايا الشعب ''الإمبريالية''؛ الفقر؛ القومية'' ·· لكن بعد تراجع الأيديولوجية الشيوعية أصبح يتيما كيف تفسر ذلك؟ الأيديولوجية بشكل عام مثل الإيديولوجية الماركسية وحدها من بين معظم الأيديولوجيات سواء الوضعية أو السماوية التي كانت من مشاريعها إلى جانب إنجاز الاستقلال والتحرر من خلال القضاء على العبودية والاهتمام بالفنون والآداب وتعليمها بالمجان لرفع الشعب بمختلف طبقاته وذلك عن طريق تربيته على قيم الجمال وإذكائها في روح الإنسان، وأعتقد أن الماركسية وحدها من المعتقدات الوضعية التي صنعت جزء كبيرا من عقل البشر وأعادت إليه مبادئه الأخلاقية والسياسية والثقافية بشكل عام، وعليه فالأيديولوجية لا يمكنها أن تحفظ الفن، كما لا يمكنها أن تخلق الإبداع، فهي فقط تساعد المبدع وتهيئ له الغرض لكي يكون قلب وعقل أمته، غير أن الذي يحصل تاريخيا أن كل إبداع فني وأدبي عندما يكون من إنتاج الأيديولوجية أو أنتج تحت وصايتها، يؤدي إلى الزوال، وبالتالي فالأيديولوجية دائما تكون عمياء· ترجمة النصوص المسرحية من لغتها الأصلية إلى العربية، ومحاولة إسقاطها على الواقع العربي في أغلب الأحيان، يفقدها جماليتها ويجعلها من النصوص الجامدة التي معنى لها، ما تعليقك على ذلك؟ أي نص مسرحي عربي أو عالمي هو بالأساس خطاب إنساني، وفشله وعدم قدرته على الوقوف على قدميه حيا يعود إلى عدة أسباب منها المترجم الذي يتحمل جزء كبيرا من المسؤولية إذ أن هناك ترجمات تفقد نصوص حرارتها، كما أن هناك مسؤولية تقع على عاتق المخرج الذي يقرأ النص قراءة ذهنية وليس قراءة فكرية وتقنية، وسواء كان النص يترجم من العربية إلى لغة أخرى أو العكس، فإنه مرة أخرى يولد ميتا· ألا ترى أن ظاهرة الاقتباس أصبحت المنجد الوحيد الذي يتجه إليه المخرج؟ الاقتباس أحيانا يكون ضرورة فنية أو فكرية، وأحيانا يكون سلبيا بالدرجة الأولى، وهذا ما لمسته على المستوى العربي، ذلك أن الضرورة الشخصية ليست لها علاقة بقوة قيم الحق والجمال في النص المقتبس منه، وأعتقد أن هذا التوجه سيفقد العمل أكثر من خمسين بالمائة من أفكاره، أي نصف لحمه ويبقى لنا النص في الأخير مع الهيكل العظمي، لذلك نرى عرضا عاريا، وعليه فالكاتب المقتبس والمخرج هما من يتحمل مسؤولية ذلك ·· ثم لماذا الاقتباس؟ هناك في حياتنا العربية المئات من النصوص المسرحية الموضوعة بلغتنا، ولغتنا تفي باحتياجات كل مخرج مهما كان توجهه أومعتقده السياسي، وبتقديري فإن مخرجينا باقتباسهم يتآمرون على المسرح العربي بذل أن يكونوا رسلا وأنبياء له· أين هو دور الناقد المسرحي في ظل تدهور وانحطاط الأعمال المسرحية؟ الناقد المسرحي العربي هو الآن مثل الأسماك التي تسبح في حوض يجف ماءه، لأسباب منها أنه لا يستطيع قراءة العمل قراءة جمالية وسياسية بالقيم والمعاير التي تربى عليها سواء في الدراسة الأكاديمية أو في التحصيل المعرفي الذاتي، فيقول في نقده كلمة حق لأن الحاكم العربي سرعان ما سيرفع سيف الاستبداد ليقطع رأسه لأن مساحة الحرية أو حجمها يتضاءل، وهو مربوطءالعروض المسرحية الكبيرة بعد العرض الأول والثاني يتم إيقافها من طرف الحاكم لأنها تمس سياسته أو تمس ذاته باعتباره وصي الله على العرض· ما رأيك في الهجوم الإسرائيلي الذي وقع مؤخرا على قافلة الحرية؟ إسرائيل ليست كذبة، ولقد تربينا على أنها كذلك، وفي طرفة عين نحن الملايين من البشر يمكن أن نلقيها في البحر، وفي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تحفر لنا قبرنا وتبين ذلك في حروبها معنا من حرب 48 إلى 56 ومن 67 إلى 73 ومن 82 إلى حرب 2006 بلبنان إلى حرب غزة سنة 2009 حيث عاملتنا على أننا دمى، مستخفة بعقولنا وكرامتنا، وأنا بدوري أعاتب على هذه القافلة التي ذهبت وهي تحمل وجدان كل العرب معتقدة أن إسرائيل ستخجل منهم وتستحي وستفك الحصار على غزة، وقد رأينا ما فعلت بها؛ إسرائيل تاريخيا قامت بقتل الأنبياء، وأعتقد أن قافلة الحرية شكلت لها عقدة قتل الأنبياء، مثل عقدة أوديب، لذلك ضربتهم وستضرب من يفكر في الاقتراب منها، فهي غير مبالية لكل الاستنكارات مهما كان شكلها أو لونها أو مصدرها· كمثقفين ومسرحيين، ماذا يمكن أن نقدم للقضية الفلسطينية والعراقية، وللإحباط العربي؟ الفنان والمبدع لا يملك عصا موسى، وعليه فإن الفن والإبداع ليس قنبلة، وإنما كلمة أو فعلا يوقظ العقل ويحرك الإحساسات ويعيد لها اعتبارها، والمسرحيون بشكل عام، باعتبارهم على تماس مباشر مع الجمهور، قد يكون لهم القدرة أكثر من الرسام والموسيقي والشاعر والروائي على إذكاء روح التمرد والعصيان ضد الحاكم الذي يحتكر الحياة ·· إننا دمى يستخف بعقولنا·