عندما جاء الصديق الشاعر نوري الجراح إلى الجزائر لإعداد كتابه ''الفردوس الدامي 31 يوماً في الجزائر'' والذي كان نتاج رحلة إلى الجزائر خلال المرحلة الدموية، حيث صدر هذا الكتاب/ الشهادة سنة 2000 عن ''دار رياض الريس'' في بيروت، جمعنا كتابنا وفنانينا من مختلف الأجيال والحساسيات للحديث في قضايا وإشكالات ثقافية·· وبعد فتح الجلسة تناول الحضور الكلمة، ومنهم صديقنا الظاهرة الثقافية لخضر بوالطمين، وقد سأله نوري بعفوية عن شخصه الكريم ، لأن الجلسة كانت مسجلة· وكي يوثق المتدخلون عليهم تقديم أنفسهم· فهم لخضر أن سؤال نوري الإستنكاري: من أنت؟ هو إهانة وتقليل من شأنه، نظر لخضر إلى نوري مطولا وقال له: هل تعرف ساحة الثورة؟ تلك الساحة الموجودة في منتصف المدينة، أمام بناية البلدية والمسرح الجهوي ؟ أجاب نوري متعجبا: عرفتها الآن·· بها أشجار كبيرة تسمى أشجار الفيكوس هل رأيت تلك الأشجار؟ قال: نوري نعم، ولكن ما علاقتها بالموضوع؟ أجابه إجابة مثيرة للتساؤل: أنا تلك الشجرة· أنا معلم هذه المدينة، لا أحد يجهل لخضر بوالطمين·· ثم نهض غاضبا وغادر الندوة·· ضحك الجمع وحاول البعض توضيح المسألة لنوري وتجاوز نوري العائق وسجل رده على صفحات الكتاب دون الإشارة للشجرة·· لا أحد في عنابة، فعلا، يجهل لخضر بوالطمين·· هو من علاماتها الكبيرة جدا، دائم الحضور في القضايا الثقافية والفنية، وحتى السياسية، ربما يذكر الجميع في عنابة أنه سحب استمارة ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية· عرفته في قاعات المؤسسات الثقافية في عنابة منذ الثمانينات وتكرست علاقتي به أكثر حين أسسنا نادي الإبداع الأدبي والفني بقصر الثقافة والفنون· هو كان فاعلا في الأنشطة الثقافية ومعلقا ومحاضرا صانع الفرج وجوده حدث مسرحي وكان يحبني لثلاث أسباب : -أولا: مواجهاتي وخلافاتي المستمرة مع فرع إتحاد الكتاب الجزائريين (فرع عنابة) الذي كان يشرف على رئاسته صديقي الدكتور أحمد شريبط، أطال الله في عمره -ثانيا: موافاتي له دائما بدعوات المشاركة وحضور الأنشطة الأدبية بدار الثقافة مشفوعة بعبارة تقدير: إلى الأستاذ القدير الكاتب لخضر بوالطمين -ثالثا: أن أصولنا من ولاية واحدة هي جيجل، أنا من مدينة الطاهير وهو من مدينة الشقفة، وكان يجد العزاء معي في الحديث عن تاريخ وجغرافيا هذه المدينة التي يعشقها حد التعصب، وكان يقول لي أنا أسكن حيث تسكن الصقور يقصد أنه من أعالي جبل سدات وأنت تسكن حيث تمرح الذئاب أنا إبن الأعالي وأنت إبن السهل ····················· سنوات مرت ولقاءاتي مستمرة يوميا مع لخضر مرض بداء السكري وكان رفقة الدكتور شريبط في نفس المستشفى وحين تم قطع رجله بسبب هذا الداء جئته معزيا فقال لي ضاحكا: ليس مهم قطع الرجل·· الأهم هو عدم اغتيال العقل وقطع الرأس·· غادرت عنابة إلى منفى جديد يسمى العاصمة وقليلا جدا ما ألتقي بلخضر متكئا على عصاه خيث انسحب تدريجيا من مختلف النشاطات الثقافية في عنابة وكنت غالبا ما أجده مستنكرا وناقما على الوضع الثقافي، بل يشد على يدي ويقول لي: عنابة يا ناصر ناكرة للجميل أهرب منها·· ستصل كان، فعلا، شجرة فيكوس عالية وضخمة، تضلل أوجاعنا صنع فرحنا·· وكنت أصغ بكثير من فهم شخصية هذا المعلم الثقافي البارحة أخبرني صديقي السينوغرافي ناجم شراد حين استقبلني في محطة السيارات بسيدي إبراهيم، بعد عودتي من المهرجان الوطني لمسرح الهواة لمدينة مستغانم وأخبرني بحزن وهو يعرف مقام لخضر عندي أن لخضر توفي منذ أكثر من شهر لم أحتمل الخبر كان خبرا موجعا لي إتصلت هاتفيا بصديقي الشاعر سكتة سيف الملوك لمعرفة أكثر وقال لي لقد توفي فعلا منذ أكثر شهر سألته: لما لم تخبرونني؟ أجاب: نحن أيضا سمعنا بوفاته متأخرين ولم نحضر جنازته سألته: لما لم تقيموا وقفة تكريمية لهذا الرجل / القامة وأقفلت الخط ساخطا ولاعنا·· إنه لخضر بوالطمين من ينكر حضوره البهي في أعراسنا الثقافية لا يمكنني اللحظة سوى أن أبكيه بحرقة الطفل وأرثيه وأرثي نفسي معه كان يريد أن يكون موسوعيا وتلك مشكلته أساسا كتب عدة مقالات وخواطر ونشرها في بعض الصحف الجزائرية، وانتسب كعضو عامل في اتحاد الكتاب الجزائريين منذ الثمانينات، وكان من بين الأوائل مع الشاعر عزالدين ميهوبي والروائي عبدالعزيز غرمول ضمن قائمة الفائزين بترشيحات رئاسة الاتحاد الوطني للكتاب الجزائريين الذي جرت فعالياته في ولاية سطيف منذ سنوات وغادر الرجل/ الشجرة في صمت هذه المدينة اللعينة كما غادرها الكثيرين من مبدعيها·· أيها الرائع سي لخضر·· كلما أزور عنابة مستقبلا، سأقف قرب أشجار الفيكوس في ساحة الثورة وأرفع رأسي عاليا وأبتسم·· أبتسم لك·· - أيها - الشجرة العالية الواقفة في العراء كم كنت طيبا·· ومسالما ومحبا للخير والجمال وشجاعا في إعلان رأيك تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته·