هل حقا الحكام كغيرهم من البشر يندمون على ما فعلوا من أخطاء إرتكبوها في حق شعوبهم أم أن السلطة والمال والكرسي يعمون بصيرتهم إضافة إلى الناس التي تؤيدهم على طول الخط وتصفق لهم ليلا ونهارا، وهذا الذي يجعلهم لا يرون دموع المظلومين أو المقهورين بسبب حكم أو قرار جائر وظالم من حاكمهم أو أحد أعوانه، وتكشف صفحات التاريخ أن هؤلاء الحكام لم يكن في وسعهم قهر الشعوب دون وجود هؤلاء السدنة من المنافقين والمرتزقة الذين يبررون لهؤلاء مظالمهم وجرائمهم البشعة في حق الشعوب، والتي يطلب منها فقط الطاعة والولاء لكل مظاهر هذا الجبروت والفساد، وفي النهاية يفقد الشعب كل مقوماته لديمومة الحياة ويصير معرضا لكل تدخل خارجي ما لم يخرج الشعب عن صمته ويواجه، ولنا في روما أكبر مثال على ذلك، فإمبراطور روما في أواسط القرن الميلادي نموذج لسادية الحكام حيث كان يرى في نفسه إلاها وفنانا يحلم بإعادة بناء روما وفقا لخياله المريض وليجعلها مدينة له ولم تهمه الوسيلة التي يحقق بها هدفه ولم يعنيه بمن يضحى، فقام بحرق روما وألصق تهمة حرقها بطائفة من المسحيين، واستمر في مكيدته حتى عثر على مجموعة مرتزقة ضعاف النفوس أقنعم بأن يشهدوا زورا ضد هذه الطائفة المسيحية بأنها هي التي أحرقت روما بزعم أنهم يكرهون الجنس البشري، وكان ذلك مسوغا لهذا الإمبراطور ليشبع نهمه من القسوة والوحشية بالتفتن في تعذيب هذه الطائفة، فدفن بعضهم أحياء وصلب البعض الآخر، وترك الباقي غنيمة للكلاب تنهش أجسادهم، حقق هذا الإمبراطور حلمه بإقامة روماالجديدة بقمع باهظ من الإسراف وظلم العباد· والسؤال المطروح هو هل يشعر الحاكم العربي بالندم ويتألم مثل بقية الشعب الذي يحكمه بسبب المآسي والمظالم الناتجة عن قراراته الظالمة؟ وهل يمكن أن يتخلى عن أنانيته وكبريائه ليرجع عن قرار خاطئ أو يرفع مظلمة عن شعبه، وهل يمكن لحاكم عربي أن يعيش لحظة يقظة ضمير تدفعه لتصحيح الأخطاء ولو بدأ من المظالم والخطايا التي ارتكبها وزراؤه أو موظفوه الذين يمثلون في حكوماته، ولا أخفيكم سرا أنني أقصد دولا عربية كثيرة ولن أبدأ من الجزائر لأننا أخف وطأة كثيرا من غيرنا من البلاد العربية الأخرى لأنه كما قال الشاعر: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وعلى قدر أهل الكرام تأتي المكارم: وجزائرنا دولة صغيرة من دول العالم الثالث، فماضينا ومظالمنا تكون بقدر حجمنا ولكن الدور الباقي على الدول العظمى التي تظلم الشعوب وربما شعبها· والإجابة على سؤالنا الذي طرحناه من قبل هو أن الكثير من حكام العرب لم يعرفوا معنى الندم على جرائمهم في حق شعوبهم، وتمنعهم سيادتهم من الإعتراف بالأخطاء ومحاولة الإصلاح، وهذا ما جعل الكثير من الشعوب تعاني من ظلم حكامها حتى في أكثر الدول تقدما، وربما يمتد ظلمها لشعوب أخرى بعيدة عنها، أما المظالم في جزائرنا فتكون صغيرة بحجم انتمائنا لدول العالم الثالث، فماضينا ومظالمنا تكون وفق حجمنا، أليس الله أنعم علينا نحن العرب بنعم كثيرة ومنها الدين الإسلامي والقانون الإلهي والإرتباط بمنطق الحساب حيث الثواب والعقاب، والحقيقة أن تاريخنا العربي لم يكن بمنأى عن المظالم، ونكتفي بالإشارة إلى دموية الحجاج بن يوسف الذي يبدو أنه رضع الدماء بدلا من الحليب·